كُتّاب الموقع
رؤى “إسرائيل” وتوجهاتها بشأن الأزمة في لبنان

بتول دياب

السبت 24 تموز 2021

تبدو الأزمة في لبنان، اقتصادياً وسياسياً، حاضرة في رأس سلّم الأولويات في “إسرائيل”، وهي قلِقة من تطور هذه الأزمة وانعكاساتها عليها وتأثّر مصالحها، إذ بات أحد خيارات “إسرائيل” اليوم إعادةَ ضبط الوضع في لبنان مستغلة الوضع الاقتصادي المتأزم، وذلك خشية تعاظم دور حزب الله.

وانعكس الاهتمام والقلق الإسرائيليان في عناوين الصحف الإسرائيلية في الآونة الأخيرة. ويمكن استنتاج توجهات كيان الاحتلال، من خلال النقاش الإسرائيلي العام، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، لا سيما وأن “إسرائيل”، التي دخلت في حالة استنفار نتيجة الانهيار الاقتصادي في لبنان والفراغ الحكومي،

تهديدات الأزمة اللبنانية في رؤى “إسرائيل”
الرؤية الأولى
تتحدث أوساط إسرائيلية سياسية وأمنية أن الأزمة اللبنانية ممكن أن “تمنح حزب الله دوراً أكبر داخل البلد” على حساب قوى أخرى قريبة من المحور الأميركي، بعد أن عمل الحزب على مساعدة اللبنانيين، بصورة عامة، خلال هذه الأزمة، عبر مبادرات وخُطط لإيجاد بدائل عن حالة الاحتكار، في الدواء والغذاء والمحروقات. وتعتبر تلك الأوساط أن هذه المساعدات ستساهم في توسيع ما تقول إنه “نفوذ إيران في لبنان”، بالإضافة الى نفوذ الحزب، لأن “إيران هي الجهة التي ستؤمّن البدائل”، بحسب الكلام الإسرائيلي.

الرؤية الثانية
أما أوساط وتحليلات إسرائيلية أخرى فتعتبر أن الأزمة في لبنان قد تؤدي إلى دخول روسيا والصين للبنان، الأمر الذي سيسلب “إسرائيل” اكتساب مزيد من السيطرة على ما يحدث فيه، وخصوصاً في ظل سحب واشنطن يدها من مساعدة لبنان، بل مساهمتها في الحصار والضغط.

مراكز الدراسات الإسرائيلية ركزت في الأبحاث على دور روسيا في لبنان، “الذي يُعتبر مساحة لتعزيز مصالحها”، وأشارت إلى أن “موسكو مهتمة بتعميق نفوذها فيه، وخصوصاً مع تواصل وجودها في سوريا”. فدمشق وبيروت، من وجهة نظر روسية، “أداتان متشابكتان من الناحيتين الأمنية والاقتصادية”. وبالتالي، فإن عدم الاستقرار في إحداهما “يؤثّر أيضاً في الأخرى”.

وكلٌّ من الصين وروسيا، عرضت على لبنان استثماراتٍ كبيرةً، مثل إعادة إعمار مرفأ بيروت، وإقامة محطّاتِ تكريرٍ للنفط، وإنشاء بُنى تحتية للكهرباء.

الرؤية الثالثة
وهناك توجهات إسرائيلية بشأن تهديدات الأزمة اللبنانية تجاه كيان الاحتلال، لا سيما احتمال نشوب حرب يخوضها الكيان ضد حزب الله، حيث نقل موقع “والاه”، في هذا الإطار، عن مصادر أمنية إسرائيلية، قولها إن سقوط لبنان يقرّب “إسرائيل” من الحرب.

التخوف الإسرائيلي في هذا الشأن هو من استمرار تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، والذي يهدّد الجبهة الداخلية الإسرائيلية بصورة عامة، ومنشآت استراتيجية، مثل محطات الكهرباء والبنية التحتية للمياه ورموز حكومية، على وجه خاص. كما يواصل حزب الله التسلّح بمنظومات جويّة تهدّد حرية عمل سلاح جو الاحتلال الإسرائيلي في المجال الجوي اللبناني والمنطقة.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنه يمكن لحزب الله إطلاق صواريخ في أي وقت ضد “إسرائيل”، ولديه الآن مخزون من نحو 140 ألف صاروخ، وإلى أنه يستطيع، في يوم واحد من القتال، إطلاق نحو 3000 صاروخ، أي ما يوازي تقريباً ثلثي عدد الصواريخ التي أُطلقت من قطاع غزة خلال كل أيام معركة “سيف القدس”.

وفي موازاة ذلك، أثار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة المخاوف الإسرائيلية من السيناريو الأخطر: مواجهة حزب الله. فقدرات “حماس لا تعادل عُشر قدرات حزب الله”، و”سلاح الجو الإسرائيلي لم ينجح في وقف إطلاق القذائف الصاروخية وقذائف الهاون”.

لذلك، سيدفع وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس ووزير المالية أفيغدور ليبرمان خُططاً لإنهاء الجدار عند الحدود اللبنانية بتكلفة مليار شيكل (يوزاي 300 مليون دولار أميركي) العام المقبل، بطريقة تمنع حزب الله من تنفيذ تهديداته، بما في ذلك شن هجمات برية واسعة ضد المستوطنات القريبة من السياج الحدودي ومواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفق ما تحدث عنه الإعلام الإسرائيلي.

وتحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي إقناع السياسيين الإسرائيليين بأنه، على عكس الجولة الأخيرة من القتال ضد “حماس”، في أيار/مايو 2021، فإن أي حرب ضد حزب الله تتطلّب توغلًا برياً في لبنان. التحليل الإسرائيلي يرى أن مثل هذا الهجوم قد يكون لمصلحة حزب الله، بسبب القدرات الهجومية التي طوّرها خلال السنوات الماضية.

ويرى مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن حزب الله يستعدّ لاحتمال التصعيد، ولديه مخاوف من قيام “إسرائيل” بهجوم مفاجئ. فهو يحاول التعلم من الجولة الأخيرة من القتال بين “إسرائيل” و”حماس”، ويدرس خلاصاتها، وخصوصاً فيما يتعلق بالدفاعات الجوية الإسرائيلية.

ووفقاً للإعلام الإسرائيلي، فإن القيادة الشمالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي صاغت، على مدى السنوات الثلاث الماضية، عدداً من الخُطط العملياتية فيما يتعلق بالحرب في لبنان، تغطّي مجموعة متنوعة من السيناريوهات ومستويات القتال، من الأيام الأولى للمعركة إلى الحرب الشاملة. ومن المتوقع أن تتم الموافقة على جميع هذه الخطط العملياتية في غضون شهر، الأمر الذي يشير إلى مدى القلق الإسرائيلي والتجهّز لنشوب حرب، في أيّ لحظة.

التوجهات الإسرائيلية
أمام كل هذه المعطيات، يمكن تلخيص التوجهات الحالية داخل كيان الاحتلال بشأن لبنان، في التالي:

التوجه الأول يدعو إلى زيادة الضغط على لبنان من أجل إجبار حزب الله على تنازلات تتعلق بـ”الصواريخ الدقيقة.”

التوجه الثاني يقول إن زيادة الضغط على لبنان سينعكس سلباً على مصالح “إسرائيل”، ويؤدي إلى اتخاذ حزب الله إجراءات جذرية، ويفتح الأبواب أمام دخول الصين وروسيا للساحة.

إلا أنه، في المقابل، ثمة في “إسرائيل” من يرى في الأزمة اللبنانية فرصة لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه الحروب والاعتداءات ضد لبنان. ومن أبرزها، بحسب المعلقين، إبعاد حزب الله عن مكانته المركزية في لبنان، وضرب شعبيته، وتقييد الأزمة قدراته.

مما لا شك فيه أن الإسرائيليين لا يملكون رؤية حاسمة وواضحة بشأن التعامل مع لبنان، الذي أصبح الدولة العقبة في وجه كل المشاريع التي أدارها الاحتلال الإسرائيلي، سواء عبر الاتفاقيات مثل اتفاق 17 أيار/مايو 1983، والاحتلال المباشر الذي انتهى بانسحاب دون قيد أو شرط عام 2000، وصولاً إلى العمل العسكري في تموز/يوليو وآب/أغسطس 2006، والذي شكّل هزيمة فاضحة لـ”إسرائيل”.

لذا، تحاول “إسرائيل” اليومَ ركوبَ موجة الأزمة الاقتصادية، لوضع بصمتها العدوانية في بلد، تعوّد أن يقطع يدَها.

 

المصدر: الميادين