كُتّاب الموقع
معادلات الصراع تتطور.. نُذر اشتعال جبهة المحيط الهادئ

مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية

الجمعة 29 نيسان 2022

حذّرت الولايات المتحدة الأمريكية من أنها “سترد” في حال أقامت الصين قاعدة عسكرية في جزر سليمان ذات الموقع الاستراتيجي والتي وقّعت مؤخراً اتفاقاً أمنياً مع بكين.
 
الاتفاق الأمني زرع مخاوف كبيرة لدى أمريكا وأستراليا، المجاورة للأرخبيل، من توسيع النفوذ الصيني في منطقة المحيط الهادئ، وأعلن البيت الأبيض أن وفداً أميركياً رفيع المستوى حذّر القيادة في جزر سليمان من أن الاتفاق الموقع مؤخراً “قد تكون له تداعيات أمنية إقليمية” على واشنطن وحلفائها.
 
تصعيد غربي
 
قالت وزيرة الشؤون الداخلية الأسترالية كارين أندروز، إنه “من المرجح جداً” أن ترسل الصين قوات إلى جزر سليمان، بعد توقيع اتفاق أمني مثير للجدل مع الدولة الواقعة في المحيط الهادئ، ورداً على سؤال عما إذا كان من الممكن أن تطلب الصين إرسال قوات إلى جزر سليمان خلال العام المقبل، وأوضحت أنه “من المرجح أن يكون هذا هو الطريق الذي تسلكه الصين في منطقة المحيط الهادئ”.
 
وتابعت أندروز: “من الواضح أن بكين تدرك جيداً أننا في خضم حملة انتخابات فدرالية الآن”، موضحة “نحن نتحدث عن تدخل سياسي وهو يتخذ أشكالا عديدة”.
 
ولتبريد الأجواء الملتهبة، حاول ئيس وزراء جزر سليمان، ماناسيه سوغافاري، طمأنة واشنطن وكانبيرا، قائلاً إن الاتفاق مع الصين، لا يشمل إقامة قاعدة عسكرية، لكنه لم ينشر النسخة النهائية للاتفاق، وكانت نسخة من مسودة الاتفاق سرّبت الشهر الماضي وسبّبت صدمة في أستراليا، لتضمنها مقترحات تجيز نشر قوات من الشرطة والبحرية الصينية في الأرخبيل.
 
أمريكياً
 
جاء في بيان البيت الأبيض أن “الوفد أوضح أنه إذا اتُّخذت خطوات باتّجاه وجود عسكري دائم بحكم الأمر الواقع، أو لفرض الهيمنة أو لإقامة منشأة عسكرية، فستكون للولايات المتحدة هواجس كثيرة وسترد وفق ما يقتضيه الأمر”.
 
وأشار البيان إلى أن “الولايات المتحدة أكدت أنها ستتابع التطورات عن كثب بالتشاور مع شركائها الإقليميين”.
 
وخلال اجتماع دام 90 دقيقة مع رئيس جزر سليمان سوغافاري و24 شخصاً بين أعضاء في الحكومة ومسؤولين رفيعي المستوى، بحث المسؤولون الأميركيون في تسريع فتح سفارة أميركية وتقديم مساعدة للرعاية الصحية وتسليم جرعات لقاحية و”تعزيز الروابط بين الشعبين”، وفق البيت الأبيض.
 
وللحد من تنامي قدرة الصين هناك، تعمل واشنطن على احتواء الصين، وتعهد أميركي بإنشاء سفارة في هونيارا، عاصمة المحمية البريطانية السابقة، ودعم الجزر بمشاريع واستثمارات خاصة وأن شعبها البالغ عدده 800 ألف نسمة يعاني الفقر.
 
الجدير بالذكر أن جزر سليمان التي كانت مسرحاً لجبهة قتال في الحرب العالمية الثانية، لم تقم علاقات مع الصين إلا عام 2019 بعد الابتعاد عن تايوان.
 
 
قوة التنين الصيني
 
تتخوف الولايات المتحدة من تنامي قدرة الصين في المحيط الهادئ، وتقوم بدعم جزر سليمان وقبلها تايوان، لكن الأمر المهم الذي هي متأكدة منه أن نشوب أي صراع بينها وبين بكين في المحيط الهادئ، فالنتيجة محسومة لصالح الصين.
 
في هذا السياق، قال الباحث المختص في قضايا الأمن الدولي، محمد فوزي، إن إعلان الصين رسميّاً في 19 أبريل/ نيسان الاتفاق الإطاري بشأن التعاون الأمني مع جزر سليمان، هو تحرك يمكن قراءته في ضوء 4 اعتبارات رئيسية: أولها هو تحويل ولاء الجزر وتوجيه قبلتها الدبلوماسية من التحالف مع تايوان، إلى التحالف مع الصين، إذ تمثل جزر سليمان أكبر جزر ودول المحيط الهادئ التي يربطها تحالف وعلاقات دبلوماسية مع تايوان، ويعود تاريخ التحالف بينهما إلى سنة 1983، وهو تحالف كانت ترى فيه الصين تهديداً لمصالحها وأمنها القومي.
 
الأمر الثاني، يتعلق باستراتيجية الصين في المحيط الهادئ، إذ تسعى الصين عبر هذه الاتفاقية إلى تعزيز حضورها في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة، لمواجهة التحركات التي تقودها الولايات المتحدة، لتحجيم نفوذ الصين في منطقة المحيط الهادئ، وهي التحركات التي تقوم بشكل رئيسي على التوسع في جمع الحلفاء وإنشاء تحالفات إقليمية لمواجهة النفوذ الصيني، مثل: “أوكوس”، وبالتالي قد تسعى الصين إلى إقامة قاعدة عسكرية لها في جزر سليمان، كأحد المخرجات التي ستنبثق عن هذه الاتفاقية، وهو أمر أشارت إليه تقديرات ودوائر سياسية أميركية.
 
 
الاعتبار الثالث، يتمثل في محاولة احتواء التحركات الداخلية المناهضة لنفوذ الصين في جزر سليمان، إذ تشهد جزر سليمان بين الحين والآخر تحركات احتجاجية مناهضة للحضور الصيني، كان آخرها الاحتجاجات التي اندلعت في أواخر عام 2021 في العديد من مناطق جزر سليمان، وهي الاحتجاجات التي أسفرت عن تعرض شركات مملوكة لصينيين للتخريب والحرق في العاصمة هونيارا، ويعزز من هذه الفرضية كون الاتفاق الأمني بين الطرفين ينص في أحد بنوده على إمكانية إرسال الصين قوات شرطية وبحرية إلى جزر سليمان في حال طلبت الحكومة المحلية ذلك.
 
الاعتبار الرابع والأخير، هو ذو طابع اقتصادي، إذ يأتي هذا الاتفاق بالتزامن مع تحركات صينية للسيطرة على مقدرات جزر سليمان الاقتصادية والاستفادة منها.
 
من هنا، إن التطورات الاخيرة بدون أدنى شك تعزز نفوذ الصين في جزر سليمان والمحيط الهادئ بشكل عام، لكن هذا الوضع سيكون محكوماً بالتزام جزر سليمان على القدرة على تنفيذ مطالب الصين ومدى قدرتها على مواجهة التحركات الداخلية المناهضة للصين، فضلًا عن الضغوط التي ستمارسها القوى الدولية المناهضة للصين في المحيط الهادئ، خصوصًا الولايات المتحدة وأستراليا على جزر سليمان، فإن تحقق ذلك، تكون الصين قد تسيّدت على تلك المنطقة بكل تأكيد.
 
مصدر الأخبار: مركز سيتا + وكالات.