كُتّاب الموقع
أنقرة بعد دمشق.. هل بدأ الدور الإماراتي بالتنامي إقليمياً؟

مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية

الخميس 25 تشرين الثاني 2021

وصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى أنقرة في زيارة رسمية وذلك تلبية لدعوة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي استقبله في قصر الرئاسة.
 
تحمل هذه الرسالة الكثير من المدلولات خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، إلى سوريا، بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحتلي (2021)، وهو ما يطرح أسئلة كثير خصوصاً في مسألة الخلاف السوري – التركي بعد اندلاع أحداث “الربيع العربي” التي كان لدمشق نصيب كبير منها. فما هي أسباب هذه الزيارات؟ وهل تصب في خانة أبو ظبي فقط أم أنها ستؤدي إلى انهاء ملفات حيوية طال حلها؟
 
قيادة إقليمية
 
حالياً، يبدو أن دولة الإمارات تعمل على تصحيح ما أفسده الدهر، من خلال رأب الصدع للعديد من ملفات المنطقة والتي بدأتها مع سوريا – عملياً منذ العام 2018 – عندما اعادت فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق؛ كذلك، كان لأبو ظبي دور “مبطن” غير ظاهر في ليبيا من خلال الدعم الواضح للمشير خليفة حفتر بالتعاون مع مصر، لكن ما لبثت أن تراجعت وقبلت بالحل السياسي واتباع خارطة الحل المتفق عليها دولياً مع الأفرقاء الليبيين، خاصة مع بروز أصوات كثيرة على الصعيد الدولي المطالبة بالانسحاب التركي (القوات التركية – والمرتزقة الروس وغيرهم).
 
أيضاً، توجهت الإمارات بنسبة مقبولة نحو القارة الإفريقية بالتعاون فيما بينها وبين فرنسا، إلى جانب دخولها غلى الساحة العراقية عبر توقيع بعض الاتفاقات التي تتعلق بمشاريع طاقوية مع بغداد، هذه البلاد التي تعمل حكومة أبو ظبي على تصحيح سياستها فيها، ربما قد بدأت منذ إعلان سحب قواتها من تحالف دعم الشرعية في اليمن وتوالت الأحداث، إلا أن العائق المتبقي والذي كان يحول دون تحرك الإمارات بشكل كبير كانت تركيا لتي عدها العديد من المراقبين بأنها “حجر عثرة” في طريق إنجاح هذه السياسة، فكان لا بد من وصل القناة المقطوعة مع أنقرة للتمهيد للمرحلة الجديدة.
 
تعاون حذر
 
من المعروف أن الشيخ محمد بن زايد هو “العدو اللدود” لتركيا وقضاياها القومية التي انتهجتها أنقرة مؤخراً، بحسب محللين أتراك، حيث توضّح ذلك جلياً منذ الانقلاب الأخير في مصر على الرئيس الراحل محمد مرسي وطي صفحة “الإخوان المسلمين”، العام 2013، الأمر الذي لم يعجب الرئيس أردوغان في حينها؛ إلا أن المشهد تغير كلياً، حيث يقول الباحث حسن محلي “أردوغان استقبل مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، وتحدث مع ولي عهد أبو ظبي بعد أسبوعين، مؤكداً أهمية تطوير العلاقات بين الإمارات وتركيا”، واعتبر الباحث أن ولي عهد أبو ظبي قد “رجّح أنقرة على دمشق في تحركاته الإقليمية التي يريد لها أن تدعم دور الإمارات الجديد في المنطقة، أولاً كوسيط جديد للمصالحات المختلفة، وثانياً للحد من الدور القطري المدعوم من تركيا؛ الدولة المهمة في مجمل معادلات المنطقة”.
 
كل هذه الأمور ليست خفية على الرئيس أردوغان – الذي يعمل بكل ما لديه من قوة إلى جذب استثمارات جديدة للداخل وسط انهيار غير مسبوق لليرة في تاريخ تركيا – إذ تقتضي المصلحة التركية – الآن بالتحيديد – التنسيق حتى لو كان بتقديم بعض التنازلات من أجل تعديل الأوضاع الاقتصادية مجدداً، وما من أحد أفضل من الإمارات كلاعب جديد للدخول إلى السوق التركية بعد انقطاع داك أعوام بين الجانبين. لكنعلى ما يبدو بأن أبو ظبي لن تحطو هذه الخطوة ما لم تحصل على ضمانات تجعل منها راعية الإمساك بالملف الإقليمي مجدداً، في ضوء تحجيمها أمريكياً على حساب قطر التي تم توكيل المهمة الأمريكية لها في أفغانستان، ونوعاً ما في لبنان.
 
ما علاقة الأسد؟
 
تريد الإمارات فتح قنوات بين مصر وتركيا والأخيرة وسوريا، وهذا الأمر يتطلبه – كما أشرنا – جذب استثمارات مقابل تحقيق هذه الغاية، تحت عنوان خطة شاملة تهدف إلى إعادة ترتيب أمور المنطقة برمّتها بدور من الإمارات مدعوم أميركياً وأوروبياً، بهدف الحد من مخاطر الدور الإيراني، الّذي أشار إليه البيان الخليجي – الأميركي المشترك الأسبوع الماضي، وما يرجح فرضية قبول تركيا هو الوضع الاقتصادي الخانق الذي سيجد متنفساً له إن تم تنفيذ خطة الإمارات، وهذا ما هو متوقع بطبيعة الحال.
 
هذه الخطة لا يمكن أن تتحقق من وجهة نظر الإمارات إلا بضم سوريا وهو ما يتطلب مصالحة كل من الرئيس إردوغان وبشار الأسد، الأمر الذي سيشجعه الرئيس فلاديمير بوتين، بعدما بات واضحاً أن موسكو لا تريد المزيد من المشاكل مع أنقرة في سوريا والقوقاز وآسيا الوسطى وأوكرانيا، التي اعترف وزير الخارجية سيرغي لافروف بقلق بلاده من التعاون العسكري التركي فيها.
 
أخيراً، الشروط واضحة بالنسبة لتركيا وتحديداً لشخص الرئيس أردوغان، فليس من السهل عليه مصالحة الرئيس الأسد، وهو الداعم الأول والأكبر للمعارضة السورية والتي سيكون بنظرها “خائن”؛ إلا أن تحقيق أهدافه المستقبلية – ومن ضمنها كسب الشارع التركي مجدداً خاصة وأن شعبيته تراجعت كثيراً – سيتطلب ذلك وهذا في حال أراد الفوز بولايته رئاسية جديدة في انتخابات العام 2023، حيث سيكون مضطراً للموافقة أو أن “صفحة سوداء” – من عمر الدولة التركية – ستطوى بقيادة الرئيس أردوغان.
 
 
مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية