كُتّاب الموقع
مسؤول سابق بالموساد: خفايا الحرب الاقتصادية على حزب الله

سامي خليفة

الجمعة 11 آذار 2022

دخلت المحادثات بين إيران والقوى العالمية لإعادة إحياء الاتفاق النووي مرحلة حاسمة يشوبها القليل من عدم اليقين. ولأن أي اتفاقية مع إيران تعود بالمنافع على اقتصادها المتعطش لرفع العقوبات، قابلت صحيفة "إسرائيل هيوم"، المسؤول السابق في الموساد أودي ليفي، الذي استذكر مرحلة عام 2015، التي قاد فيها الحرب الاقتصادية ضد إيران وحزب الله، معبراً عن اعتقاده بأن جهود الولايات المتحدة اليائسة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في ذلك العام، منعت المخابرات الإسرائيلية من عزل حزب الله تماماً عن شريان حياة الاقتصاد العالمي.
 
مشروع كاسندرا
 
 
كان ليفي يترأس في عام 2015 وحدة سرية في الموساد تخصصت في الحرب الاقتصادية. وعملت هذه الوحدة مع الشرطة الإسرائيلية وإدارة مكافحة المخدرات بالولايات المتحدة لتقويض ما تزعم أنه تمويلٌ لحزب الله من تجارة المخدرات. ولما يقرب من عقد من الزمن، وتحديداً من عام 2006 إلى عام 2015، قام العملاء الأميركيون، بمساعدة المخابرات الإسرائيلية، بمصادرة مليارات الدولارات، واعتقال أعضاء بارزين في الحزب، غير أن مفاوضات الاتفاق النووي أدت إلى إلغاء "مشروع كاسندرا" الذي كان ليفي منخرطاً فيه للنخاع.
 
توازياً، يستذكر ليفي تلك المرحلة من حياته، وهو يعتصره الألم، إذ يقول للصحيفة "حتى يومنا هذا ما زال الأمر برمّته يؤلمني، لأنني أعتقد أن الحرب الاقتصادية هي السلاح النهائي في العصر الحديث. أردنا الاستمرار بأقصى سرعة، لكن الأميركيين قالوا أن هناك اتفاقاً مع الإيرانيين، وتالياً ما نقوم به سيضر الرئيس الأميركي حينذاك باراك أوباما. إنها السياسة للأسف". 
 
قيادة الحرب الاقتصادية
 
 
في عام 2002، عين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، مئير داغان، على رأس جهاز الموساد، وسرعان ما قام داغان بتجنيد ليفي في صفوف الجهاز، حيث طُلب منه أن يستلم قيادة وحدة لها مهام جديدة.
 
يقول ليفي عن الوحدة التي قادها " تعاملت الوحدة الجديدة مع الحرب الاقتصادية ضد المنظمات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب. بدأنا مع إيران. وسعنا نطاق عملنا بشكلٍ كبير. ثم أراد مئير إضافة الجانب الاقتصادي إلى كل شيء، لكن الموساد لم يفهم ذلك، لأن هذا الجهاز يعرف كيف يجند ويقتل وحسب. ومع ذلك حققنا نتائج جيدة".
 
أضاف "لقد فعلنا الكثير من الأشياء، وكانت كلها سراً. كانت هناك أيام شعرت فيها بأنني جيمس بوند. أضفنا قدر الإمكان إلى آلية الحرب الاقتصادية. رفعنا دعاوى قضائية ضد الكيانات التي تساعد المنظمات الإرهابية على تحويل الأموال، وخاصة البنوك حول العالم". اعتاد مئير أن يقول: ما قيمة المعلومات الاستخباراتية إذا لم تستخدمها؟ أعطها للمحامين لرفع دعاوى قضائية. اصعد على متن طائرة وقابل مدير البنك، وأطلعه على هذه الأوراق حتى يقوم بتجميد الحسابات المصرفية. جمعت الوحدة معلومات مختلفة، وكان نهجنا يتمحور بأننا لسنا بحاجة للقتل، نحن نحتاج إلى وقف الأموال".
 
ويتابع ليفي في سرده لهذه المعلومات التي تُكشف للمرة الأولى "عندما أصبح إيهود أولمرت رئيساً للوزراء في نيسان 2006، كان مخلصاً جداً لهذه القضية. كانت هناك أيام كنت أجلس فيها في مكتبه وكان يسألني: كيف يمكنني مساعدتك اليوم؟ وكنت أقول له، أريدك أن تربطني بمدير هذا البنك أو ذاك. بعد ذلك كان يجري مكالمة هاتفية مع ذلك الشخص، ثم كنت أصعد على متن الطائرة مع كافة المعلومات الاستخباراتية التي بحوزتي، وأجلس مع الرؤساء التنفيذيين للبنوك في جميع أنحاء العالم وأطلعهم على ما في جعبتي. في نهاية الاجتماع، كانوا يعانقونني ويقولون، "لقد أنقذتنا". وبعد يومين من اجتماعنا، كانوا يقومون بتجميد أصول الإيرانيين".
 
ملاحقة تمويل حزب الله
 
 
بعد حرب تموز عام 2006، زوّدت شرطة إسرائيل وحدة ليفي بمعلومات استخبارية تفيد بأن حزب الله كان يمول نشاطاته الآخذة في الاتساع من تجارة المخدرات. وهنا يشرح ليفي "جنّد حزب الله ضباطاً في الجيش الإسرائيلي معظمهم من البدو، وبعضهم من اليهود، وأعطاهم المخدرات مقابل معلومات استخبارية. كانت الشرطة أول من اكتشف ذلك. أصرّ مجتمع المخابرات الإسرائيلي حينها على أن هذا الأمر ليس صحيحاً، لكنني قلتُ بشكلٍ لا لبس فيه أن حزب الله أصبح منظمة إجرامية عالمية رئيسية، ووافق داغان على ما قلته". 
 
استجوب ليفي سجناء الحزب المسجونين في إسرائيل. وقال إن نطاق عملية المخدرات التي تم الكشف عنها كان وحشياً "كان الحزب متورطاً في تهريب المخدرات عالمياً. لقد أعطانا فكرة عن مقدار الأموال التي حصل عليها. إنها تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات". وعن تواصله مع إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، يقول "كما اتضح لنا، كان لدى إدارة مكافحة المخدرات الكثير من المعلومات حول تهريب المخدرات التي لم تكن مرتبطة بحزب الله، وبواسطتنا تم ربطها بالجماعة اللبنانية. ومن هنا بدأنا العمل في المشروع معاً".
 
وهكذا بدأ "مشروع كاسندرا"، الذي يستطرد ليفي بالحديث عنه "كانت هناك حاجة لمثل هذا المشروع، لأن العالم لم يتعامل مع حزب الله كمنظمة إرهابية، وواجهنا صعوبة في التعامل مع شؤونه المالية. اعتقدنا أنه إذا كان بإمكاننا أن نظهر للعلن أن الحزب هو عبارة عن منظمة إجرامية ضخمة، فسنكون في وضعٍ يربح فيه الجميع. ولكن للقيام بذلك، دخلنا في لعبة معقدة للغاية في الولايات المتحدة، حيث يتولى مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية مسؤولية محاربة الإرهابيين، فيما تقود وكالة مكافحة المخدرات، وهي هيئة مختلفة تماماً، مسؤولية الحرب على المخدرات. وقد تعاون الموساد في المشروع مع مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية ووكالات أخرى".
 
نهاية المشروع
 
 
يعتقد ليفي أن "مشروع كاسندرا" قوّض تماماً شرعية الحزب في الغرب، وأضعفه. ويضيف "في ذلك الوقت، كان حزب الله في مأزقٍ كبير. فمن ناحية، انخفضت الأموال من الإيرانيين بشكلٍ كبير بسبب العقوبات، ليجدوا بعدها أنفسهم مرغمين على تقليص عائداتهم من المخدرات. كان التنظيم في أزمة. إن الحفاظ على تنظيم يضم هذا العدد من الجنود والمنتسبين ويمتلك فروعاً عالمية تتطلب مئات الملايين من الدولارات، إضافةً إلى ضرورة إدارة قتالهم ضد إسرائيل. للأسف، توقفت جهودنا. وبدلاً من خنق شريان الحياة الاقتصادي لحزب الله بالكامل، فهو الآن على قيد الحياة ويتحدانا".
 
عندما استقال داغان من الموساد في كانون الثاني 2011، طلب ليفي أيضاً المغادرة. لكن تامير باردو، الذي تولى إدارة الجهاز، أقنعه بالبقاء. ومع اقتراب إيران والقوى العالمية من التوصل إلى اتفاق نووي في عام 2015، بدأ "مشروع كاساندرا" في الانهيار. وهذا ما يشرحه ليفي بالقول "بدأ الأشخاص الذين شاركوا في المشروع يتلقون تلميحات من الإدارة الأميركية بضرورة التوقف. وطُلب من مسؤولي إدارة مكافحة المخدرات عدم الإزعاج، وانخفض التعاون. لم يُسمح لي بزيارة الولايات المتحدة مذاك. إنهم غاضبون جداً ويدّعون أنني تصرفت ضد الرئيس أوباما".
 
وكان المشروع ليبقى كملف في أرشيف الموساد لولا المخرج الإسرائيلي دوكي درور، الذي بنى سلسلته الوثائقية الأخيرة عن "مشروع كاسندرا" بعد قراءة مقالة جوش ماير في موقع "بوليتيكو" التي نُشرت عام 2017، وحقق فيها بكيفية تخليص إدارة أوباما لحزب الله من مأزق تهريب المخدرات وغسيل الأموال. ويقول درور عن سلسلته الجديدة "أعتقد أن القصة لها أهمية عامة كبيرة. فهي لا تغطي عمليات صنع القرار أثناء الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 وحسب، ولكن أيضاً الضرر الذي تسببت فيه بعض هذه القرارات، وتمكين تجارة المخدرات والإرهاب والجرائم الدولية. لقد استثمر الأميركيون الملايين في المشروع، وحقق المئات من الأشخاص والوكلاء نجاحاً كبيراً، وفجأة طُلب منهم التوقف. هذا شيء يجب كشفه. بعض الأشياء المهمة حقاً تنحرف من أجل السياسة، ويمكن أن تكون تداعياتها طويلة الأمد".
 
 
المصدر: المدن