كُتّاب الموقع
الضربة الأمريكية لسورية وتداعياتها

سركيس أبوزيد

الجمعة 20 نيسان 2018

شنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فجر السبت الماضي من الساعة الواحدة بتوقيت غرينتش عملية عسكرية على سوريا ردا على الهجوم الكيميائي الذي اتهمت به دمشق في دوما، واستهدفت الغارات الجوية مواقع ومقار عسكرية عدة، منها في دمشق وحمص.


الضربة الأمريكية وقعت، لكن، كيف كانت الأجواء قبل الضربة الأمريكية؟

 
بعد استنفار عسكري حول سوريا بلغ ذروته قبل يومين من تھديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"صواريخ ذكية ولطيفة"، أضفى فيها ترامب غموضا وضبابية على الوضع وحول موعد تنفيذ تھديداته، هذا الغموض يعود إلى أن عملية الإعداد والتحضير لخطط التحرك العسكري المفترض ضد سوريا تتطلب وضع اللمسات الأخيرة عليھا واكتمال حركة قدوم الأسطول الحربي الى حوض المتوسط. كما يعود إلى وجود تباينات داخل إدارة ترامب بين الأمن القومي والبنتاغون حول حجم الضربة وأھدافھا واليوم التالي لھا .


وقد سبقت الضربة الأمريكية اتصالات روسية مع واشنطن، والتي تمت على مستويين: اتصال بوتين مع ترامب واتصالات تنسيقية بين الجيشين الأميركي والروسي، لتنظيم الضربة ورسم إطارھا.  يضاف إليها الوساطة التركية التي قام بھا الرئيس أردوغان بين ترامب وبوتين، فأردوغان مؤيد ضمنا للھجوم الأميركي ضد نظام الرئيس الأسد وملتزم التحالف مع واشنطن في نطاق حلف الأطلسي، ولكنه لا يريد فك عملية التعاون والتنسيق مع روسيا، ولا يريد أن يتدھور الوضع بين بوتين وترامب، ما يشكل إحراجا شديدا له.


في المقابل كان هناك ارتباك في الجبھة الأوروبية الحليفة لواشنطن، لكنه لا يصل الى حد التفكك، فرنسا منخرطة في الھجوم ولكن مع تحفظات وإيضاحات تطلبھا، بينما بريطانيا تتحجج بالحاجة الى إجازة من البرلمان للذھاب الى الحرب، فيما ألمانيا وإيطاليا قررتا عدم المشاركة إلا بطريقة رمزية وعبر مساھمات لوجستية.


أما "إسرائيل" فقد كانت  أكثر الدول اھتماما وقلقا ازاء التأخر الطارئ في تنفيذ الضربات الأميركية. وغلب على تقدير المؤسستين السياسية والاعلامية في" إسرائيل" أن الھجوم الأميركي سيكون محدوداً في نتائجه ومفاعيله، كما نقلت القناة العاشرة عن وزيرين من المجلس، قولھما "أن الضربة لن تجسّد الحد الأدنى من طموح تل أبيب، ومصالحھا الاستراتيجية".


والسؤال هنا، ماذا بعد ھذه الضربة، وأي رسالة أوصلت ولمن ؟ وكيف سيتطور الوضع في سوريا على المستوى الأميركي -  الروسي؟

!
لا تختلف كثيراً تداعيات الھجوم الرمزي ورسائله، مع أنه من حيث الشكل يمكن للولايات المتحدة أن تسجل أنھا نفذت ما وعدت به.  لكن صنّاع القرار السياسي والأمني، في تل أبيب، يدركون المعاني الكامنة في اختيار الولايات المتحدة لھذا المستوى من التدخل الذي قد يسھم في تھشيم صورة الولايات المتحدة أكثر من كونه يسھم في تعزيزھا كقوة مھيمنة.


الأمين العام لحزب لله السيد حسن نصرلله قال في أول موقف له من الضربة الأميركية على سوريا:" إن ھذه الضربة لم تحقق أھدافھا المفترضة إن لجھة التھويل من أجل الخضوع والابتزاز وتقديم التنازلات، أو كسر معنويات السوريين وحلفائھم، أو رفع معنويات الجماعات المسلحة والإرھابية، أو خصوصا لجھة تغيير المعادلة لمصلحة "إسرائيل" أو لمصلحة بعض الدول الإقليمية". ففي رأي نصرلله، الضربة لن تؤدي إلا الى تأزيم العلاقات الدولية وتعقيد مسار جنيف إن لم يكن نسفه.


تقييم نصرالله يلتقي ويتقاطع مع تقييم" إسرائيل" التي استنتجت أيضا أن الضربة لم تغيّر شيئا، وأنھا لم ترفع إلا بطاقة صفراء باھتة جدا ضد أعداء "إسرائيل" في سوريا، وأن ھذه الھجمات لم تضعف الرئيس الأسد وإنما زادته قوة وجرأة ويقينا من أن موسكو ستقف الى جانبه دائما.


وفي تقيم وآراء خبراء أميركيين ومسؤولين سابقين ما يصب في ھذا الاتجاه أيضاً، فالضربات الصاروخية لن تترك أثرا يذكر على الموقف من سوريا بشكل عام، فإدارة ترامب لم تتحرك لإضعاف النظام وضرب قدراته الجوية، وليس ھناك من تغيير ملحوظ في السياسة الأميركية حيال سوريا، وإزاحة الرئيس الأسد لا تشكل أولوية والضربات قد توجه رسالة الى الرئيس الأسد مفادھا أنه لا يحق له شن ھجمات كيميائية.


ولكن الرسالة الأميركية من وراء ھذه الضربة ھي رسالة واضحة في اتجاه روسيا أولاً، فترامب لا يھدف من وراء ضربات كھذه الى قلب موازين القوى، وإنما يھدف الى التأثير على ورقة القوة التي يتسلح بھا بوتين لمقارعة أميركا وأوروبا وتعديل النظام الدولي. وھو يريد تغيير قواعد اللعبة التي أرساھا بوتين عاملا على تقويض القرارات الدولية ومعوّلا على الحسم العسكري وعلى تحالف مع إيران وتركيا صاحبتي النفوذ على الأرض.


أما الروس فيبدو أنهم قلقون من ھذا المنحى الأميركي الاعتراضي على دور روسيا وابتعادھا عن تفاھمات سابقة خصوصا في ما خص التمدد الإيراني، فالروس يحذرون من أن الضربة ھدفھا تدمير العملية السياسية برمتھا في سوريا ويقصدون بذلك خطة بوتين ومشروعه ھناك. وھم يتوقعون استمرار الغرب في دفع العلاقات مع موسكو نحو مزيد من التصعيد.

 
أما في سوريا، فكان واضحا من خلال "العدوان الثلاثي" عدم استعداد الأميركيين والأوروبيين لإخلاء الساحة السورية أو القبول بالتموضع خارج اللعبة، وعلى النحو الذي ظھر أخيرا في قمة بوتين -  أردوغان - روحاني في أنقرة. فالأوساط القريبة من دمشق تفيد أن ما بعد الضربة مثل ما قبلھا، وأن النظام وحلفاءه سيواصلون تنفيذ الأجندة العسكرية المقررة. وبعد حسم معركة الغوطة سيكون تحرك في اتجاه ريف حمص لحسم الوضع في "بؤرة تلبيسة -الرستن"، ولاحقا التحرك صوب درعا، وفي المستقبل صوب إدلب.


بالنتيجة، إن الھجوم الأميركي كان مجرد عملية محدودة وحذرة من دون أي مخاطرة يمكن أن تدفع الى اشتباك مع الروس، والضرر الفعلي الذي نجم عنه كان على نقيض مع الخطاب المرتفع لترامب، فمن الواضح أنه ليس ھناك من استراتيجية أميركية واضحة في سوريا حتى الآن لإنھاء الحرب، ومثل ھذه الضربات وإن بدت ضرورية إلا أنھا لا علاقة لھا بتوازن القوة في سوريا ولن تحقق وحدھا الأھداف الأميركية في الشرق الأوسط.



 


(ان كافة الآراءَ الواردة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع)