كُتّاب الموقع
المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية...هل تقع؟

سركيس أبوزيد

الإثنين 23 نيسان 2018

الضربة الأميركية على سوريا جاءت أقل من حجم التھديد والوعيد الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بدت الضربة من باب "رفع العتب" أو "حفظ ماء الوجه"، والأميركيون قالوھا بوضوح إنھا "لمرة واحدة ولن تتكرر". الروس والإيرانيون قالوھا بوضوح أيضا إن ھذه الضربة لا تغيّر شيئا في الواقع.

أما صفحة الضربة الإسرائيلية لمطار "تيفور" السوري، وتحديداً القاعدة الإيرانية فيه، لم تطوَ بعد من جھة إيران. فإذا كان الروس غير معنيين بالرد على الضربة الأميركية المنظمة معھم لتلافي أي إشكال أو احتكاك، فإن الإيرانيين يجدون أنفسھم معنيين بالرد على الضربة الإسرائيلية الموجھة ضدھم عن سابق تصور وتصميم، كما أنھا المرة الأولى التي يقرر فيها العدو الاسرائيلي شن ھجوم مباشر على ھدف إيراني حيوي في سوريا معلناً عبره أنھ وضع موضع التنفيذ سياسته الھادفة الى منع إيران من إقامة تواجد دائم وثابت.

ولأول مرة منذ سنوات اتخذ قادة جميع الأجھزة الأمنية في كيان العدو، موقفاً مؤيداً للخطاب السياسي للحكومة فيما يتعلق بالنشاط الإيراني في سوريا، وأبدوا موقفاً حازماً ومتشدداً وموحداً، يرمي إلى صد "الوجود الإيراني" ودفع طھران إلى سحب قواتھا.

وبعدما اجتمع رؤساء روسيا وإيران وتركيا، في أنقرة مؤخراً، لمناقشة الوضع في سوريا، قرر الجنرالات الإسرائيليون تسريب موقفھم ھذا، وقد أثارت قمة أنقرة قلقا كبيراً في الكيان، وساد الانطباع بأن روسيا تساند إيران في مساعيھا لترسيخ وجودھا العسكري في سوريا، حتى وإن كلف ذلك ازدياد الاحتكاك مع "اسرائيل".

وفي التفاصيل والوقائع التي توردھا أوساط سياسية، إنه لما حصلت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على معلومات غاية في الخطورة عن مضمون الوجود الإيراني في مطار "تيفور"، بادرت باتخاذ قرار يمثل عنصر مفاجأة لناحية جرأته، لكنه لا ينمّ بالضرورة عن وعي لمخاطر العدوان، وربما كان مستنداً الى تقدير ميداني غير دقيق، أو جاء في سياق ما كان الأميركيون والغرب يعدّون له من عدوان على سوريا. لكنه في النھاية عمل عكس حتمية المواجھة المباشرة التي يريدھا كيان العدو مع إيران.

وقد أبلغت أوساط ايرانية غرفة عمليات حميميم، بأن التعليمات واضحة بالرد بقوة على أي تجاوز للخطوط الحمراء بمعزل عن قرار القوات الروسية في سوريا، وإذا كان الأميركيون ومن معھم يريدون تغيير قواعد اللعبة فإن طھران جاھزة لقلب الطاولة وفق معادلتين:

الأولى: دمشق، برمزيتھا السياسية، مقابل "تل أبيب".

والثانية: إن استھداف الجيش السوري، سيعني حكما استھداف القواعد الأميركية في شرق سوريا، وعندئذ ليتحمل الجميع مسؤولياتھم.

الإيرانيون أبلغوا الجميع بمن فيھم الروس أنھم لا يقبلون تعديل قواعد اللعب في سوريا، أما الرد على غارة "التيفور" فھو حساب آخر سيدفعه الكيان الاسرائيلي، وھو خارج سياق نتائج الضربة الأميركية الأخيرة.

ومؤخراً نشر جيش العدو الإسرائيلي خرائط وصوراً جوية لمواقع عسكرية إيرانية داخل الأراضي السورية، قال إنھا تشمل مناطق انتشار القوات الإيرانية ومراكز منظومة الطائرات المسيّرة، في رسالة تھديد إسرائيلية جديدة، تتزامن مع استعدادات لرد إيراني متوقع على قصف مطار "تيفور".

ويرى مراقبون إسرائيليون أن الاعتراف الإسرائيلي بقتل إيرانيين، وكشف طبيعة مھمة الطائرة الإيرانية، ونشر تقارير حول التموضع الإيراني، يجعل مواجھةً محتملةً مسألةً قريبة للغاية. ورسم جيش العدو الإسرائيلي سيناريوھات عدة لمثل ھذا الانتقام، بإطلاق صواريخ دقيقة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو بإرسال طائرات إيرانية مسيّرة، وھذه المرة من دون وكلاء.

وثمة تقديرات عسكرية أخرى لرد إيراني محتمل، تقوم على شن ھجوم بصواريخ "أرض - أرض" قصيرة ومتوسطة المدى، تشمل صواريخ إيرانية من نوع "فتح 110 " و"فجر5". وقد يتم استخدام صواريخ "شھاب" الباليستية بعيدة المدى التي يبلغ مداھا 1300 كيلومتر. وقال وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمام أعضاء ھيئة أركان الجيش الإسرائيلي إن "الجيش يحافظ على حالة تأھب في مواجھة تحدٍ استراتيجي من الدرجة الأولى، حيث يتشكل أمامنا واقع جديد - الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب لله، والجيش السوري، والميليشيات الشيعية في سوريا وعلى رأسھا إيران - جميعھم يتحولون إلى جبھة واحدة ضد "إسرائيل""، وفق تعبيره.

أما إيران التي تتحسس الضغوط الإسرائيلية للإبتعاد عن المثلث السوري - اللبناني - الإسرائيلي والانتقال الى منطقة الحدود العراقية - السورية، فإنھا تدرس خياراتھا بدقة وعناية.

إيران توعدت الكيان الاسرائيلي بالرد على ھجومه ضد مطار "تي فور" السوري، كما توعدت الولايات المتحدة "بطردھا" من الأراضي السورية، أي بشن عمليات ضد قواتھا على غرار ما جرى في العراق، فإيران تعتبر وتدرك أن الأميركيين ھم الذين يقفون وراء الھجوم الإسرائيلي، ولكنھم، رغم ارتفاع أصواتھم وتھديداتھم، ما زالوا يتخبطون في سوريا وليست لديھم استراتيجية واضحة.

صحيفة "ھآرتس" الإسرائيلية ذكرت أن ""إسرائيل" تأخذ التھديدات الإيرانية بعد الغارة على القاعدة الجوية السورية "التيفور" على محمل الجد، وتم وضع الحدود الشمالية في حالة تأھب قصوى، وسط مخاوف من احتمال ھجوم انتقامي من قبل إيران أو حزب لله" وفق تعبيرها.  

في حين تشير جھات دبلوماسية غربية في لبنان الى أن الاشتباك الإسرائيلي -  الإيراني آيل الى التصاعد، والى بلوغ مستويات عالية من الخطورة، وما يسمى بـ"الھدنة" القائمة على جانبي الحدود بين لبنان والكيان الاسرائيلي منذ حرب 2006 ، قد تكون معرضة لخطر الانھيار المتدرج إذا ما زادت وتيرة الاشتباك الإسرائيلي مع إيران في سوريا .

باختصار، كيان العدو يتعاطى مع التھديد الإيراني بجدية الى درجة أنھ يتوقع الرد ويستعد له ويتعاطى معه على أنه "حاصل حتما وقادم لا محالة"، ولكنھ لا يملك أي تصوّر كيف سيكون ھذا الرد وأين ومتى وكيف؟!