كُتّاب الموقع
“الشطرنج” الروسي في مواجهة “البوكر” الأمريكي

شروق مستور

الجمعة 29 نيسان 2022

الشطرنج والبوكر لعبتان مختلفتان من حيث الاستراتيجية والقواعد المتبعة، ومن حيث فرص الربح والخسارة، ولكن في الحقيقة كلاهما يتطلب مهارة عالية وحيلة للفوز.
 
فالشطرنج هو تلك اللعبة التي تكون بين شخصان على رقعة ذات شكل مربع تضم أربعة وستين مربعاً متناوباً ما بين اللون الأبيض والأسود، وتكون مبنية على قواعد تنظيمية تخص اللاعبين وأخرى تخص الحركات. ومن أهم أهداف الشطرنج هو دراسة استراتيجيات اللعبة للوصول إلى وضعيات تمكن اللاعب من تحصيل امتياز ما؛ قد يكون الحصول على افضلية الوقت أو المكان أو المادة، فيما يعتبر أهم مكسب استراتيجي فيها هو الحصول على حالة امتياز تتمثل في أخد قطعة مهمة أو الفوز بموقغ مؤثر للفوز.
 
في المقابل، يعتبر البوكر لعبة الورق، وتعتمد على الرهان أي الحظ. لكن هذا لا يعني غياب الاستراتيجية فيها، حيث هناك نوعان من استراتيجيات فيها، خاصة وعامة، وهي تلعب بأشكال مختلفة في جميع أنحاء العالم، حيث يجب على اللاعب أن يتصل (أي تطابق) الرهان، أو رفع (أي زيادة) الرهان، أو التنازل (أي الخسارة)، ولقد نشأت فكرتها في أمريكا الشمالية، ولهذا تتمتع بشعبية كبيرة هناك.
 
من أهم استراتجيات لعبة البوكر:
 
 
عليك دائماً بالرهان على الكل All-in خصوصاً إن كنت تثق أن لديك اليد الأقوى:
 
1. إذا كنت غير واثق في يدك، فلا تغامر بالرهان. تستطيع أن تنسحب من الجولة.
 
2. إذا كانت يدك غير قوية وتريد مواصلة اللعب، فعليك تعلم المراوغة. لا تعطي اللاعبين الآخرين إيحاءً بأنك في موقف سيء.
 
في الحقيقة، من الممكن القول بأن لعبتي الشطرنج والبوكر يعبران عن صورة مجازية لحياتنا اليومية، بل من الممكن أن تعبرا حتى عن سياسة بعض الدول؛ فلطالما تم التعبير عن النظام الدولي برقعة الشطرنج، وخاصة النظام ثنائي القطبية الذي يكون فيه مواجهة بين طرفين.
 
لقد ارتبطت لعبة الشطرنج بروسيا – التي تعتبر مهداً لأكبر اللاعبين العالميين منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي – حيث يقال في السياسة أن الروسي يلعب الشطرنج المحسوب بدقة، بينما الأمريكي يلعب “البوكر” القائم على المخاطرة.فما مدى صدق هذه المقولة؟
 
1. تفوق روسي في الشطرنج السياسي
 
تُعَد لعبة الشطرنج أحد الأمثلة المثيرة للاهتمام حول تقاطع حدسنا مع حِسّنا الفكري، وهي تعبر بشكل كبير على عملية صناعة القرار حيث يتقاطع حدس القائد المتمثل في خلفيته ونشأته الاجتماعية وقيمه، مع فكره والبعد النظري للقيادة، لينتج لدينا ختاماً تحركات أو سياسات في رقعة الشطرنج العالمية.
 
ففي فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، أخذ السيناتور تيد كروز يلوم ضعف الرئيس على ضعفه في مواجهة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حيث قال “عرف العالم مباريات كبيرة في الشطرنج. على الصعيد الجيو – سياسي، يوشك الروس أن يعرفوا أستاذاً كبيراً في تلك اللعبة، بينما الولايات المتحدة منكبة على لعبة الداما.”
 
ضمن السياق نفسه، استرسل النائب الأميركي السابق مايك روجرز منتقداً الرئيس أوباما بالقول “بوتين يلعب الشطرنج، ونحن نلهو بكرات الرخام”.
 
إقرأ أيضاً: ما هي تداعيات العزلة السياسية الخانقة على روسيا بسب غزوها أوكرانيا؟
 
وفي تصريح لمجلّة “ذا ويك” البريطانيّة مفاده أن الرئيس بوتين يتحرك بخطوات لاعب شطرنج محترف على عكس الولايات المتحدة التي اصبحت لاعب مبتدئ، حيث لطالما اندرجت تحركات الرئيس الروسي الأخيرة منذ تدخلاته في الشرق الأوسط ضمن الواقعيّة السياسيّة، في حين أن رؤى الرئيس أوباما كانت تصنّف ضمن تقاطع شائك بين الواقعيّة والمثاليّة الدوليّة، وتضيف أن من إيجابيات بوتين قدرته على “فهم قوي لنقاط الضعف لدى خصومه وارتياحه لفاعلية القوة الصريحة”.
 
أيضاً، ترى المجلة أن استخدام الرئيس بوتين لجيوش الحلفاء وسياسة التدخل الحاسم، جعلت روسيا تسيطر على القرم، أبخازيا وترانسدنستريا، أي تلك المنطقة التي اانفصلت عن مولدافيا، و”قطعة وراء قطعة يبدو بوتين أنّه يعيد بناء الكتلة السوفياتيّة”، بحسب ما ذكرته صحيفة “ذا وول ستريت جورنال” الأمريكية.
 
 
من هنا، يعتبر الكثير من الباحثين بأن تحركات الرئيس بوتين، الصلبة والمباشرة، هي تعبير مباشر عن براعته في لعبة الشطرنج، بينما المراوغة الأمريكية وغياب الثبات يعبران عن ضعفهم في الشطرنج السياسي، وبالمقابل براعتهم في البوكر والرهانات التي تكون في كثير من الأحيان رابحة.
 
على سبيل المثال وفي الأزمة الأوكرانية، يمكننا أن نلمس الشطرنج السياسي في تحرك الرئيس بوتين الحاسم للفوز بأفضلية الوقت أو المكان، الذي اعتبره الكثير من المحللين بأنه تحرك بعيد عن العقلانية. لكن بالنسبة للطرف الروسي، يمكن القول بأنه تعبير عن الرؤية الواضحة، واجتياح اوكرانيا يعتبر خطوة روسية تسبق الخطوة الأمريكية بضم كييف لحلف شمال الاطلسي – الناتو؛ ومن يختار موقع أفضل في بداية اللعبة، يضمن – على الأقل – اللعب بأريحية أو يتجه إلى الفوز.
 
2. هل يفشل البوكر الامريكي؟
 
لطالما انطلقت الولايات المتحدة – في مختلف سياساتها – من موقع القوة، حيث شكّلت هيمنتها على العالم نقطة ايجابية لها في كثير من الأحيان، وقدمت لها شرعية تحت غطاء حماية الأمن والسلم الدوليين.
 
في البوكر السياسي، إن كنت تثق بأن لديك اليد الأقوى فعليك دائماً بالرهان على الكل All-in، أي أن تطمح لتحقيق المكاسب النسبية وهذه كانت سياسة واشنطن دائماً، خاصة بسبب تواجد قواعدها العسكرية في أغلب مناطق العالم، والذي قدم لها أفضلية الرهان.
 
وعلى الرغم من أن الكثير من المحللين يعتبرون انسحاب واشنطن من افغانستان خسارة وضعف، ولكن هناك تيار آخر مؤمن بأن الخطوة الأمريكية كانت مدروسىة بشكل جيد؛ فأمريكا انطلقت من مبدأ “إذا كنت غير واثق في قوتك وقدرتك، فلا تغامر بالرهان كي تستطيع أن تنسحب من الجولة”. وأفغانستان تمثل جولة واحدة في لعبة البوكر الأمريكية العالمية، والرهان المشكوك فيه كان سيشكل خسارة اقتصادية وسياسية أكبر، بل وحتى عسكرية والتي من الأفضل استغلالها في مناطق أخرى أهم وفيها ضمانات أكبر للمكسب.
 
بالإضافة إلى أفغانستان، لا شك بأن الحرب الاوكرانية مهمة جداً بالنسبة لواشنطن، فالكثيرمن المراقبين يعتبرون أنها نقطة تحول في الإستراتيجية الأمريكية. ولكن هناك سؤال يطرح نفسه هنا: هل واشنطن تفتقد لقوة الضغط والتأثير في هذه الحرب بظل التوفق الروسي خاصة من ناحية التموقع؟ إذا انطلقنا من هذه الفرضية، في هذه لا تمتلك الحالة الولايات المتحدة الكثير من الخيارات الواضحة؛ فإذا كانت امكانياتها ضعيفة، من الضروري عليها مواصلة اللعب خاصة بعد الوعود المقدمة لأوكرانيا وأوروبا، فلاعب البوكر السياسي في أمريكا عليه أن يراوغ ليضمن الاستمرارية في المعركة وزيادة فرص ربحه.
 
لكن بينما تعتمد البوكر على الرهان والحظ، نجد أن الشطرنج لعبة ذكاء واستراتجيات ثابتة. وعلى ما يبدو، إن فرص الفوز الأمريكية ضعيفة في هذه الجولة أيضاً، لكن بما أن واشنطن لا زالت تتمتع بامكانيات ضخمة، ولا تزال مسيطرة على عرش الهيمنة العالمية، ففرصها في الربح أيضاً ليست بضئيلة. فالمراوغة المدعومة بالقوة، قادرة على التغلب على الذكاء في كثير من الأحيان.
 
المراجع:
 
1. جورج عيسى. أوباما وبوتين في شطرنج السياسة … مات الملك! جريدة النهار. 24/10/2015.
2. د م. استراتيجيات الشطرنج،. معرفة. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3Ev5FqU
3. أنظر:
William N. Thompson, Poker, Britannica, Aug 06, 2019
4. أنظر:
Ognjen Vukadin, Ilya Prokin. Poker Strategy. Brilliant. From:
https://bit.ly/392WW3q
5. أنظر:
Chess. cambridge dictionary. From:
https://bit.ly/3Ol8LCe
 
مصدر الصور: Political and International Studies – New Lines Magazine.
 
 
شروق مستور
 
طالبة ماجستير علاقات دولية / تخصص دراسات أمنية وإستراتيجية – الجزائر
 
 
 
 
المصدر: مركز سيتا