كُتّاب الموقع
عن معارضي الحرب الأوكرانية المعجبين بشخص بوتين

روجيه عوطة

الإثنين 21 آذار 2022

هناك شيء لا بد من التنبه إليه في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو الإنجذاب إلى بوتين، وهذا ليس في معسكره، انما في معسكر المعارضين له. فثمة بينهم من يجمع بين، من جهة، وقوفه إلى جانب الشعب الأوكراني ورفض تدمير بلدهم، ومن جهة أخرى الإدلاء من حين إلى آخر بعبارات تدلّ على ذلك الإنجذاب إلى بوتين. وهذا الإنجذاب مردّه، بحسب تلك العبارات، أنه صاحب شخصية قوية، لا يتراجع عما يريد أمام كل العالم، بل إنه، وبرغم العقوبات التي طالت بلاده، يستكمل حربه من دون توقف. وصحيح أن معارضته قاطعة، ولكن، هذا لا يلغي الإعجاب به، بحنكته، وجرأته، وكل هذه الصفات التي تلصق به للقول إنه ليس كغيره.
 
يدفع هذا الجمع بين معارضة بوتين والإنعجاب به إلى التساؤل عن ظرفه. بالتأكيد، يمكن تناوله بطرق شتى، إلا أن ما يهم هنا أنه يشير أن تلك المعارضة فعليا ليست متينة. ولكن، وضعها هذا لا يتعلق بأن مزاوليها لا يحرزونها جيداً، بل إنه يرتبط بكون الخطاب الذي يحتويها، أو الذي تنطلق منه، هو، في نهاية المطاف، يبدو، وعند أول مفترق طرق حوادثي إذا صح التعبير، غير قابل لأي ترجمة عملية. فصحيح أن هذا الخطاب هو خطاب ضد بوتين، إلا أنه لا يمنع عن تدمير المدن الاوكرانية، مثلما قد لا يمنع لاحقا أن يعود بوتين هذا إلى الساحة الدولية ايضاً، ما يعني أن ذلك الخطاب هو خطاب لا طائل منه. كما لو أنه خطاب مرفوع على سبيل أنه السلاح الوحيد الذي نمتلكه على الرغم من كونه لا يقي الاوكرانيين من أي قنابل تنزل فوق رؤوسهم. على هذا النحو، ذلك الخطاب، ومن ناحية ترجمته عملية، قد يبدو بلا متانة، اي لا يفضي الى ابعد من التلفظ به. 
 
من هنا، يمكن محاولة الربط بين الإنجذاب المباغت إلى بوتين وكيفية التعامل مع ذلك الخطاب، أي مع غياب ترجمته العملية تحديداً. فحين يجد المعارضون إياهم خطابهم على هذه الحال في ضوء أن الغزو الروسي لم يتوقف على الرغم من معارضته، فهم قد ينظرون إليه على أساس أنه خطاب بلاهتهم او انخداعهم على وجه الدقة. وبالتالي، يحاولون درء هذا الإنخداع، ولكنهم، يفعلون ذلك بالقفز فوق خطابهم، بالذهاب عكسه عبر الانجذاب إلى بوتين. فلكي يقولون إنهم ليسوا بمخدوعين بخطابهم، يركنون إلى ذلك الانجذاب. أما، ولكي يعللوا هذا، فلا يشيروا إلى شعورهم بالإنخداع، إنما يستندون، ومن دون دقة، إلى ما يسمى "عقلانية"، ومفادها أنه لا يجب الانخداع بأي خطاب، بل يجب تعديه. ولكن، سرعان ما تنقل هذه "العقلانية" نحو الإنجذاب إلى صورة الدكتاتور: يغدو الانعجاب بهذه الصورة، بصاحبها، دليلا على رفض الإنخداع بالخطاب، ودليلا على الفطنة وعلى الحذاقة. فكلما جرى الجمع بين معارضة حرب بوتين والانجذاب إليه، يكون الإنخداع بالخطاب أخف وطأة، كما يكون غياب الترجمة العملية لهذا الخطاب من دون وقع. فعندما يحصل الجمع بين الخطاب ونقيضه، أو القليل من هذا النقيض، يصير التخلي عن الأول للتسليم بالثاني، أو العكس حتى، سهل، إذ إن ذلك الجمع يقي من الاختيار بينهما ثم الذهاب إلى تحمّل آثار الخيار أيضا.
 
ولكن، ذلك الخطاب لا يبدو أنه يخدع، إنما هو يضع المرتكزين عليه في موقع المهزومين، ولا مبالغة في القول إنه يضعهم في هذا الموقع سلفاً، أي ما أن يقدموا عليه. على هذا المنوال، رفض ذلك الموقع، بمعنى عدم اثباته، بل نكرانه، يحمل إلى الإنعجاب بالقوة. فحين يجد بعض معارضي الغزو الروسي أن ثمة في بوتين ما يجذب، فهذا، وبشكل من الأشكال، يتعلّق بنكران ذلك الموقع، الذي وضعهم خطابهم فيه، وهو نكران يأتي على شكلين: درء الإنخداع بالخطاب بعد افتراضه، ثم الإنعجاب بقوة الدكتاتور، بصورتها. كما لو أن الانجذاب إلى هذه القوة يعين على نكران موقع المهزومين، أو على تحطيم هذا الموقع بالكامل. 
 
 
المصدر: المدن