كُتّاب الموقع
متى يتجاوز الشرق الأوسط مرحلة اقتصادات النفط

العرب اللندنية

السبت 24 تموز 2021

بدت منطقة الشرق الأوسط التي تحتل صدارة العالم في سوق النفط تسير ببطء في طريق التحول إلى الطاقة المتجددة والاستعداد لمرحلة ما بعد نضوب الذهب الأسود، على الرغم من الخطوات الكبيرة التي قطعتها دولها وخاصة الخليجية منها في اعتماد إصلاحات اقتصادية في هذا المجال.

ويسابق العالم الزمن لإحداث نقلة نوعية تقلل من استخدام النفط والغاز واللجوء إلى الطاقة المتجددة في ظل وجود ضغوط حقوقية وبيئية لإنهاء الاعتماد على النفط لتأثيراته الضارة على المناخ والكرة الأرضية عموما.

وفرضت التغييرات العالمية وأزمة الوباء وتراجع الأسعار تحديات أساسية أمام البلدان المصدرة للنفط، وفرضت تلك التطورات ضرورة البحث عن وسائل أخرى أكثر جدوى اقتصادية ومنفعة عامة وسط تزايد الحديث عن تقليل اعتماد العالم على هذه المادة الأساسية مستقبلا.

لكن منطقة الشرق الأوسط ما زالت تسير ببطء في هذا الطريق على الرغم من أن معظم دول الخليج العربي اتخذت خطوات منذ سنوات من أجل تنويع مصادر الاقتصاد لديها، لكن عوائق كثيرة لا تزال تعترض خططها المستقبلية، بالإضافة إلى ما أفرزه الوباء وتداعياته على اقتصادات المنطقة.

ويرى جون بي.ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، أن “الحكومات في أنحاء الشرق الأوسط تستعد منذ سنوات لعالم ما بعد النفط، لكنها ما زالت بعيدة عن بلوغ أهدافها”.

ويقول ألترمان إن التحول في دول الخليج من العمالة ذات الإنتاجية العالية والأجور المنخفضة التي تدعم العمالة ذات الإنتاجية المنخفضة والأجور المرتفعة سيحتاج إلى سنوات.

وتشكل عائدات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن التراجع في أسعار الخام سيؤثر اقتصاديا عليها برغم ما تحتفظ به من احتياطيات مالية ضخمة.

وفي أبريل الماضي قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إن تأثير الوباء والانخفاض الحاد في أسعار النفط العام الماضي، سيقودان إلى عجز لدى معظم حكومات الخليج.

وأطلقت السعودية والإمارات إصلاحات تتضمن تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية منذ عام 2016، كما عملت الكويت وسلطنة عمان وقطر على نفس الأمر، خاصة بعد تداعيات تراجع أسعار النفط العالمية بفعل تأثيرات جائحة كورونا.

وتشكل قضية الطاقة واحتمال التحول من النفط والغاز إلى مصادر أخرى انشغالات المستثمرين والمستهلكين على حد سواء. وتحرص الحكومات في الشرق الأوسط على التخطيط لمواجهة هذا التحول، الذي يعتقد البعض أنه وشيك، بينما يرى آخرون أنه لن يتحقق قبل عقود من الآن.

لكن تزايد الضغوط البيئية والتحركات الدولية في هذا الاتجاه يشكل دافعا للبلدان المصدرة للنفط لاتخاذ موقف جاد بالنسبة إلى التخلي عن الذهب الأسود. كما تشكل الاستثمارات المتنامية في مصادر الطاقة المتجددة تحديات أساسية ورئيسية أمام إنتاج النفط وربما يدفع في اتجاه انخفاض سعره.

ويوضح ألترمان أنه بالنسبة إلى الشرق الأوسط ستكون معرفة السيناريو الأقرب للتحقق أمرا مهما للغاية، خاصة أن إيرادات النفط والغاز هي قاطرة اقتصاديات المنطقة، حيث إن المنطقة تضم تقريبا كل الدول المصدرة للطاقة والدول المصدرة للعمالة، فالدول الفقيرة ترسل العمال إلى الدول الأغنى، ويرسل العمال المليارات إلى عائلاتهم في أوطانهم. كما أن الاهتمام الاستراتيجي للعالم بالمنطقة يعتمد أيضا على إنتاج الطاقة.

وتعتمد فكرة توقع انهيار أسعار النفط على فكرة أن النفط سوق، وأن أي اختلالات حتى لو كانت طفيفة، لها تداعيات اقتصادية كبيرة. وتعتمد أسعار النفط على العرض والطلب، وعلى سبيل المثال، كلما زاد المعروض منه في العالم انخفض سعره. وعلى هذا الأساس فإن أي انخفاض مستمر في الاستهلاك العالمي للنفط، مهما كان ضئيلا، سيؤدي إلى الضغط على دول الخليج لزيادة الإنتاج في محاولة لإخراج الدول المنتجة ذات التكلفة الأعلى من السوق، وضمان ألا تظل تمتلك نفطا تحت الأرض تصبح قيمته منخفضة عندما يزداد انخفاض الاستهلاك.

واتخذت دول الخليج من بينها السعودية والإمارات وسلطنة عمان خطوات من أجل تفعيل استراتيجية الإصلاح الاقتصادي. وترى مراكز دراسات غربية من بينها “ستراتفور” أن دول الخليج مطالبة بالعمل على تعزيز دور رعاياها كمواطنين نشطين ومنتجين عبر تحفيزهم على التضامن والشراكة لتجنب تداعيات أزمة اقتصادية سيئة.

وكانت السعودية قد أطلقت رؤية 2030 وهي خطة ما بعد النفط أعلنتها المملكة في أبريل 2016 تستهدف خفض الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل وتنويع الإيرادات المالية. وتقول السلطات السعودية إن الخطة ستعمل على زيادة رفاهية المواطن السعودي وستخفض من تبعية الاقتصاد للنفط.

ويقول ألترمان إن هناك وجهات نظر مختلفة حول التحول في مجال الطاقة وأن الأمر قد يستغرق عقودا من الزمن، وأن البنية التحتية لاستهلاك النفط والغاز تضمن توفر سوق قوية لسنوات كثيرة، وأنه ما زال حوالي 90 في المئة من مبيعات السيارات الجديدة هي لسيارات تعمل بالبنزين وما زالت منشآت شحن السيارات الكهربائية تحتاج إلى المليارات من الدولارات والعشرات من السنوات لاكتمالها.

ويرى الباحث الأميركي أن لا أحد يعرف من هو الفائز والخاسر في العقد المقبل في منطقة الشرق الأوسط في مجال النفط. ويقول “ربما تعوض الكميات المتزايدة من جانب الدول ذات التكلفة المنخفضة الأسعار المنخفضة، مما يؤدي إلى تركيز استراتيجي متجدد على الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط”، لكنه يشير إلى حتمية انضباط السوق للحيلولة دون انهيار الأسعار.

كما أنه يتوقع أن الدوافع الرئيسية وراء تحول الطاقة العالمية سيكون مصدرها من خارج منطقة الشرق الأوسط، لكن سيكون لها تأثير عميق داخل المنطقة والتي ستحدد الطريقة التي ترتبط بها المنطقة بباقي دول العالم.

 

المصدر: العرب اللندنية