كُتّاب الموقع
هل تكون خطوة بايدن التالية الانسحاب من سوريا؟

كريستوفر فيليبس

السبت 25 أيلول 2021

تسبب انسحاب أمريكا من أفغانستان في قلق حلفائها الأكراد في شرق سوريا، وقد سارع البيت الأبيض إلى طمأنة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بأنه لن يشرع في انسحاب مماثل من سوريا، ولكن هل يمكن الوثوق بالرئيس الأمريكي جو بايدن؟
 
سابقا، أعطت إدارة ترامب تأكيدات مماثلة قبل أن تسحب فجأة أكثر من نصف قواتها سنة 2019 وتعطي الضوء الأخضر لغزو تركي.
 
وفي الآونة الأخيرة، التزمت واشنطن الصمت عندما قُتل العديد من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في الهجمات التركية خلال شهر آب/ أغسطس. وبالتالي فإن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والذي أعطى فيه بايدن الأولوية لإنقاذ "أرواح الأمريكيين" على حساب حلفائه، سيؤدي حتما إلى زيادة المخاوف بين قوات سوريا الديمقراطية من أن يتم التخلي عنهم قريبًا.
 
لكن ما مدى احتمالية انسحاب بايدن؟ من خلال الانسحاب من أفغانستان، ومع تشكيل تحالف أوكوس الأخير، أشار بايدن بوضوح إلى أن المنافسة بين القوى العظمى، ولا سيما احتواء الصين، هي أولويته على الصعيد الخارجي. هذا يعني إنهاء التورط في "الحروب الأبدية"، أو "الحرب على الإرهاب"، بداية من أفغانستان، وربما لاحقا سوريا.
 
ويشير انسحاب بايدن إلى أنه تقبل على ما يبدو فكرة أن حكم طالبان قد يجعل أفغانستان تصبح ملاذا للجهاديين مرة أخرى. ومع ذلك، بدلا من معالجة هذا عسكريا، فإنه يفضل الضرب من مسافة بعيدة، وهو ما مارسه بالفعل في اليمن وباكستان وأماكن أخرى.
 
وبتوسيعه لهذا النهج ليشمل سوريا، قد يستنتج بايدن أنه لا يحتاج إلى جنود على الأرض لمنع عودة ظهور تنظيم الدولة.
 
موقف متساهل مع الأسد
 
 
لم يكن بايدن مهتما كثيرا بسوريا، ففي حين وافق على الحملة المناهضة لتنظيم الدولة، كان قد عارض مشاركة أوسع في الصراع عندما كان نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما. وهناك مؤشرات إلى أنه قد يتخذ موقفا أكثر تساهلا مع بشار الأسد، حيث قام مؤخرا بإعفاء صفقة الغاز بين مصر والأردن وسوريا ولبنان من عقوبات قيصر الأمريكية. وبالتالي، قد لا يصر على الإبقاء على القوات الأمريكية في شرق سوريا لحرمان الأسد من النفط.
 
مع ذلك، هناك أسباب تجعل قوات سوريا الديمقراطية متفائلة: أولا، كان موقف بايدن صارما بالانسحاب من أفغانستان، لكنه سيكون حذرا من إثارة الانتقادات بالتخلي سريعا عن حليف آخر. وحتى إن كان حريصا على مغادرة سوريا، قد يتأخر القرار حتى تهدأ انتقادات ما بعد الانسحاب من أفغانستان.
 
ثانياً، العملية في سوريا أقل تكلفة بكثير من العملية في أفغانستان. عندما كانت الولايات المتحدة تملك 15000 جندي في أفغانستان سنة 2018، قبل تخفيض العدد إلى 4000 قبل الانسحاب، لم يكن لديها إلا 900 جندي فقط يدعمون قوات سوريا الديمقراطية.
 
 
علاوة على ذلك، لم تعد سوريا مسرحا رئيسيا للعمليات القتالية بعد القضاء على تنظيم الدولة إلى حد كبير، لذلك تظل الخسائر الأمريكية منخفضة، كما يواجه بايدن ضغوطا داخلية أقل للانسحاب مقارنة بالوضع في أفغانستان.
 
وأخيرا، هناك البعد الدولي، حيث يريد الحلفاء الإقليميون الرئيسيون، وخاصة 'إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، أن تبقى الولايات المتحدة في شرق سوريا لحماية المنطقة من إيران. ويحرص الحليف الآخر (تركيا) على مغادرة الولايات المتحدة حتى تتمكن من مواجهة قوات سوريا الديمقراطية دون عوائق. وتصنف أنقرة أقوى فصيل في قوات سوريا الديمقراطية، حزب الاتحاد الديمقراطي، على أنه منظمة إرهابية. ولا يستطيع بايدن بالتأكيد إرضاء جميع حلفائه، كما لا يوجد إجماع إقليمي يضغط عليه للمغادرة.
 
بالنظر إلى كل هذه العوامل، حتى إن كان بايدن يفضل الانسحاب في الوقت الراهن، فإن هناك القليل من الزخم الداخلي والخارجي للقيام بذلك. وعلى وجه الخصوص، فإن ديناميكية العلاقة بين تركيا وروسيا في سوريا مهمة، ويمكن أن يكون للأحداث في أفغانستان صدى هناك.
 
الاستراتيجية الروسية
 
 
أحد أهداف روسيا بعيدة المدى هو إعادة شرق سوريا إلى سيطرة الأسد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يمنح اقتصاد دمشق المحاصر إمكانية الوصول إلى حقول النفط. ولكن على عكس إدلب التي يسيطر عليها المتمردون، والتي يبدو أن الأسد وموسكو عازمان على الاستيلاء عليها عسكريا، فإن استراتيجية روسيا في الشرق تبدو مقنعة. تريد موسكو من قوات سوريا الديمقراطية أن تقبل تسوية مع الأسد وتطلب من الأمريكيين المغادرة.
 
لا يعتبر هذا الهدف بعيد المنال، فقد كان لحزب الاتحاد الديمقراطي علاقة جيدة مع كل من الأسد وروسيا قبل الحرب الأهلية في سوريا، وهناك فصيل يرى مستقبل قوات سوريا الديمقراطية تحت حماية دمشق وموسكو بدلا من واشنطن.
 
وعندما سمح ترامب لتركيا بشن عملية في شمال سوريا سنة 2019 ، تواصلت قوات سوريا الديمقراطية على الفور مع موسكو، وقد توسطت روسيا في وقف إطلاق النار مقابل حصول القوات الروسية والأسد على مواقع في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد.
 
ترى أنقرة على نحو متزايد أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو مصدر قلقها الأول في سوريا، كما تضع هزيمة الأسد والدفاع عن المتمردين في قائمة الأولويات. وفي الوقت الذي تكافح فيه لتهدئة مقاتلي إدلب المتطرفين، وتحبط الغارات الجوية الروسية هناك، فإن خط المواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية في الشرق هو أحد المناطق القليلة التي حققت فيها تركيا أهدافها.
 
صعدت تركيا هجماتها على مواقع قوات سوريا الديمقراطية، إما بطائرات بدون طيار أو بواسطة حلفائها من المتمردين السوريين. وفي كل مرة تفعل تركيا ذلك، ولا ترد واشنطن الفعل، فإنها تقدم المزيد من الأدلة العملية على ادعاء موسكو بأن روسيا وحدها هي القادرة على حماية قوات سوريا الديمقراطية من تركيا.
 
قد تكون أنقرة في واقع الأمر منفتحة على نوع من الاتفاق النهائي بين الأسد وقوات سوريا الديمقراطية وروسيا، طالما أن ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى نزع سلاح حزب الاتحاد الديمقراطي أو تحييده. وبالتالي، ستشعر كل من موسكو وأنقرة أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يزيد من فرصهما في الحصول على ما يريدانه.
 
بالنسبة لتركيا، يشير الصمت الأمريكي إلى أن واشنطن تتسامح مع الغارات التي تشنها أنقرة على مواقع قوات سوريا الديمقراطية.
 
وبالنسبة لفلاديمير بوتين، فقد منحه بايدن فرصة بث الشكوك في أذهان قادة قوات سوريا الديمقراطية. وبالتالي، حتى إن لم يكن لدى البيت الأبيض خطط لمغادرة شرق سوريا حاليا، ستحاول كل من روسيا وتركيا استغلال التداعيات الناجمة عن الانسحاب من أفغانستان لتحقيق أهدافهما، والتي قد تعجل في نهاية المطاف بالرحيل الأمريكي.
 
 
 
الموقع: ميدل إيست آي - نون بوست