كُتّاب الموقع
"غاليليو" يبحث عن أدلة لتكنولوجيا ذكية خارج كوكب الأرض

علي قاسم

الجمعة 8 تشرين الأول 2021

هل يعيش البشر وحدهم في الكون؟ لننسى الكائنات البيولوجية التي حفلت بها أفلام الخيال العلمي. ماذا لو كان هناك ذكاء اصطناعي يتجول بين الكواكب والمجرات؟ “غاليليو” مشروع علمي يبحث عن إجابة لهذه الأسئلة.
 
في حال عثر الروبوت الجوال برسفيرنس الذي أرسل إلى المريخ على دليل لوجود ميكروبات في تربة الكوكب، لن يشكل الحدث بالنسبة إلينا مفاجأة، وهو حتما لن يشعرنا بالنقص لأننا ببساطة أكثر ذكاء من هذه الكائنات البدائية. ولكن ماذا لو تعثر الروبوت خلال تجواله بحطام مركبة فضائية أكثر تقدما بكثير مما أنتجناه نحن البشر؟ لا شك أن هذا، إن حصل، سيشكل صدمة وتحديا لغرورنا واعتقادنا الراسخ بأننا مركز الكون.
 
هذا السؤال طرحه عالم الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد أبراهام آفي لوب الذي يزعم أن الأجسام المجهولة السابحة في الفضاء يمكن أن تكون مركبات غريبة دون طيار آتية من حضارة قديمة في زيارة للأرض. وفي سبيل البحث عن دليل يثبت ما ذهب إليه ساهم في إطلاق مهمة جديدة لمعرفة ما إذا كان البشر وحدهم في الكون.
 
سمي المشروع الجديد على اسم عالم الفلك الإيطالي غاليليو غاليلي الذي عوقب في القرن السابع عشر لإثباته أن الأرض ليست مركز الكون. ويهدف المشروع لتحديد ماهية أي جسم شارد في الفضاء يمكن أن يقال إنه من أصل غريب.
 
فرضيات جديدة
 
خيال الإنسان الجامح حدت منه دائما الحقائق العلمية، أو لنقل العوائق العلمية. اليوم بوصول الذكاء الاصطناعي بدأت تلك العوائق تتضاءل، وأصبح حلها مسألة وقت فقط.
 
المسافات الهائلة التي تفصل بين الكواكب والنجوم حالت دوما دون استيطان البشر كواكب وعوالم أخرى غير الأرض. حتى استيطان الأجسام القريبة مثل القمر والمريخ مثل تحديا كبيرا. وما ينطبق على البشر افترض العلماء أنه ينطبق أيضا على أي كائنات تستوطن كواكب بعيدة أخرى.
 
رغم ذلك، يرى عالم الفيزياء النظرية ميتشيو كاكو أن الإنسانية في طريقها إلى أن تصبح نوعا يرتاد الفضاء ويستوطنه قريبا.
 
وسبق للفيزيائي الأميركي أن كشف عن تنبؤات علمية للوصول إلى سرعات يتم الحديث فيها ليس عن سرعة الصوت بل عن سرعة الضوء، وذلك باستخدام أشعة الليزر، لدفع المركبات الفضائية بسرعة تصل إلى 20 في المئة من سرعة الضوء. هذا سيقلص إلى حد كبير الزمن الذي تحتاجه المركبات الفضائية للتنقل بين الكواكب.
 
التطور الحاصل في الذكاء الاصطناعي والروبوتات سيفتح لنا المجال لطرح فرضيات جديدة، وأكثرنا خيالا هو من سيقترب من الحقيقة أولا.
 
لا شيء يمنع الآن من افتراض أن نظامنا الشمسي قد تمت زيارته من كائنات تنتمي لحضارة ذكية خارج كوكب الأرض، قبل بضعة ملايين من السنين.
 
هذا ليس بالأمر المستحيل، كما يؤكد آفي لوب، خاصة إذا عرفنا أن عمر مجرة ​​درب التبانة أطول بمليون مرة من عمر تاريخنا البشري المدون. أفضل ما يمكن عمله هو البحث في الفضاء عن آثار تكنولوجية ذكية لحضارات بعيدة.
 
“كونك اخترت أن لا تنظر من خلال النافذة لا يعني أن جيرانك ليسوا هناك ينظرون إليك”.
 
لقد رسخ الفكر الديني والغيبي أن الإنسان مركز الكون، بل إن مبرر وجود الكون هو وجودنا نحن البشر. لا شيء تغير منذ محاكمة غاليليو يوم تجرأ وقال إن الشمس هي مركز الكون وأن الأرض تدور حولها.
 
اليوم هناك من يتجرأ ويقول إن الإنسان ليس البطل في مسرحية الوجود، بل في أحسن الأحوال الإنسان مجرد متفرج في عرض مسرحي يؤدي الأدوار فيه ممثلون آخرون. ومعظمنا لم ينتبه أصلا لوجود العرض المسرحي.
 
يأمل آفي لوب وفريقه العلمي أن يساعد مشروع غاليليو على اكتشاف معدات تكنولوجية ذكية تعود إلى الملايين من السنين، أي قبل وجود البشر بوقت طويل جدا.
 
 لا شيء يمنعنا الآن من افتراض أن حضارات استوطنت كواكب بعيدة قد حاولت، كما شرع الإنسان في المحاولة اليوم، إرسال مركبات نحو الأرض، بهدف استكشافها بوصفها وجهة صالحة للسكن بناء على مزاياها الخاصة. أليس هذا ما يحاول التوصل إليه اليوم علماء الأرض في بحثهم عن كواكب أخرى لاستيطانها؟
 
 ويؤكد آفي لوب أن مشروع غاليليو سيتجاهل أشياء قد تكون ذات أهمية للأمن القومي، فهم لن يبحثوا عن طائرات دون طيار مثلا.
 
وفي تقرير حول الأجسام الطائرة الغريبة الذي سلم إلى الكونغرس في الخامس والعشرين من يونيو 2021 ولتبرير مشاركته في مشروع غاليليو كجزء من وظيفته اليومية في جامعة هارفارد، أوضح لوب أن المشروع يهدف لتفسير البيانات التي سيتم جمعها بواسطة التلسكوبات، بدلا من التركيز على الأجسام البعيدة كما يفعل علماء الفلك غالبا، سيتتبع فريق البحث الأجسام القريبة التي تتحرك بسرعة في السماء. لا يوجد حد أدنى للمسافة حتى يتم اعتبار أي جسم فلكيا، خاصة إذا كان منشأه من خارج النظام الشمسي قبل وصوله إلى المنطقة المجاورة لكوكب الأرض.
 
“مشروع غاليليو رحلة صيد. الابتكار الأساسي فيه هو أننا اخترنا البحث من خلال التلسكوبات للحصول على إجابات. هذا هو أكبر درس تعلمناه من مجادلات غاليليو مع الفلاسفة الذين رفضوا النظر”.
 
ويشارك لوب فريق من الباحثين من جنسيات مختلفة يعملون جميعا على إنشاء شبكة عالمية من
التلسكوبات المتوسطة الحجم وكاميرات الفيديو وأجهزة التصوير الفوتوغرافي وأجهزة الكمبيوتر للتحقق من ماهية الأجسام الطائرة المجهولة الهوية.
 
وقال الأستاذ الجامعي خلال مؤتمر صحافي إنه بالاستناد إلى الأبحاث الحديثة التي تظهر وجود كواكب كثيرة شبيهة بالأرض في مجرتنا، “لم يعد بإمكاننا تجاهل احتمال وجود حضارات تكنولوجية ذكية قبل حضارتنا”.
 
وأضاف إن “التأثير الذي يمكن أن يحدثه أي اكتشاف لتكنولوجيا خارج الأرض على العلم وتقنياتنا ومفهومنا للعالم ككل سيكون مذهلا”.
 
وقد حصل المشروع على تمويل من جهات خاصة، وهو يضم باحثين من جامعات هارفارد وبرينستون وكالتك في الولايات المتحدة، إضافة إلى جامعتي كامبريدج البريطانية وستوكهولم السويدية.
 
فضلات فضائية
 
 
يأتي هذا الإعلان بعد شهر من نشر البنتاغون تقريرا عن الأجسام الفضائية الغريبة أحصى حوادث حصلت بين عامي 2004 و2021، واعترفت فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية بعدم وجود تفسير لأكثر من 140 ظاهرة. لكنها خلصت إلى أن كلّ المعلومات التي تم جمعها لا تزال “غير حاسمة إلى حد كبير”.
 
وقال آفي لوب الذي يأمل مضاعفة تمويل مشروعه “ليس السياسيون أو العسكريون هم من يجب أن يفسروا ما نراه في السماء، لأنهم ليسوا علماء. بل على المجتمع العلمي أن يقوم بذلك”.
 
وإضافة إلى دراسة الأجسام الغريبة، يهدف مشروع غاليليو إلى دراسة الأجرام السابحة بين النجوم التي تمر عبر نظامنا الشمسي، والبحث عن أقمار اصطناعية محتملة خارج الأرض ترصد كوكبنا.
 
ويرى آفي لوب في ذلك فرعا جديدا من علم الفلك يُطلق عليه اسم “علم آثار الفضاء”، في استكمال لمشروع “سيتي” الرامي للبحث عن أشكال الذكاء خارج كوكب الأرض والساعي لاكتشاف الإشارات الراديوية التي تعود نشأتها إلى خارج كوكب الأرض.
 
ونشر الباحث الأميركي (59 عاما) المئات من التقارير الرائدة وتعاون مع العالم الراحل ستيفن هوكينغ، هو مؤلف مقال علمي مثير للجدل يشير إلى أن جرما بين النجوم مرّ لفترة وجيزة عبر مجموعتنا الشمسية عام 2017 يمكن أن يكون مسبارا فضائيا يعمل بالطاقة الشمسية.
 
وكان آفي لوب قد لفت الأنظار إليه في عام 2018 عندما اقترح أن الجرم “أومواموا” الذي حلق على مسافة قريبة من الأرض، يمكن أن يكون قطعة من فضلات الفضاء الغريبة.
 
وقال لصحيفة صن الإلكترونية “يمكن أن يكون شيئا من منشأ خارج كوكب الأرض.. تشكل معظم النجوم قبل الشموس، قبل المليارات من السنين، تخيلوا فقط حضارة سبقتنا بمليار سنة”.
 
وأضاف “لقد حان الوقت لإرسال مركبة فضائية تعمل بالدفع الكيميائي بذكاء اصطناعي إلى العالم بشكل مستقل”.
 
وتابع “كل ما نحتاجه هو حضارة واحدة، وهذا يكفي لملء المجرة بأكملها بروبوتات ومجسات ذاتية التوالد والاستنساخ باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
 
وتأتي تعليقات آفي لوب بعد التقرير المفاجئ من قبل حكومة الولايات المتحدة حول الأجسام الطائرة المجهولة، والذي رفض استبعاد وجود الأجانب أو الزائرين من خارج الأرض.
 
واتهم آفي لوب بعض أقرانه من العلماء الذين يشككون بفرضياته ويرون فيها محض خيال علمي بأنهم “منغلقو الأفق”، قائلا إن الإحساس بالتفوق الوهمي والغطرسة غير المبررة متجذر بعمق في الطبيعة البشرية.
 
البقاء للأصلح
 
يرى لوب أن برنامج البحث العلمي هذا ضروري لتنويرنا وزيادة معارفنا حول الواقع الكوني الذي نعيش فيه، قائلا “لن يختفي جيراننا في المجرات البعيدة إن نحن تجاهلناهم، تماما كما لم يكن نظام الأرض والشمس ملزما بإرضاء رجال الكنيسة المتمحورين حول ذاتهم والمؤمنين بفكرة مركزية الأرض. لدينا حاليا منظور أوسع. الحياة عبارة عن تنظيم جزيئي ذاتي التكرار للمعلومات الجينية تطورت من خلال الاصطفاء الدارويني”.
 
البشرية هي نتاج الحياة الطبيعية. ولكنها تمر حاليا في مرحلة الانتقال إلى طور الآثار التكنولوجية التي يمكن أن تعيش لفترة أطول من المخلوقات البيولوجية.
 
ويمكن أن يكون الشيء نفسه قد حدث منذ زمن بعيد في نجوم أخرى تشكلت قبل الشمس بالبلايين من السنين. لا ينبغي أن يكون هناك حنين مرتبط ببداياتنا ولا بمرحلة تطورنا الحالية.
 
المستقبل ينتمي إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي ستحل محل الذكاء الطبيعي من خلال التعلم الآلي. يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تتجول في الفضاء بين النجوم وتستمر لفترة أطول من النجوم، لتكون الفائز النهائي في قانون داروين “البقاء للأصلح”.
 
شعلة الوعي التي تحملها أجسادنا يمكن أن تورث إلى كائنات الذكاء الاصطناعي التي تعزز استيطاننا للكون واستمرارنا فيه كما لو كانوا أطفالا لنا.
 
وتصف بعض الأديان البشر بأنهم خلقوا على صورة الله. ووفق لوب يمكن للبشر صنع أنظمة للذكاء الاصطناعي على صورتهم، مع ميزة إضافية مهمة جدا تتمثل في القدرة على البقاء في الفضاء لفترة أطول تفوق بكثير الفترة التي يمكن لرواد الفضاء قضاءها.
 
وإذا كان الذكاء الاصطناعي يمثل مستقبلنا، فما المانع في أن يكون قد مثل أيضا ماضي الحضارات التكنولوجية التي سبقتنا حول النجوم وتشكلت قبل وقت طويل من الشمس.
 
من منظور كوني عالمي، نحن أقل إثارة للإعجاب من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي سنطلقها في الفضاء للنفاذ في أقطار السموات وبين النجوم.
 
لهذا السبب، قد لا تهتم الكائنات الفضائية حتى بمسح الأرض بمركبة جوالة. يجب علينا أن نعترف بمحدوديتنا.
 
بعد بضعة عقود من الآن، قد تتفوق أنظمة الذكاء الاصطناعي على البشر. في ذلك الوقت، سيكون الحذر مطلوبا. إذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي مؤهلة لتبوؤ مناصب مرموقة في الجامعات، فقد تستمر فترة عملها لفترة طويلة جدا.
 
ورغم ذلك، أعظم إنجاز يمكن للبشرية أن تحققه هو أن يأتي من يعمّر الأرض من بعدها.
 
هذا ليس محض خيال علمي. أن تنظر إلى القادم أو لا تنظر؟ تلك هي المشكلة.
 
 
 
 
المصدر: العرب اللندنية