كُتّاب الموقع
واشنطن تستبق تأجيل انتخابات لبنان على خطى ليبيا: لا مجال للمناورة

العرب اللندنية

الثلاثاء 8 شباط 2022

قال مراقبون إن تأكيد الولايات المتحدة على وجوب إجراء الانتخابات في لبنان في موعدها وتحذيرها بالقول “لا مجال للمناورة” يعدان استباقا أميركيا لما تخشاه واشنطن ألا وهو اقتداء الأطراف اللبنانية المؤثرة -والتي تعد معادية للولايات المتحدة- بالتجربة الليبية في التسويف والمماطلة بقصد التأجيل.
 
ويرى هؤلاء المراقبون أن اكتفاء الولايات المتحدة بإطلاق التحذيرات سيقود في النهاية إلى نفس النتيجة الليبية حيث نجحت الأطراف الرافضة للانتخابات في تأجيلها، وهو ما اعتبر نتيجة التقصير الدولي -وخاصة التقصير الأميركي- في رعاية المسار الانتخابي وصونه من المعرقلين، وخاصة منهم تيار الإسلام السياسي الذي يعارض إجراء الانتخابات الرئاسية خشية خسارة نفوذ راكمه منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.
 
وكانت الولايات المتحدة قد شنت حملة ضغط على لسان سفيرها في ليبيا ريتشارد نورلاند والمندوبة الأممية لليبيا الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز، كانت تهدف إلى “تخويف” السياسيين الليبيين ودفعهم إلى قبول جدولها الخاص للانتخابات في ليبيا، لكن الأمر انتهى إلى ما يشبه حملة “تهويش” لم تغير الكثير.
 
وقالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا إنه يتعين إجراء الانتخابات البرلمانية بلبنان في موعدها في مايو، وسط مخاوف من أن تسعى أحزاب قوية لتأجيلها لأن نتيجتها قد تؤدي إلى فقدان هذه الأحزاب البعض من قوتها في مجلس النواب.
 
وذكرت السفيرة أن “هناك إجماعا من قِبَل المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها بصورة تتسم بالنزاهة والشفافية”، مضيفة “لا مجال للمناورة”.
 
وتذكّر هذه التصريحات بتصريحات مماثلة كان أطلقها ريتشارد نورلاند الذي لم يتوقف -حتى بعد إلغاء الانتخابات- عن وعْد الليبيين بأن الاستحقاقات الانتخابية قادمة لا محالة، وهو كلام لا تعززه أي تحركات على الأرض حيث ينشغل الفرقاء السياسيون (البرلمان وحكومة عبدالحميد الدبيبة) بالبقاء في السلطة بدل استعجال المسار الانتخابي.
 
وكانت شيا أكدت في يونيو الماضي أن “الحكومة المتمكّنة (في لبنان) أيًّا كانت يجب أن تبدأ بالتحضير للانتخابات المقرّر إجراؤها في غضون أقل من سنة”.
 
وشدد مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي “على أهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في الموعد المقرر في الخامس عشر من مايو 2022”.
 
ويشير المراقبون إلى أن تحالف حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر يسعى للتأجيل بسبب توقعات بأن تتراجع بعض مكوناته بشكل كبير، وخاصة التيار الوطني الحر الذي تقول المؤشرات إنه سيخسر شعبيته في الحاضنة المسيحية أمام حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وإنه يحاول تطويق خسائره بالدفع نحو التأجيل.
 
وسبق لجعجع أن اتهم في تصريحات سابقة حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر بأنهما سيعملان على تأجيل الانتخابات أو تعطيلها، “لأنهما شبه متأكدين من أنهما سيخسران الأكثرية النيابية التي بحوزتهما”.
 
وتوقع جعجع أن حزبه سيكون أول من يربح، وبالدرجة الثانية سيربح مستقلون لديهم السياسة نفسها، مضيفا “أشك أن يخسر حزب الله كثيرا في بيئته، ولكن خسارته ستكون بالبيئات الأخرى”.
 
ويشير محللون إلى أن حلفاء حزب الله القوي المدعوم من إيران الذين يشكلون معه أغلبية برلمانية ضئيلة، قد يتعرضون لانتكاسات في صناديق الاقتراع.
 
وقال كريم إميل بيطار، مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت، إن “حركة أمل التي ينتمي إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة إلى التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس ميشال عون، سيكونان أكبر الخاسرين وقد يدفعان باتجاه التأجيل”. وأضاف أنهما حليفان رئيسيان لحزب الله ويتراجعان منذ عام 2019.
 
وتابع بيطار “عندما يرى حزب الله أن حليفيه الرئيسيين في موقف ضعف فقد يكون ذلك دافعا له أيضا للعمل على تأجيل الانتخابات في حالة وجود تهديد بفقدان الأغلبية البرلمانية”.
 
وأكد حزب الله وعون وبري مرارا تأييدهم لإجراء الانتخابات في موعدها.
 
وقالت مها يحيى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت إن “الفشل في إجراء الانتخابات في موعدها يؤجّج المخاوف من زيادة التوتر في العلاقات مع الدول الغربية التي يمكن أن تساعد لبنان على الخروج من الأزمة”.
 
لكنها أضافت “هذه ليست قيادة سياسية راغبة في تفضيل المصلحة الوطنية على مصالحها. بشكل عام تضيع مصالح لبنان عندما يتعلق الأمر بما يعتبرونه حصصهم الشخصية في النظام”.
 
ويأتي استحقاق مايو الانتخابي وسط أزمة مالية كبيرة في لبنان، تمثل أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
 
وستكون الانتخابات هي الأولى لاختيار 128 عضوا في البرلمان منذ نشوب احتجاجات في أكتوبر 2019، والتي قُدّر أعداد المشاركين فيها في بعض الأحيان بمئات الألوف في دولة عدد سكانها ستة ملايين نسمة، مستهدفة النخب السياسية التي يراها الكثيرون سببا للفساد وسوء الإدارة على مدى عقود.