كُتّاب الموقع
الحرب الروسية – الأوكرانية.. درس لتحالفات العرب

عبد العزيز بدر القطان

الأربعاء 9 آذار 2022

لن نتحدث عن مسببات الأزمة الروسية – الأوكرانية، القديمة – الحديثة. بدأت الحرب وأصبحت أمراً واقعاً، وليس هناك أسهل من بدء الحروب، لكن وضع حد ونهاية لها، هو الأمر الذي يؤرق الجميع. وبصرف النظر عن كل التحليلات التي تُساق على القنوات والوكالات الإخبارية العالمية، تبدو أنها منقسمة بين فريقين، بين معسكرين، بين اتجاهين، بين قطبين، ما يعني أن الشرخ الدولي أخذ حجماً وحداً غير مسبوق قد يطيح بأنظمة ربما، أو قد يدمر اقتصادات عالمية كبرى.
 
بدأت القصة منذ 8 أعوام. وبحسب الرواية الروسية، إستهدفت القوات الأوكرانية منطقة دونباس، وبلغ عدد الضحايا في كل من دونيتسك ولوغانسك أكثر من 14 ألف قتيل طيلة تلك الفترة. ولمن لا يعلم، يتواجد في الدونباس أكثر من 400 ألف روسي، وأغلب سكان تلك المناطق يتحدثون الروسية، وهم امتداد لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
 
وعلى الرغم من أن اتفاقية مينسك تضمن لسكان تلك المنطقة العيش الكريم، لكن يبدو أن ثمة انقلاب على هذا الاتفاق ومضمونه، عندما إتفقت عليه قادة 4 دول وهي طرفا الأزمة – روسيا وأوكرانيا – إلى جانب وسيطين فرنسا وألمانيا، بصيغة سميت “رباعية نورماندي” العام 2014، في أعقاب اشتباكات مسلحة اندلعت في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا بين القوات الحكومية الأوكرانية ومقاتلين موالين لروسيا. نص الاتفاق على تهدئة الصراع، كما عقدت عدة جولات من المحادثات منذ ذلك الحين، ما أسفر عن توقيع اتفاقية مينسك. لكن يبدو أن الاتفاقية فشلت وعاد القتال مجدداً، فما كان من روسيا إلا أن اعترفت باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، قبيل اتخاذ قرار الحرب.
 
تعددت الروايات وكان أغلبها يدور حول احتمال اندلاع حرب والذي كان ضعيفاً جداً، انطلاقاً من أن روسيا لا يمكن أن تغامر بالعامل الاقتصادي بعدما أصبحت تتربع على عرش العالمية إن كان في حجم احتياطها النقدي من العملات الأجنبية ومن احتياطي الذهب العالمي حيث تصنيفها في المرتبة الرابعة على مستوى العالم.
 
لكن قرار الحرب وقع وحدثت الحرب، وتداعياتها ستشمل العالم كله على اطلاع على كم وحجم العقوبات الغربية على روسيا في محاولة منهم لعزلها؛ إلا ان واقع الحال يقول إن النتيجة متبادلة، فأوروبا تعتمد على 40% من الغاز الروسي، لكن من أوراق الضغط، وقف مشروع “نورد ستريم – 2″، أو ما يعرف بمشروع “السيل الشمالي – 2” بين ألمانيا وروسيا، وفرض عقوبات على الرئيس فلاديمير بوتين وأغلب الساسة الروس، وإزالة روسيا من نظام سويفت للتعاملات المالية، وقطع العلاقات وإغلاق سفارات وطرد بلوماسيين وحجب وإغلاق مكاتب الإعلام الروسي، ولربما هذه العقوبات لو فرضت على دولة أقل من قوة روسيا بقليل لانهارات خلال ساعات، لكن على ما يبدو أن موسكو قد درست كل هذه الأمور قبل الإقدام على خطوة الحرب تلك.
 
في وقت سابق، قدمت روسيا الضمانات الأمنية التي تريدها من الجانب الغربي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية حول مسألة توسع الناتو على الحدود الشرقية لأوروبا، وطلبتها مكتوبة، لأنه في تسعينات القرن الماضي سبق وأن حصلت على ضمانات شفهية من واشنطن وحلف الناتو، إلا أن الأخير انقلب على ذلك وتوسع شرقاً وخير دليل دول البلطيق، فعلى الرغم من أنها دول صغيرة نسبياً، لكن استطاع الحلف أن يضمها، وبدأ النزاع بينه وبيت روسيا وأبرز مثال على ذلك أزمة جوروجيا العام 2008.
 
ليس هذا فقط، فلقد تملص الغرب من تقديم تلك الضمانات، بل عزز فكرة توسيع الشرخ الحاصل؛ ومع اعتراف الرئيس الروسي باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بدأت التنديدات الغربية من كل حدب وصوب، والجميع تقريباً لم يعترف باستقلال هاتين الجمهوريتين وكأنهما لا وجود لهما على الخريطة. وقبل الغوص أكثر، يجب الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومنذ أن كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، تم اتهامه من قبل سلفه الرئيس دونالد ترامب بارتكاب مخالفات في تعامله مع أوكرانيا عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس، على خلفية رسالة بريد إلكتروني يشكر فيها مستشار من شركة طاقة أوكرانية هانتر بايدن، نجل الرئيس بايدن، على دعوته لمقابلة والده، والشركة اسمها “بوريسما” (وهي شركة قابضة لمجموعة من شركات استكشاف وإنتاج الطاقة، ومقرها في كييف، أوكرانيا)، وهي تعد العمل الخاص لهانتر، ما يعني بأن الأمور كلها مرتبطة بعضها بعضاً.
 
 
من هنا، وقف الغرب صفاً واحداً ضد روسيا، لكن المؤكد أن الأخيرة لن تقع، لكن برغم قوتها ووقوفها في وجه أغلب قرارات الغرب – إن كان في مسألة إسقاط ليبيا بالقوة أو ما يحدث في سوريا وصمت روسي حيال الغارات الصهيونية المستمرة عليها أو موقفها من الحرب اليمنية واختيارها الوقوف إلى جانب الأقوى – إلا أن كل ذلك لم يشفع لها على الرغم من تضرر الغرب بالوقوف معها، ما يعني أن إعادة النظر بهذه التحالفات هو أمر حيوي لروسيا.
 
فمع اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية الخاصة، تم نسف قاعدة تجسس بحرية قالت موسكو إنها تعود لحلف الناتو ممولة من قبل بريطانيا، لأنها كانت تشكل تهديداً على شبه جزيرة القرم وجنوب روسيا بأكمله، ما يعني أن المخطط قديم – أي تطويق روسيا – ولعل المتابع للأحداث السابقة في كازاخستان، على سبيل المثال، يتأكد له أن ثمة ما يحاك ضدها والعمل جارٍ على تحطيمها.
 
هذه المعطيات والتهديدات الغربية وبرغم أن الجميع يعتقد أنهم قد اكتفوا بفرض العقوبات، إلا أن تصريحات بريطانية خطيرة قد خرجت، الأمر الذي فرض على الرئيس بوتين وضع أسلحة الردع النووية في حالة تأهب، أن يفعلها أو لا يفعلها؛ ليس هنا الأمر، لكن الأمر في أن تلك الاستفزازات تضع العالم أجمع على المحك. ورغم خطورة الوضع، نجد أن الجميع يصعّد وفي آخر اهتماماتهم يأتي الإنسان، فهم – على ما يبدو – لم يستفيدوا من تجارب القنابل النووية في أربعينيات القرن الماضي.
 
أما المواقف العربية، فإن قلت إنها مخجلة ولا تواكب الحدث لا أكون قد ظلمتهم، فهي تعاني من كوارث اقتصادية دمرتها، وقد تختار الوقوف في المعسكر الغربي ضد روسيا – هذا من الناحية النظرية – وهذا شأنها. لكن على ماذا بنت معطياتها في اتخاذ موقف كهذا؟ هناك دول – مع الأسف – جندت إعلامها ضد روسيا، دون النظر إلى الأوضاع التي حصل أو إلى ماذا ستؤول الأمور، بل اختاروا مباشرةً الوقوف إلى جانب الصف الآخر. لنسقط هنا مثال بسيط وهو أن إحدى الدول الأوروبية تقول بإنها استقبلت لاجئين من أوكرانيا لأنهم مسيحيين، وقالت أليس أفضل من استقبال السوريين. فما هو شعور العرب من هكذا صف اختاروا الوقوف معه؟ وبصرف النظر عن ذلك، ماذا عن الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية لبحث تطورات الأزمة الأوكرانية التي يعتمد أغلب العرب على القمح الأوكراني وتداعيات الأزمة قد تهدد بأزمة جوع وحاجة لرغيف الخبز؟ فما هم فاعلون؟
 
قلتها سابقاً وأكررها، لا خير في أمة لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تصنع. فبدل من عقد الاجتماعات الطارئة استثمروا أراضيكم في الزراعة، وتبادلوا خيراتكم مع بعضكم بدل اعتمادكم على الأجنبي حتى في لقمة عيشكم. مع الأسف، هذا درس مكرر ولا عبرة أو استفادة منه. فهل باتت حياة العرب هي “النفط مقابل الغذاء” – كما كان حال العراق – أو “الماء مقابل السلاح”، أو “البلاد مقابل الكرسي”؟
 
هي كذلك. فها هي أوكرانيا اليوم تفتح باب التطوع للقتال، كما حدث في بعض الدول في فترة “الربيع العربي”. هل سنسمع عن متطوعين عرب؟ احتمال كبير، لكن هذه الحرب التي تحدث اليوم درس إلى كل العرب بأن “من يتغطى بالأمريكان (بالعامية) فعلاً عريان”.
 
 
المصدر: مركز سيتا للددراسات الاستراتيجية