كُتّاب الموقع
من هو دونالد ترامب الحقيقي: جون بارون أم جون ميللر... الرئيس أم «المتدرب» ؟

منى سكرية

الثلاثاء 25 تموز 2017

هل ستكون شخصية ترامب الرئيس مطابقة لشخصية ترامب رجل الأعمال في المضاربات العقارية وتجارة الجمال وعارضات الأزياء، وإدارة كازينوات القمار، والالتفاف على دفع الضرائب، والتخطيط لسحق الشركاء قبل الأعداء تحقيقاً لمزيد من الربح والمال، مقدم البرامج وأشهرها «المُتدرّب»، القائل بالشيء ونقيضه، المتبجّح بتقديمه تبرعات لأعمال خيرية وهو لم يفعل، المولع بلغة بذيئة وسوقية؟ كما ورد في سيرته على مدى 500 صفحة من كتاب مايكل كرانش ومارك فيشر «ترامب بلا قناع: رحلة من الطموح والغرور والمال والنفوذ» (صدر حديثاً عن دار الساقي).
 
 
وإذا حصل تطابق، فكيف يمكن لمحلل استراتيجي، أو مركز أبحاث، أو فلكيين وضاربي مندل، وعلماء نفس، أن «يجوجلوا» توقّعاتهم عن «شخصيات» ترامب المتعددة في شخصه؟ وتالياً، هل في حال الإمساك بشخصه الزئبقي يُصار إلى حصر التوقُّعات التي ستنجم عن تصرفاته؟ أي ترامب هذا الذي تُمكن قراءَته؟
 
 
في الكتاب- السيرة تتكثف المعلومات عن ترامب الذي «عندما كان يهبط بالمصعد إلى ردهة برج ترامب، كان المعروف عنه أنه رجل أعمال ثري، ومتعهد لتطوير أبنية باذخة، ونجم في برنامج تلفزيون الواقع، ورجل عابث لا يهدأ، وشخصية دائمة على صفحات صحف الشائعات، ويحمل اسماً تحوّل إلى علامة تجارية في أنحاء العالم، لم يكن معروفاً عنه أنه رجل سياسة» (ص453)، ولكن، مما ورد أيضاً أنه «تنقّل بين الأحزاب سبع مرات بين سنتي 1999 و2012» (ص424)، وأنه استمر في مساعدة كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ولكن «كانت التبرُّعات عند ترامب هي تكاليف استمرار أعماله»(ص422)، فقد «تبرّع للرئيس جيمي كارتر في الوقت الذي ساعد منافسه رونالد ريغان على جمع المال لحملته الانتخابية» (ص398)، لأن «معياره لمن يفوز بالانتخابات أن يكون رجلاً يمكن له التحالف معه حالما يتسلّم منصبه» (ص399) والسياسة عنده «تتغير كما يتغير لون الحرباء ليتلاءم مع اللحظة التي فيها» (ص420)، كما أنه «تبرع لحملات هيلاري كلينتون الانتخابية ست مرات»، كما دعا «أسرة كلينتون إلى حفلة زفافه هو وميلانيا سنة 2005» (ص421).
 
 
المواصفات التي قيلت في شخصه تكاد لا تحصى، وأدت على سبيل المثل، وعلى مدى ثلاثة عقود إلى أن «رفع على ترامب وشركاته أكثر من ألف وتسعمئة دعوى قضائية، وكان في موقع الاتهام في دعاوى أخرى أُقيمت بحقه بلغت ألفاً وأربعمئة وخمسين دعوى» (ص439).
 
 
توفيراً لمتعة قراءة دونالد ترامب وأفعاله وأعماله المثيرة، سنورد بعضاً مما قيل فيه، توخياً للمساعدة في حل ألغاز شخصيته، وحضاً على رسم معالم أفعاله مستقبلاً، ولنتائج تلك الأفعال من أعلى موقع رئاسي عالمي إلى اليوم.
 
 
قالوا فيه: «مزيج سام من الديماغوجية والخواء الروحي» (ص464)، «يخوض علناً في الشائعات والقصص القذرة» (ص463)، «كان يعرف كيف يصير مشهوراً، ويعرف كيف يكسب، وكيف يجتذب أعداداً كبيرة من المشاهدين» (ص14)، «رجل الاستعراض الذكي ورجل الشارع الوقح والنزق والصاخب» (ص14)، «... هذا هو الرجل الذي يحضر حفلات انتخاب ملكات الجمال ويعرض زوجته وابنته متباهياً، وهو الرجل الذي قال لو لم تكن ابنتي لواعدتها» (ص26)، «كان يحاول ترويض أي شخص لا يمتثل لإرادته» (ص67)، «لم يكن ترامب الرجل الذي يمكن وصفه بالمفكر، لكنه لم يكن شخصاً غبياً» (ص76)، «كان يهتم بأن يراه الناس بصحبة نساء جميلات» (ص77)، «المتعهد العقاري الفائق الحيوية ذو التصرفات الصبيانية» (ص124)، «توليفة مميتة» (ص127)، «أسلوبه في التطوير: تخفيضات ضريبية كبيرة، والاستفادة من تضارب مصالح المنافسين، إضافة إلى جرعة قوية من الصفاقة والبراعة والخداع» (ص128)، «لا يقل افتقار هذا الرجل إلى الذوق عن افتقاره إلى الحياء» (ص150)، «مجال اهتماماته يتمحور حول الشهرة، وعمله: إنشاء المباني والعقارات، والمقامرة والمصارعة والملاكمة» (ص50)، «كان مدمناً بالمعنى الحرفي للكلمة على الشهرة والاهتمام» (ص165)، «دونالد إنسان مجرد من العواطف» (ص166)، «المليونير الغرّ الكئيب»(ص169)، «لا يمانع سحق خصومه وتحقير الفاشلين» (ص181)، «دافعه الأساسي هو الربح حتى لو لم يكن بحاجة إلى المال» (ص214)، «مدمن على الغلوّ، يراوغ لمجرد التسلية والربح» (ص315)، «كان يتصرف من دون التفكير في عواقب أعماله» (ص436)، «الترويج للذات، والتبجّح، والتقاضي.
 
 
كان ترامب واضحاً بشأن اللجوء إلى كل تلك الأساليب، بل أكثر منها، وذلك لحماية صورته وتحقيق غايته المنشودة: كسب المال» (ص451)، «إنه لا يخاف، فهو غير سياسي» (ص456)، «زائف ودجال، وصاحب مزاج غريب لا يصلح للرئاسة» (ص474)، «عندما كان يُجري مكالمات هاتفية يستخدم فيها اسمه المُستعار جون بارون» (ص151)، «أو اسم جون ميللر» (ص177) الخ. (اقتباسات من أقوال لأشخاص خبروه بالعمل معه قبل توليه الرئاسة).
 
 
وعن مزاياه العنصرية وتمييزه العرقي، فقد تجلت في سلوكه خلال تأجير شقق يملكها باستبعاده السود (ص86 وغيرها من الصفحات) وتفضيله اليهود، الأمر الذي فعله أيضاً «بإقصاء المتسابقات السوداوات» (ص238) لحفلات انتخابات ملكات الجمال، وتجاه الهنود الحمر، من دون أن يمنعه هذا الإحساس العنصري من أن تكون له حصة في مشروع نادٍ للقمار بمشاركة هنود البوكواتك، أو تمتين علاقته بفيليكس ساتر المهاجر الروسي وعصابته في نيويورك وتكليفه مرافقة إيفانكا ودونالد الابن إلى موسكو العام 2006 (ص343)، أو أغالاروف رجل الأعمال الروسي ومقرصن الأفلام وبدايتها كانت فيلم «العراب» (ص358)!، أو مع البليونير الأذربيجاني الشاب البارز أنار مامادوف (ص362) وآل علييف حكّام أذربيجان.
 
 
أما ترامب– الطفل فيكشف الكتاب عن تكوين عدائي بلغ به أن رمى بالحجارة وكان في السادسة من العمر طفلاً «داخل محبس صغير مع ألعابه» (ص54)، وكان شقيقه روبرت «ضحية سهلة لشقيقه الأكبر (أي ترامب) ذي الميول العدوانية» (ص55)، وفي المدرسة «كان يمضي أوقاتاً طويلة في غرف العقاب»، وقد كان «عنيداً ومتهوراً» (ص55)، ولأن والده المهاجر من ألمانيا في القرن التاسع عشر، وعلى رغم ثرائه «كان يشجع أولاده على كسب المال من طريق جمع زجاجات المياه الغازية الفارغة وتسليمها لمستودع النيكل»، لكنه كان يقول لابنه دونالد أنه ملك و «أنه بحاجة إلى أن يصير سفاكاً في أي شيء يفعله» (ص60)، ولكن، عندما اكتشف والد دونالد أن ابنه يخبئ السكاكين، ويبتاع وزميله القنابل ذات الرائحة النتنة والألعاب التي تصدر أزيزاً عند المصافحة والقيء المزيف للمزاح مع أصدقائهما في المدرسة وكان بعمر 12 سنة، قرر الوالد «أن دونالد بحاجة إلى تغيير جذري» (ص61)، فكان أن أدخله الأكاديمية العسكرية في نيويورك في أيلول (سبتمبر) 1959، وهي «صارمة لا ترحم».
 
 
عندما علم المدرّس تشارلز ووكر الذي كان يرقد في سريره في المستشفى (توفي العام 2015) أن ترامب يفكر بالترشُّح للرئاسة قال: «عندما كان هذا الرجل طفلاً في العاشرة، كانت تفاهته واضحة في تلك السن المبكرة» (ص57)، لكنّ لترامب رأياً مختلفاً بقوله «إن الترشُّح لرئاسة الجمهورية أكثر إثارة وأرخص كلفة» (ص274).
 
 
تكاد واحدة من المواصفات التي قيلت فيه والأقرب إلى سبر أغواره أنه «ينوي أن يكون شخصاً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته» (ص456)... على رغم «الضجر» الذي سيحيق بمشاعر قارئ الكتاب من قدرة هذا الرجل على إنقاذ نفسه من الخسائر وبكل أنواع «الملوثات»، بما فيها تأسيسه شركة لتحليل البول تبيع فيتامينات مركبة «لإعطاء ملايين الأشخاص أملاً متجدداً، وتوفر للناس الفرصة لتحقيق الحلم الأميركي» (ص348- 349)... قال ذلك ترامب في ترويجه لتركيبة الفيتامينات هذه أثناء مرحلة الانكماش الاقتصادي التي ضربت أميركا العام 2009، وقال عن ذلك «إنها الطريقة الأميركية».
 
 
ملاحظة أخيرة: لم يشمل هذا الكتاب مرحلة ترامب في البيت الأبيض... لا بد سنقرأ!
 
 

المصدر: الحياة