كُتّاب الموقع
اعتذر الحريري وبقيت أزمة لبنان

العرب اللندنية

السبت 17 تموز 2021

أنهى زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ارتباطه عمليا بملف التشكيل الحكومي المتعثر منذ تسعة أشهر بعد الاعتذار، لكن تلك الخطوة لم تنه أسوأ أزمة يعيشها لبنان منذ الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي.

وتنذر خطوة الحريري، التي فتحت موجة ردود فعل داخلية وخارجية غاضبة، بالإبقاء على الملف الحكومي متعثرا من دون حل، في ظل حديث الأخير عن عدم مشاركة تياره في ترشيح رئيس جديد للحكومة.

ويعيش لبنان على وقع أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية حادة منذ أكتوبر عام 2019. ويواجه البلد عقبات عديدة في طريق الحصول على منح ومساعدات خارجية من دون القيام بإصلاحات اقتصادية جذرية مطلوبة من المانحين الدوليين.

ولم تخلو الشوارع اللبنانية من احتجاجات وتذمر واسع جراء أزمة الكهرباء والوقود والأدوية والمواد الأساسية، على الرغم من حديث حكومة تصريف الأعمال التي يقودها حسان دياب عن السعي لإيجاد حلول سريعة.

وتواجه حكومة دياب أيضا انتقادات حادة من دول غربية جراء فشلها في حل مشكلات إنسانية عاجلة للمواطنين اللبنانيين، الذين يعيشون وضعا اقتصاديا متدهورا.

كما أن الأزمة المالية الحادة دفعت بأكثر من نصف السكان نحو دائرة الفقر، وسجلت قيمة العُملة تراجعا بأكثر من 90 في المئة خلال نحو عامين، بالإضافة إلى تنامي المخاوف من اضطرابات اجتماعية.

ولم يحصل الحريري الذي قدم نفسه كـ”منقذ” قبل نحو تسعة أشهر على توافق مع الرئيس ميشال عون وصهره زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل لتشكيل حكومة غير سياسية تمكن اللبنانيين من الخروج من أزمتهم المتفاقمة.

ويمثل قرار الحريري ذروة صراع مستمر منذ أشهر على المناصب الوزارية مع عون رئيس الدولة المسيحي الماروني المتحالف مع حزب الله الشيعي المدعوم من إيران.

وتركزت الخلافات بينهما حول حق تسمية الوزراء المسيحيين، مع اتهام من الحريري ينفيه عون بالإصرار على الحصول لفريقه السياسي على “الثلث المعطل”، وهو عدد وزراء يسمح بالتحكم في قرارات الحكومة.

وعلى الرغم من الاتهامات المتبادلة التي أعقبت اعتذار الحريري عن التشكيل بين الأطراف السياسية الفاعلة، لا يستبعد محللون سيناريوهات قاتمة تواجه لبنان في حال طالت فترة الفراغ السياسي، ولم يتمكن رئيس الجمهورية من الحصول على مرشح مقبول من الطبقة السياسية المتهمة من القوى الغربية بالتقاعس في إنهاء الأزمة.

ولا يوجد بديل واضح لتولي منصب رئاسة الوزراء، الذي ينبغي أن يشغله مسلم سني وفق النظام الطائفي في لبنان. ويشكك محللون في أن أي سياسي سني سيقبل بهذا الدور دون مباركة الحريري.

وسيبقى حسان دياب رئيس الوزراء حكومة تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة. ويشكل الانهيار الاقتصادي أسوأ أزمة يشهدها لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.

وقال مهند الحاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط إن الوضع الأمني يقترب من نقطة الانهيار، وأضاف “هذه دولة لها تاريخ من العنف وأرى هذه الأزمة خارجة عن السيطرة ولا يوجد من يكبح جماحها”.

وتمارس الحكومات الغربية ضغوطا على الساسة اللبنانيين لتشكيل حكومة يمكنها الشروع في إصلاح الدولة التي ينخر الفساد مفاصلها، وتهدد بفرض عقوبات وتقول إنها لن تستأنف دعمها المالي قبل بدء الإصلاحات.

لكنّ ساسة ومحللين يقولون إن تشكيل حكومة قبل الانتخابات البرلمانية العام المقبل بات بالغ الصعوبة الآن فيما يبدو، إلا إذا حدث تحول جذري في المشهد السياسي.

ويقول المحلل السياسي اللبناني منير الربيع إنه “لا يوجد توافق سياسي على اختيار بديل عن الحريري في الوقت الراهن، وهذا الأمر سيطول انتظاره، ما سينعكس سلباً على الوضعين السياسي والاقتصادي” في لبنان.

ويوضح الربيع أن سبب عدم التوافق هو أن رؤساء حكومات سابقين من بينهم فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي يرفضون تسمية أو دعم أي شخصية سنية أخرى لتولي رئاسة الحكومة. وهذا الأمر أشار إليه الحريري في أعقاب اعتذاره بأن تيار المستقبل لن يقدم مرشحا جديدا.

ويتوقع مراقبون في لبنان أن يلجأ التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله إلى تسمية رئيس وزراء جديد للحكومة، لكن هذا الأمر يستبعده منير الربيع لأنّ “الحليفين السياسيين يريدان تجنبه حاليا”، في إشارة إلى أنهما لا يريدان التورط أكثر في تحمل مسؤولية الأوضاع السيئة في البلاد.

ويقول المحلل السياسي توفيق شومان إنه “وفقا للدستور فإن على رئيس الجمهورية أن يدعو إلى استشارات نيابية ملزمة من أجل تكليف شخصية بديلة عن الحريري”، لكنه يستبعد حصول تلك الخطوة في القريب.

وتسود مخاوف من أن تداعيات الاعتذار ستكون كارثية على اللبنانيين، وأنها ستطال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث بات لبنان يواجه معدلات فقر مرتفعة وهبوطا حادا في قيمة العملة الوطنية، بينما تحصل احتجاجات شعبية في الشارع في ظل نقص في المواد الأساسية بما في ذلك الأدوية والوقود.

وفي دليل على بدء تأثير الاعتذار تخطى سعر صرف الدولار للمرة الأولى في تاريخ لبنان عتبة الـ20 ألف ليرة، بعد أن كان يبلغ 19 ألف قبيل دقائق قليلة من إعلان الحريري. ولاحقاً، وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى نحو 22 ألف ليرة بالتزامن مع اضطرابات أمنية عدة شهدتها مناطق عدة في بيروت وطرابلس.

وفي محاولة للتأكيد على فرض الأمن وإبعاد شبح الفوضى قالت وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر إن “الجيش سيبقى الضمانة للبنان وشعبه”، مشيرة إلى أن اللبنانيين يراهنون على دور الجيش “الإنقاذي” لصون الوحدة الوطنية.

ويرى الباحث شومان أنه لا بد من التوقف حول ما قاله الحريري في ختام إعلان اعتذاره “الله يعين البلد”، لأنه يدرك تماما أن لا شخصية بديلة عنه متفق عليها من كل الأطراف السياسية لتولي منصب رئاسة الحكومة، ما قد ينذر بالأسوأ على مختلف الأصعدة.

 

المصدر: العرب اللندنية