كُتّاب الموقع
كيف ستواجه أمريكا مبادرة “الحزام والطريق”؟

عربي بوست

الخميس 23 أيلول 2021

منذ بداية عام 2020 كانت هناك شائعات بأن مبادرة الحزام والطريق، الاستراتيجية الاقتصادية الثمينة للرئيس الصيني شي جين بينغ، كانت في ورطة نتيجة لفيروس كورونا والمعارضة العالمية المتزايدة. ومع ذلك، فقد تبين أنه سيكون من الأدق القول إن نطاق مبادرة الحزام والطريق يتحول من استراتيجيته التقليدية المتمثلة في التنمية المدفوعة بالبنية التحتية بشكل أساسي، إلى جهود أكثر "أناقة وحداثة وتوسعية"، بحسب وصف غراسيا واتسون الباحثة في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن.
 
وتقول واتسون في تحليل منشور بمجلة National Interest الأمريكية، إن أزمة فيروس كورونا كانت محركاً رئيسياً لهذا التحول، وصحيح أن الوباء العالمي قد أثر بشكل كبير على انتشار الصين وسمعتها، لكنه أتاح أيضاً لبكين فرصة مثالية لتغيير معايير مبادرة الحزام والطريق وإعادة توجيهها نحو المزيد من الجهود ذات النفع عليها.
 
كيف استثمرت الصين أزمة كورونا لصالح مبادرة الحزام والطريق؟
طوال عام 2020، تم إما إيقاف أو إلغاء عدد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق، وسعت العديد من الدول إلى تأجيل سداد قروضها إلى بكين. ومع ذلك، استغلت الصين الفرصة للتركيز على الصحة العامة والخدمات الرقمية وغيرها من المجالات بما يخدم مبادرتها الكبيرة.
 
"طريق الحرير الصحي"
 
 
وكان هناك طريق الحرير الصحي، رغم أن فكرة الجهود العالمية للصحة العامة بقيادة الصين ليست جديدة؛ تم تقديمها لأول مرة في عام 2017 عندما وقع شي جين بينغ اتفاقية مع منظمة الصحة العالمية (WHO) تلتزم بجعل الصحة محور تركيز رئيسي لمبادرة الحزام والطريق. 
 
لكن الفكرة برزت في عام 2020 عندما تبرعت الشركات الصينية علناً بمعدات الوقاية الشخصية في جميع أنحاء العالم وحتى اللقاحات، تحت رعاية مبادرة الحزام والطريق، في محاولة لمواجهة الرواية العالمية السائدة عن دورها السلبي في انتشار فيروس كورونا. 
 
وتشمل أوجه طريق الحرير الصحي تزويد البلدان بالإمدادات الطبية والاستشارات، فضلاً عن المساعدات المالية لمنظمة الصحة العالمية حتى تتمكن من مساعدة البلدان النامية في بناء أنظمة صحة عامة أقوى.
 
"طريق الحرير الرقمي"
 
 
ثم هناك التكنولوجيا، ما يسمى "طريق الحرير الرقمي". فعلى الرغم من أن الوباء تسبب في بعض الانتكاسات في جهود الصين لتصبح المزود الرائد لتقنية 5G في العالم (لا سيما توتر المملكة المتحدة بشأن التعاون مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي)، فقد أتاح أيضاً فرصاً غير متوقعة. 
 
طوال عام 2020، قدمت شركات التكنولوجيا الصينية العديد من الخدمات الطبية القائمة على الجيل الخامس وساعدت في بناء شبكات 5G في الداخل والخارج لربط العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى بالخبراء الطبيين. 
 
وهناك المزيد في هذا الصدد؛ في مايو/أيار من عام 2020، وافق المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني على خطة إنفاق مدتها ست سنوات مع 5G كأساس لها. هواوي أيضاً، عملاق الاتصالات الصيني المثير للجدل، مد كابلات ألياف ضوئية بطول ستة آلاف كيلومتر عبر المحيط الأطلسي بين البرازيل والكاميرون، بينما ساعد في انتشار منصات الدفع الرقمية مثل WeChat Pay و Alipay في زيادة لتدويل اليوان الصيني.
 
 
"طريق الحرير الأخضر"
 
 
فيما حظي ما يسمى "طريق الحرير الأخضر" باهتمام أقل نسبياً، لكنه يمثل جهداً يكاد يكون من المؤكد أنه سيزداد أهميته في المستقبل. لقد أعطى الوباء بكين الفرصة لإلغاء ليس فقط المشاريع غير القابلة للتطبيق ولكن المشاريع غير الشعبية وغير ذات الصلة اقتصادياً (مثل السدود ومحطات الفحم الملوثة سيئة السمعة) أيضاً. 
 
في الواقع، تشير التقارير إلى أن نسبة المشاريع الملوثة إلى الخضراء التي تتكفل بها جمهورية الصين الشعبية قد بدأت في الانخفاض. في أواخر عام 2020 على سبيل المثال، أصدرت وزارة البيئة الصينية إطاراً لتصنيف مشاريع مبادرة الحزام والطريق اعتماداً على تأثيرها البيئي. وفقاً لأحد التحليلات، فسيساعد النظام في الحد من التلوث وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي الناجم عن مشاريع البنية التحتية الضخمة المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق. ليس ذلك فحسب، بل في عام 2020، ركزت 57% من استثمارات الصين في البنية التحتية للطاقة على مصادر الطاقة المتجددة.
 
لكن تظل مبادرة الحزام والطريق، في جوهرها، نموذجاً للتنمية يحركها البنية التحتية. لا تزال خطط الرئيس الصيني للمستقبل تعتمد على ممرات اقتصادية مادية في جميع أنحاء آسيا وأوروبا، وبما أن مشاريعه تميل إلى استخدام الشركات الصينية، فإنها تخلق وظائف مهمة للقوى العاملة. 
 
ومع ذلك، لطالما كانت مبادرة الحزام والطريق غير محددة بدقة، ما يعني أنه يمكن أن تتكيف مع المجالات الجديدة لتبقى ذات صلة ونفع على بكين، وهو أمر يحدث الآن في مجالات الصحة والتكنولوجيا والطاقة الخضراء وغيرها.
 
مبادرة الحزام والطريق تتكيف مع مجالات جديدة تشكل تحدياً لإدارة بايدن
 
والنتيجة النهائية ملحوظة: كما يتضح مما سبق، تظل مبادرة الحزام والطريق بارزة، ولديها الآن تماسك واتجاه جديدان. وتقول غراسيا واتسون إن إدارة بايدن ستحتاج إلى خطة منسقة ومتعددة الأوجه لمواجهة الشكل المتغير لمبادرة الحزام والطريق إذا كان ذلك يعني الانخراط حقاً في منافسة بين القوى العظمى مع بكين.
 
وكان تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية صدر في 24 آذار/مارس 2021، قد أكد وجود مخاوف جديدة من تقصير الولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الجيوسياسي المتزايد للصين، وفق ما نقل موقع "الحرة" الأمريكي.
 
وقال التقرير إن "تقاعس الولايات المتحدة، الذي يقابله الإصرار الصيني، سبب المأزق الاقتصادي والاستراتيجي الذي تجد الولايات المتحدة نفسها فيه. وساعد الانسحاب الأمريكي في خلق الفراغ الذي ملأته الصين بمبادرة الحزام والطريق".
 
وفقاً لتقييم المجلس، فإن الولايات المتحدة ورغم اهتمامها بتعزيز البنية التحتية والتجارة والاتصال في جميع أنحاء آسيا لمواجهة طريق الحرير الصيني، إلا أنها لم تلب الاحتياجات المتأصلة في المنطقة. وكانت "استثماراتها في العديد من بلدان مبادرة الحزام والطريق، محدودة وهي آخذة في الانخفاض الآن".
 
ما الذي يمكن لإدارة بايدن فعله لكبح جماح مبادرة الحزام والطريق الصينية؟
يقول المحلل البحثي في المجلس، وأحد المؤلفين المشاركين في التقرير، ديفيد ساكس، إن "مبادرة الصين التي تقدر بمليارات الدولارات غير مقيدة جغرافياً، وهي الآن في أي مكان وفي كل مكان، وتجاوزت البنية التحتية التقليدية".
 
وأضاف جاك لو، الذي شغل سابقاً منصب وزير الخزانة الأمريكية ورئيس موظفي البيت الأبيض، إن مبادرة الحزام والطريق "تعزز قدرة الصين على إبراز قوتها عبر المنطقة والعالم"، وتابع: "يحتاج صانعو السياسات إلى تقديم بدائل لمبادرة الحزام والطريق حيثما أمكن ذلك، وتثقيف البلدان الأخرى بما ينطوي عليه ذلك، والردع عند الضرورة ". يضيف لو: "جعلت الصين الاستثمار في البنية التحتية أولوية قصوى. والولايات المتحدة لم تفعل ذلك".
 
من جانبها، تقول الممثلة التجارية الأمريكية السابقة جينيفر هيلمان، وهي واحدة من مؤلفي تقرير مجلس العلاقات الخارجية، إن "الصين يُنظر إليها الآن على أنها أقوى من الولايات المتحدة في أجزاء من إفريقيا وآسيا بفضل مبادرة الحزام والطريق". مضيفة: "علينا العودة إلى اللعبة، بانضمام الولايات المتحدة أو إعادة الانضمام إلى الاتفاقيات التجارية التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب".
 
ويؤكد المسؤولون الأمريكيون الحاليون أن إدارة الرئيس جو بايدن ستغير ذلك، وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لموقع "صوت أمريكا" الأسبوع الماضي: "المنافسة مع الصين عامل يشجع الولايات المتحدة على رفع مستوى لعبتها الدبلوماسية في جميع المجالات".
 
وأطلقت إدارة بايدن في نهاية آذار/مارس 2021، "مبادرة اقتصادات الجزر الصغيرة والأقل سكاناً" SALPIE، معلنة أنها ستعزز التعاون الاقتصادي مع البلدان والجزر في البحر الكاريبي وشمال المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وقال المسؤول الكبير: "من المهم تعزيز تحالفاتنا، خاصةً مع الدول الأصغر التي قد تتعرض لضغط معين من الصين".
 
 
 
المصدر: عربي بوست