كُتّاب الموقع
الانتخابات الألمانية.. انتكاسة قوية لحلف ميركل ومفاجأة سورية

عماد عنان

الأربعاء 29 أيلول 2021

أظهرت النتائج الرسمية المؤقتة للانتخابات الألمانية التي جرت مؤخرًا عن تصدر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بزعامة أولاف شولتز، بعد حصوله على 25.7% من الأصوات متقدّمًا على تحالف آنجيلا ميركل (المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري) الذي حصل على نسبة 24.1%، وهي النسبة الأسوأ بعد 16 عامًا في الحكم.
 
فيما حل في المركز الثالث حزب الخضر، بـ14.8% من الأصوات، وهي النتيجة الأفضل في تاريخه، بينما حقق الحزب الديمقراطي الحر تقدمًا بعد حصوله على 11.5%، في مقابل تراجع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف من المركز الثالث إلى الخامس بعدما نال 10.3%، وكذلك تراجع اليسار وحصل على 4.9%، وفقًا للموقع الرسمي لمفوض الانتخابات الاتحادي.
 
النتائج رغم ما تحمله من ولادة غير متوقعة للاشتراكيين، فإنها في المقابل جاءت مخيبة لآمال للمحافظين الذين لم يسبق لهم أن سجلوا نسبة تقل عن 30% طيلة مسيرتهم السياسية، لتدخل البلاد التي كانت قطب استقرار خلال ولايات ميركل الأربعة في مرحلة جديدة من الشك والترقب مع مداولات صعبة محتملة لتشكيل الحكومة وفق تلك المستجدات.
 
ولادة جديدة للاشتراكيين
 
 
قبل بضعة أشهر من الآن كان يعاني الحزب الاشتراكي من أزمات طاحنة، أدخلته غرف الإنعاش، محتضرًا على أسرة التراجع السياسي اللافت، لتأتي تلك الانتخابات لتزيحه من على أجهزة التنفس الصناعي إلى ولادة جديدة غير متوقعة، محطمًا كل الأرقام القياسية التاريخية له.
 
النتائج اعتبرها البعض مؤشرًا على رغبة الشارع الألماني في تغيير جلده السياسي، بعد 16 عامًا من سيطرة التحالف المسيحي، وأشار إلى ذلك زعيم الحزب المتصدر أولاف شولتز، الذي قال في أول تعليق له بعد إعلان النتائج الأولية: "أنا مسرور وممتن أيضًا للغاية على تصويت الناخبين لأن المواطنين قرروا حصول الحزب الاشتراكي على تكليف بتشكيل الحكومة".
 
شولتز اعتبر تصويت الناخبين لحزبه رسالة دفع واضحة لتشكيل الحكومة، مضيفًا "لدينا نسب قبول جيدة ورأينا أن دعم الحزب الاشتراكي آخذ في الارتفاع بينما ينخفض الدعم للتحالف المسيحي، وهذه إشارة واضحة بعث بها الناخبون"، منوهًا أن المواطن الألماني يأمل في قيادة جديدة تدير البلاد خلال المرحلة المقبلة.
 
وفي استقراء جديد للرأي أجرته القناة الأولى بالتليفزيون الألماني مساء الأحد 26 من سبتمبر/أيلول 2021، أظهر أن الحزب الاشتراكي سيحصل على 200 مقعد في البرلمان فيما يحل تحالف ميركل المسيحي في المرتبة الثانية، لأول مرة منذ سنوات طويلة، متوقعًا حصوله على 198 مقعدًا، وسيمتلك الخضر ثالث أقوى كتلة في البرلمان بعد الاشتراكيين والمسيحيين بـ113 مقعدًا.
 
انتكاسة قوية للمسيحيين
 
 
منذ تأسيسه عام 1945 كان الحزب المسيحي الديمقراطي CDU، بالتحالف مع شقيقه الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري، المتربع الأبرز على عرش الحكومة الألمانية. فمن بين ثمانية مستشارين حكموا البلاد كان نصيب الحزب منهم خمسة، بدءًا من كونراد أديناور، أول مستشار ألماني للجمهورية الاتحادية، وصولًا إلى آنجيلا ميركل.
 
النتائج الأخيرة تمثل صدمةً كبيرةً للحزب والتحالف معًا، ومن المؤكد أن يكون لها تداعياتها السلبية على استقرار الحزب وتماسكه خلال المرحلة المقبلة، وهو ما بدت إرهاصاته إثر الحرب التي أشعلتها المستشارة بين القادة داخل اليمين الألماني، خاصة بعد إثارة مسألة مستقبل لاشيت على رأس الحرب، بعد ثمانية أشهر من انتخابه.
 
ورغم أن الفروق بين الاشتراكيين والتحالف المسيحي ليست بالجوهرية التي تمهد الطريق نحو إقصاء كامل للحزب الذي حل ثانيًا من بوتقة السلطة، فإن الانطباعات الأولى التي أفرزتها نتائج الانتخابات تشير إلى أن هناك حالة عدم رضا شعبي إزاء ممارسات المسيحيين وإدارتهم للبلاد خلال السنوات الأخيرة، وأن هناك رغبة في ضخ دماء جديدة لقيادة الدفة خلال المرحلة المقبلة.
 
يذكر أن بداية سقوط التحالف المسيحي كانت خلال مارس/آذار الماضي، حين مني الحزب بخسائر مدوية خلال الانتخابات المحلية التي جرت في ذلك الوقت، فقد سجل الحزب أسوأ نتيجة انتخابية له في التصويت الذي أجري في بادن فورتمبرغ وراينلاند بفالتس في جنوب غرب ألمانيا، فيما أرجعت القيادة هذا الإخفاق إلى سوء إدارة أزمة جائحة كورونا، حيث ارتفاع معدلات الإصابة وتأخر إجراء الفحوصات بجانب تباطؤ عملية التلقيح.
 
النتائج كشفت كذلك عن تراجع اليمين المتطرف ممثلًا في حزب "البديل لألمانيا" الذي تشير التقديرات إلى حصوله على ما بين 10 - 11% من الأصوات، مقارنة بـ12.6% قبل أربع سنوات، حين كان دخوله البوندستاغ أبرز الأحداث في الانتخابات السابقة عام 2017، وقد يعكس هذا التراجع تململًا ألمانيًا نسبيًا إزاء سياسة الإقصاء والعنصرية التي كانت تمارسها السلطات ضد المهاجرين واللاجئين.
 
حضور عربي
 
 
تميزت الانتخابات الحاليّة بمشاركة عربية مقبولة نسبيًا، كانت الغلبة فيها للمرشحين من أصول سورية، الذين نجحوا في حصد 4 مقاعد برلمانية، أبرزهم المرشحة لمياء قدور (43 عامًا) عن حزب الخضر في مدينة دويسبورغ، التي تعمل كاتبة وباحثة في الدراسات الإسلامية، وتؤكد أن هدفها الحقيقي من وراء ترشحها المساهمة في وضع "قانون هجرة حقيقي"، وهو المطلب الأساسي لحزبها السياسي.
 
هذا بجانب المرشح السوري الكردي، جيان عمر، الذي يعتبر صوت المهاجرين في تلك الانتخابات، ومعه رشا نصر، التي فازت بمقعدها عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بجانب المرشحة جميلة شيفر، فيما منيت المصرية أميرة محمد علي (41 عامًا) الرئيسة المشتركة للكتلة البرلمانية لحزب اليسار، بهزيمة كبيرة، رغم المؤشرات الأولية التي كانت تذهب لفوزها في تلك العملية.
 
ومن أبرز المرشحين المشاركين من أصول عربية: أنس القرعان (18 عامًا) مرشح حزب الخضر، وهو من أصول أردنية، وسناء عبدي (35 عامًا) مرشحة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مدينة كولونيا، والدها ألماني ووالدتها مغربية، ثم علي الديلمي (39 عامًا) مرشح عن حزب اليسار في مدينة غيسن، وينحدر من أصول يمنية، كذلك ياسمين عطية (37 عامًا) مرشحة عن حزب الخضر في فرايبورغ ذات أصول مصرية، ومعها أيمن ذبيان (56 عامًا) من أصول لبنانية مرشحًا مستقلًا، ومواطنه محمد رفيق مصطفى طويل (68 عامًا) مرشح مباشر بدعم من الحزب الماركسي اللينيني في نويكولن ببرلين، وأخيرًا المرشحة ذات الأصول الصومالية نهى الشريف (29 عامًا) المرشحة الأولى عن حزب اليسار في مدينة فولدا.
 
أزمة تشكيل الحكومة
 
 
شبح الانتخابات السابقة التي جرت في 2017 وما تلاها من تأخر تشكيل الحكومة لقرابة 6 أشهر كاملة من انتهاء الانتخابات ما تسبب في شلل سياسي تام في البلاد لا سيما على الصعيد الأوروبي، يخيم على الأجواء بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات الحاليّة.
 
فالنتائج المتقاربة نسبيًا، ورغبة الحزبين المتصدرين للانتخابات في تشكيل الحكومة، لا شك أنها ستعمق الواقع المأزوم بشأن الانتهاء من تشيكل الحكومة رغم تأكيد اليسار واليمين معًا على البت في هذا الأمر قبل أعياد الميلاد، كما جاء على لسان لاشيت: "ستتولى ألمانيا رئاسة مجموعة السبع في 2022، لذا ينبغي التوصل إلى تشكيل حكومة بسرعة كبيرة".
 
ورغم تصدر الاشتراكيين لنتائج الانتخابات لكن ليس معنى ذلك قدرتهم على تشكيل الحكومة المقبلة، إذ يتطلب الأمر الحصول على الغالبية من الأصوات، وهو ما دفع رئيس الحزب المسيحي للتأكيد على أنه لو حل ثانيًا فسيحاول بناء تحالف يدفعه إلى منصب المستشارية.
 
وعليه فإن لعبة الكراسي الموسيقية من المحتمل أن تسيطر على الأجواء داخل البرلمان الذي سيضم عددًا قياسيًا من النواب، يبلغ 735، أي أكثر بـ137 مما كان عليه العدد قبل أربع سنوات، في ضوء حزمة من الاحتمالات الخاصة بخريطة التحالفات المتوقع أن يبرمها التحالفان المتصدران.
 
ورغم تعدد السيناريوهات الخاصة بالتحالفات المتوقعة، فإن أقربها بحسب الخبراء تحالف الاشتراكيين الديمقراطيين مع الخضر الذين حلوا في المرتبة الثالثة، ومعهم الليبراليون في الحزب الديمقراطي الحر اليميني، وهو التحالف الثلاثي الذي يضمن تشكيل الحكومة، فيما يمكن للمحافظين الإبقاء على حظوظه حال التحالف مع الخضر والليبراليين كذلك، وتبقى الأيام القادمة مفتوحة على كل الاحتمالات في ملامح الخريطة النهائية للتحالفات التي ستخضع بشكل كبير لمدى قدرة الحزبين الكبيرين على إقناع الأحزاب الأخرى بقدرتها على إدارة المشهد في تلك المرحلة.
 
وهكذا نجح  الحزب الاشتراكي في العودة إلى عصر الانتصارات بعد غياب دام طويلًا، لعب خلاله دور الشريك الثاني مع التحالف المسيحي خلال السنوات الثمانية الأخيرة، ليقترب شولتز من تحقيق حلمه في خلافة ميركل على كرسي المستشارية، لكن الطريق ليس معبدًا بالورود لا سيما مع مداعبة الحلم ذاته لمخيلة لاشيت.. فأيهما يمكنه الوصول أسرع؟.
 
 
 
 
المصدر: نون بوست