كُتّاب الموقع
مأزق بايدن مع إيران في العام الجديد

قاسم عز الدين

الأربعاء 29 كانون لأول 2021

3 حروب على حافة الهاوية تخوضها إدارة بايدن، أملاً بالمحافظة الأميركية على الهيمنة العالمية وإنقاذها من ترهّلها المحتوم في القرن الواحد والعشرين، لكنها في مواجهة الصعود الصيني والروسي تلجأ إلى سباق التسلّح النووي واستعراض القوّة العسكرية لتحسين مواقعها في المنافسة الاستراتيجية الدولية. وإذا لجأت إلى هذا الأمر مع إيران، ينزلق إلى حرب إقليمية طويلة تكشف انحدارها، ولا يقتصر على الردع برفع سقف قواعد الاشتباك.
 
بين ما تعانيه أميركا في تراجع الهيمنة العالمية، يتجلّى تحوّل "إسرائيل" من شرطي إقليمي في خدمة الاستراتيجية الأميركية - الغربية إلى قاعدة ساقطة عسكرياً يتطلّب الدفاع عنها تغيير الأولويات الاستراتيجية من مواجهة صعود التهديد الدولي إلى مواجهة صعود التهديد الإقليمي.
 
وفي هذا السياق، يستغيث وزير الخارجية يائير لبيد ورئيس الأركان أفيف كوخافي تلويحاً بالانتحار إذا تخلّت أميركا عن مصير "إسرائيل" العاصف بتحوّل إيران إلى قطب إقليمي يقلب معادلات القرن العشرين في الشرق الأوسط.
 
جيك سوليفان حاول في "إسرائيل"، بعد امتناع بايدن عن الرد على بينيت، أن يعزّي بالمصاب، متمنياً خاتمة الأحزان، بينما ينصح كثيرون من المسؤولين السابقين في الجيش والحكومة أن تدفن "إسرائيل" رأسها في الرمال، ولا تضربه بحائط مسدود، انتظاراً لاحتمال جنون أميركا.
 
تهدئة أميركية على الجبهة الإيرانية؟
 
 
أميركا الغارقة في أحلام قرن أميركي آخر، تؤرّقها الاستفاقة على واقع خلقته الثورة الإيرانية التي تعيد الروح إلى حركات التحرّر الوطني في عالم الجنوب؛ فأوباما الذي استخلص دروس فشل المحافظين الجدد في توسيع سيطرة الإمبراطورية إلى "الشرق الأوسط الجديد"، لم يتجرأ على المراهنة على تطويع إيران في "الانفتاح الاقتصادي"، كما دجّنت أميركا حركات التحرّر بالاستتباع.
 
لم يغامر أوباما في القرن الواحد والعشرين باستعادة عقيدة "الاستعمار الاقتصادي" في القرن العشرين أثناء إزالة الاستعمار، على الرغم من إبرام الاتفاق النووي في العام 2015، نتيجة حرصه على تأجيل الوهن الأميركي في الجنوب.
 
ترامب المتشبّع بعنصرية التفوّق الأميركي الأبيض رمى بكلِّ ذخيرة "أقصى العقوبات"، منتظراً الاتصال الإيراني، إعراباً عن الإذعان إلى "الستاتيكو" الأميركي في اكتفاء الجمهورية الإسلامية بمغانم السلطة وتغيير مبادئ الثورة ضد التبعية ونظام الشاه.
 
مأزق بايدن، شريك أوباما في الحكم، وشريك ترامب في المعارضة، أنَّه يصطدم بطريق مُقفل أمام الخيارين، فهو لا يستطيع الإقرار بعلاقات ندّية متكافئة مع إيران، خشية انكشاف أميركا واستفحال توتّر العنجهية الأميركية، ولا يستطيع التلطّي بأوروبا لتنفيس الاحتقان مع إيران، كما فعل أوباما، فالترويكا الأوروبية تنأى بنفسها عن التأثير في دخول المصاعب الاستراتيجية المعقّدة، ولعلّها ترى استمرار القطيعة بين أميركا وإيران خدمةً لها في الحواشي الجانبية مع "إسرائيل" ودول الخليج.
 
الخيار الآخر الذي تعذّر على أوباما وترامب هو خيار المغامرة بالحرب مباشرة أو عبر "إسرائيل"، وهو خيار من شأنه أن يزيح أميركا مبكراً عن صدارة القرن الواحد والعشرين، بسبب قدرة إيران ومحور المقاومة على المواجهة الطويلة، وعلى تغيير المعادلات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ما يتيح لروسيا والصين الارتقاء صعوداً على ظهر أميركا.
 
الاستمرار في خيار ترامب لم يعد ممكناً أمام بايدن، بعد أن عطّلته إيران في انتقالها إلى المواجهة في الخليج لحماية الناقلات النفطية وإخلاء المنطقة من الوجود العسكري الأميركي، فاستمراره هو خيار حرب متقطّعة تفرضها إيران، وتؤدي إلى تغيير قواعد الاشتباك نحو مواجهة ساخنة.
 
انسداد الخيارات لا يترك أمام بايدن سوى خيار التهدئة، بانتظار ما تكشفه متغيّرات القرن الواحد والعشرين الدولية، وهو ثمن قبول أميركا بإيران الندّية، والتخلّي عن امتياز العقوبات؛ رمز الغطرسة على الدول والشعوب الرافضة للهيمنة.
 
الضغط الأقصى الإيراني
 
 
في آلية المفاوضات غير المباشرة، عبّرت إيران عن الضغط الأقصى في التخلّي عن وثيقة حزيران/يونيو 2020 واعتماد وثائق 1 و15 كانون الثاني/ديسمبر التي فرضها كبير المفاوضين علي باقر كني، وأدّت إلى "وثيقة جديدة مشتركة" على طاولة مباحثات الجولة الثامنة والأسابيع التالية.
 
محاولة الاتفاق المؤقّت في "تجميد العقوبات مقابل تجميد التخصيب" لم تعد معرض تداول، وكذلك المحاولات الأميركية والأوروبية الأخرى في إدراج البرنامج الصاروخي والسياسات الدفاعية والخارجية على طاولة البحث، أو مشاركة أطراف أخرى خليجية وإسرائيلية على الطاولة.
 
مناورات "الرسول الأعظم 17"، ومحاكاة ضرب مفاعل ديمونا بـ16 صاروخاً باليستياً، و5 طائرات مسيّرة موجّهة إلى "إسرائيل"، تشير إلى أنَّ "أي تحرّك عدائي سيواجه بردّ عسكري حاسم"، كما صرّح الرئيس إبراهيم رئيسي، لكنها موجّهة في المقام الأول إلى أميركا كي لا تتغطّى بـ"إسرائيل"، فالمناورات لا يتطلّب تغييرها من التدريب إلى التنفيذ العملي سوى تغيير زوايا الصواريخ، بحسب قائد حرس الثورة الإيراني حسين سلامي.
 
وإلى جانب الضّغط الأقصى، تفتح إيران كوّة في جدار بايدن المسدود، في الدلالة على أكل العنب، وليس قتل الناطور. يلخّص ذلك وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان "بأن أيّ اتفاق يجب أن يضمن بيع النفط والحصول على العائدات من دون عوائق" وجميع المزايا الاقتصادية للاتفاق النووي.
 
وفي مقابل التزام جميع الأطراف بالاتفاق وإلغاء العقوبات وضمان عدم انسحاب واشنطن مجدّداً، تلتزم إيران بوصول المفتّشين الدوليين إلى المنشآت النووية وعدم التخصيب أعلى من 60%. وأمام الكوّة التي تفتحها إيران، من الصعب على بايدن أن يضرب رأسه بالحائط المسدود.
 
 
المصدر: الميادين