كُتّاب الموقع
قمة لمّ الشمل لحلف الأطلسي تسودها تقاربات وخلافات

العرب اللندنية

الثلاثاء 15 حزيران 2021

يسعى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أول قمّة يحضرها الرئيس الأميركي جو بايدن لطيّ صفحة التوتر خلال إدارة دونالد ترامب والتركيز بدلا من ذلك على التهديدات الخارجية التي تمثلها كل من روسيا والصين. ورغم تفاؤل الدول الأعضاء بتجاوز الخلافات التي كرستها الإدارة الأميركية السابقة إلا أن عدم التوافق بشأن الإنفاق ما يزال نقطة خلافية شائكة.

قررت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الاثنين رص صفوفها لمواجهة التحديدات الجديدة التي تفرضها روسيا والصين في القمة التي عقدت في بروكسل مع رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن في إحياء التحالفات، لكن الأوروبيين حذرون ومنقسمون بشأن إعادة التوجيه الإستراتيجي التي يريدها الأميركيون وخطط تعزيز استثمارات الحلف.

وقال بايدن “أعتقد أنه خلال السنتين الماضيتين أصبح هناك إدراك متزايد أن لدينا تحديات جديدة. لدينا روسيا التي لا تتصرف بالطريقة التي كنا نأملها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين”. وشدد على “الحاجة إلى تنسيق أكبر” بين الحلفاء.

وتابع “نحن نشهد زيادة كبيرة في قوة الصين. إنها تستثمر في القدرات النووية والأسلحة المتطورة ولديها موقف عدائي في بحر الصين ولا تشاركنا قيمنا، كما تظهر حملة القمع في هونغ كونغ واستخدام تقنية التعرف على الوجوه لمراقبة السكان الصينيين”.

وأضاف “الصين تقترب منا في الفضاء الإلكتروني وفي أفريقيا وفي القطب الشمالي. إنها تستثمر في أوروبا للسيطرة على البنى التحتية الإستراتيجية”.

وأعرب قادة دول حلف شمال الأطلسي الاثنين عن “قلقهم” حيال طموحات الصين المعلنة وتطوير ترسانتها النووية ما يشكل “تحديات لأسس النظام الدولي”.

وقال القادة في البيان الختامي لقمتهم في بروكسل “طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل تشكل تحديات لأسس النظام الدولي المستند إلى قواعد، وفي مجالات لها أهميتها بالنسبة إلى أمن الحلف”.

وتبقى روسيا “الأولوية رقم واحد”، إلا أن أعضاء الحلف قرروا كذلك مواجهة “أحصنة طروادة الصينية”، حيث لم يعد يُنظر إلى الصين على أنها شريك تجاري لا يمثل خطورة.

وقام الحلف بتحديث دفاعاته منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 لكنه بدأ في الآونة الأخيرة فقط النظر بجدية أكبر إلى أي تهديد محتمل من الطموحات الصينية.

وبعد الاستثمارات الصينية في الموانئ الأوروبية وخطط إقامة قواعد عسكرية في أفريقيا إلى المشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا، اتفق حلف الأطلسي الآن على أن صعود بكين يستحق ردا قويا على الرغم من أن المبعوثين قالوا إن ذلك سيكون بجوانب متعددة.

والحلفاء مهتمون بروابطهم الاقتصادية مع الصين، فبيانات الحكومة الألمانية تقول إن قيمة إجمالي التجارة الألمانية مع الصين عام 2020 تجاوزت 212 مليار يورو (256.82 مليار دولار) مما يجعل بكين الشريك التجاري الأول في تجارة السلع.

وتفيد بيانات أميركية أن إجمالي ما بحوزة الصين من سندات الخزانة الأميركية حتى مارس 2021 بلغ 1.1 تريليون دولار، وبلغ إجمالي التجارة الأميركية مع الصين 559.2 مليار دولار في 2020.

ويشعر زعماء الحلف أيضا بقلق إزاء الحشد العسكري الروسي الأخير قرب أوكرانيا فضلا عن هجمات موسكو السرية والإلكترونية لتقويض دول غربية، مع أن موسكو تنفي ارتكاب أي مخالفات.

وجاء في البيان الختامي للقمة أن الحلف مستعد للرد عسكريا إذا هوجم في الفضاء أو منه.

وتابع البيان “نرى أن الهجمات من الفضاء أو فيه تمثل تحديا واضحا لأمن التحالف ويمكن للآثار الناجمة عنها تهديد (…) رخاء وأمن واستقرار المجتمعات الحديثة، كما يمكن أن تكون ضارة بها باعتبارها هجوما تقليديا”.

وأكد أن مثل هذه الهجمات يمكن أن تدفع إلى إعمال البند الخامس من الميثاق، وهو بند الدفاع الجماعي للحلف.

وقال الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا إن روسيا تحاول “ابتلاع” روسيا البيضاء وإن حلف شمال الأطلسي في حاجة إلى أن يكون موحدا في ردع موسكو. وأضاف ناوسيدا “روسيا البيضاء تفقد عناصر الاستقلال الأخيرة، وهذه اتجاهات خطيرة للغاية”.

ويطالب الحلفاء الأوربيون بمراجعة المفهوم الإستراتيجي للحلف الذي تم تبنيه في 2010 بهدف الاستعداد لمواجهة التهديدات الجديدة في الفضاء والفضاء الإلكتروني.

لكن يتوجّب على حلف شمال الأطلسي أيضا أن يضمد الجروح التي تسبب بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وأدى الانسحاب من أفغانستان الذي تقرر بدون التشاور مع الحلفاء إلى تشويه صدقية العمليات الخارجية للحلف.

ومن ناحية أخرى أصبحت أوروبا أكثر عرضة للخطر بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدات عدة أبرمت مع موسكو بشأن القوى النووية. وأدى عدم ثقة ترامب في الأوروبيين إلى تضرر القارة الأوروبية.

وفي مواجهة ذلك وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع التحالف بأنه “في حالة موت دماغي”. وأكد ماكرون عشية القمة أنه “يجب على حلف الأطلسي بناء قواعد للسلوك بين الحلفاء”.

وثمة نقطة خلافية شائكة بشأن تمويل الدفاع. وقد أقر الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بأن “هناك تقاربات وهناك خلافات”.

وقال “يجب على الحلف أن يتشاور بوتيرة أكبر وأن يزيد استثماراته”. ويقول الأوروبيون إنهم مستعدون لذلك، لكنهم يريدون “اعترافا كاملا” بمساهمتهم في الأمن الجماعي، ويطلبون أن يكونوا شركاء في مفاوضات ضبط عملية التسلح، وفق فرنسا.

وما زالت هناك حاجة إلى تصنيف الأميركيين للأوروبيين “أهلا للثقة”. وهناك 21 بلدا من دول الاتحاد الأوروبي أعضاء في حلف الأطلسي، لكن ثمانية فقط منها ملتزمة بتخصيص 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، وفرنسا واحدة منها بخلاف ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.

ورحّبت برلين باقتراح ستولتنبرغ منح التحالف وسائل مشتركة “من أجل إنفاق أكثر وأفضل” لكن باريس رفضته. ويبقى الإجماع أمرا حتميا لاتخاذ القرارات داخل الحلف.

وقال النائب الأوروبي أرنو دانجان إن “بايدن أبدى انفتاحه لتطوير الدفاع في أوروبا، لكن ذلك لن يكون مجانيا. سيكون الأميركيون أكثر تطلبا من الأوروبيين لضبط أولوياتهم في آسيا والمحيط الهادئ”.

 

المصدر: العرب اللندنية