كُتّاب الموقع
محمد الزغول: اللاعبون الإقليميون هم من سيقررون ملامح مستقبل المنطقة

صالح البيضاني

السبت 3 تموز 2021

تقف المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية في فيينا في مفترق طرق في ظل إصرار النظام في طهران على فصل الملفات الساخنة عن أي اتفاق جديد، فضلا عن وضع العراقيل أمام أي محاولة للحد من الطموحات النووية الإيرانية وتقوية النفوذ في منطقة الشرق الأوسط. كل هذه الملفات الشائكة كانت محور حوار لـ”العرب” مع مدير وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات محمد الزغول.

استبعد الباحث السياسي ومدير وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات محمد الزغول وجود أي انعكاسات مباشرة لأي اتفاق محتمل بين إيران والقوى الدولية على الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وخصوصا اليمن في ظل السياسات الإيرانية الداعمة لتقوية الميليشيات.

ولا يرى الباحث الأردني أي مؤشرات تظهر أن موضوع اليمن أو أي مسألة إقليمية أخرى قد تم التطرق إليها في مفاوضات فيينا، حيث لا تزال طهران ترفض الحوار مع الولايات المتحدة حول أي من المسائل الإقليمية، في الوقت الذي ترفض فيه أيضا مشاركة الدول العربية في تلك المفاوضات.

وأكد الزغول في حوار مع “العرب” أن الموقف الإيراني يأتي في سياق استراتيجية تتبناها طهران في عزل وتجزئة الملفات وتنويع أطراف التفاوض للخروج بأقل تنازلات ممكنة في مجمل المفاوضات.

وأوضح أن “تجربة خطة العمل الشاملة المشتركة المبرمة في العام 2015 تثبت أن النجاحات التي تحققت في الملف النووي قد جرى استغلالها بشكل معكوس على المستوى الإقليمي”.

وقال إن النظام الإيراني استغل هذه الاتفاقية من أجل مضاعفة أنشطته الإقليمية المزعزعة للاستقرار بعد توقيع الاتفاق، ما أسهم في تعقيد المشهد وانتهى إلى خروج الولايات المتحدة من الاتفاق.

وتعمل إيران على المساومة على ملفات أخرى في سياق ضغطها على المجتمع الدولي لعودة العمل بالاتفاق النووي ورفع العقوبات، وذلك في الوقت الذي تواصل فيه الأجنحة العسكرية التي تخضع لها في العراق وسوريا واليمن ولبنان سياسة التصعيد على الأرض.

عراقيل دائمة


بشأن نجاح الاستراتيجية الإيرانية أم فشلها، يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني أن “الشروط المستعصية التي كانت تقلل من احتمال العودة إلى الاتفاق النووي لا تزال قائمة، ما يجعل من الصعب جدا التفكير في أن تؤدي الجولة السادسة أو الجولات التي تليها إلى عودة للأطراف إلى إطار الاتفاق والتزاماته، إلا إذا دخلت مؤثرات أخرى في المعادلة”.

وأوضح أن ما يبعث على القلق ضمن المعسكر الغربي “احتمال أن تتجه القوى المتشددة في إيران في حال عدم العودة إلى الاتفاق النووي نحو إنتاج القنبلة النووية، خصوصا في ضوء عدم إشراف الأطراف الدولية على أنشطة طهران النووية مؤخرا”.

يرى الباحث السياسي المتخصص في الشأن الإيراني أن هناك العديد من العراقيل التي ما زالت تعترض طريق العودة إلى العمل بالاتفاق النووي مع إيران، الذي يؤكد أن المؤشرات لا ترجح أن يكون التوقيع عليه قريبا.

ويؤكد أن الجولات الست التي شهدتها مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي في فيينا لم تقدم خطوة واضحة في اتجاه ما ساد من تفاؤل بشأن عودة أميركية سريعة إلى الاتفاق النووي منذ فوز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الأميركية.

ويشير الزغول إلى أن “موقف إيران المتصلب حول ضرورة إلغاء كافة العقوبات والتصعيد الإيراني المتواصل تركا عقبات جمة في طريق المفاوضين على الرغم من حل الخلاف على من يقوم بالتنازل الأول”.

ويوضح أن “دعم موقف تيار الاعتدال خلال السباق الرئاسي كان دافعا أساسيا في سياق دفع عجلة المفاوضات على الجانب الأوروبي، لكن انغلاق هذه النافذة أحبط الجهات المفاوضة، حيث خرج المعتدلون مبكرا من السباق الرئاسي وافتقدوا إلى أي مرشح بارز خلال الانتخابات”، التي جرت في إيران لاختيار رئيس جديد. كما يرى أن “الأحداث التي تعرض لها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تركت تأثيرا سلبيّا في عزيمة الرجل وعزيمة نظرائه الغربيين”.

ويقول في هذا السياق إن “دور وزير الخارجية الإيراني في مسار المفاوضات النووية كان هامشيا بعد المقابلة التي سرّبتها جهات غير معروفة، وسط انخفاض منسوب تغريداته عن مفاوضات فيينا؛ ما ترك أثرا سلبيا بالتأكيد على مسار المفاوضات”.

ويضيف أنه رغم تلك الأحداث ثمة ما يمكن تفسيره في الموقف على أنه انفتاح إيراني على العودة إلى الاتفاق خلال الأسابيع القادمة، إذ تُشير مواقف الجهات المتشدّدة إلى انخفاض سلبيتها تجاه المفاوضات النووية، وهي ظاهرة يمكن اعتبارها ناجمة عن انشغال الشارع السياسي المتشدّد بالاستحقاق الرئاسي.

ويعتبر الباحث أن هناك مواقف أخرى يمكن أن تدعم الانفتاح الإيراني من ضمنها فتح “المجلس الأعلى للأمن القومي” الإيراني نافذة إضافية من شهر واحد أمام المفاوضين (بعد اتفاق بين إيران ووكالة الطاقة النووية من ثلاثة أشهر) بعد تأكيد من الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني على أنه وجه رسالة لم يفصح عن تفاصيلها بخصوص الاتفاق النووي إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، وأنه حصل على رد إيجابي”.

أما على الصعيد الأميركي والموقف من مفاوضات فيينا، يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، “من زاوية إنذار وزير الخارجية أنتوني بلينكن حول اقتراب إيران من عتبة صنع القنبلة النووية، والذي قال إنه يأتي في إطار تخويف معارضي العودة إلى الاتفاق، وتقديم التنازلات من تداعيات معارضتهم، متمثلة في احتمال حصول إيران على قنبلة نووية في غضون أسابيع، مقابل طمأنتهم بأن إدارة بايدن لا تنوي إلغاء كافة العقوبات، كما أنها تنوي تشديد وتيرة مراقبة البرنامج النووي الإيراني، وتوسيع الاتفاق في مراحل أخرى”.

خيارات إسرائيلية منفردة


يؤكد مدير وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات أن إسرائيل تواصل استراتيجيتها لاستنزاف إيران نوويا عبر تخريب البنى التحتية وعمليات التجسس والكشف عن السرية والتحشيد السياسي ضد البرنامج النووي الإيراني.

ويعتبر أن استمرار تقدم إيران باتجاه العتبة النووية لا يزال حقيقة ماثلة للعيان، وهو ما قد يدفع تل أبيب باتجاه البحث عن خيارات استراتيجية أخرى من قبيل المواجهة المباشرة عبر ضرب المنشآت النووية الإيرانية أو دفع قوى إقليمية ودولية لتحمل عبء هذه المواجهة مع طهران، أو السعي لتشكيل تحالف دولي للهجوم على إيران.

ويرجّح الباحث الزغول أنه في ظل المناخ الدولي غير المساعد لتشكيل تحالف دولي ضد إيران وارتفاع الكلفة المتوقعة للمواجهة المباشرة أن تتسارع وتيرة “الحرب غير المعلنة” بين إسرائيل وإيران، عبر العمليات الأمنية الدقيقة والضربات غير التقليدية الهادفة بشكل أساسي إلى عرقلة تقدم طهران باتجاه الحصول على السلاح النووي. ويشير في هذا السياق إلى أن إسرائيل وإيران جرّبتا هذا النوع من الهجمات ضد بعضهما البعض بشكل متزايد خلال السنتين الأخيرتين.

فراغ هائل وبدائل محدودة


يؤكد الزغول أنه “لا يوجد بديل قادر على ملء الفراغ الذي قد يحدثه انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة”، وذلك تعليقا على سؤال حول الرسائل التي توجهها إدارة الرئيس جو بايدن في ما يخص توجهها لخفض تواجدها العسكري في الشرق الأوسط بالتوازي مع المفاوضات النووية التي تجريها مع إيران.

ويوضح بشأن إمكانية أن تقود تلك التحولات في نهاية المطاف إلى نشوء تحالف إقليمي لمواجهة الطموحات الإيرانية، قد يكون التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن هو نواته، أن “استراتيجية التعهيد التي تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن تتيح بالفعل إلى الأطراف الإقليمية إمكانية المشاركة بفعالية أكبر في إدارة الملفات المؤثرة على قضايا الأمن والسلم الجماعي في المنطقة”.

ويضيف أنه “في ظل حالة ‘تراجع القوة’ التي تعانيها مختلف الأطراف في المنطقة نتيجة الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا وعوامل أخرى متعددة، فإن إجمالي المعطيات تستبعد خيار تشكيل تحالف إقليمي لضرب المنشآت النووية الإيرانية إلى حدّ كبير (دون أن تقضي عليه)، وستكون له في حال تنفيذه، تداعيات قد لا تتحمل الدول الخليجية تحمل أعبائها، في حال قررت إيران ردّ الضربة بالضربة”.

ويبيّن الباحث أن “خيار التحرك المشترك في مجلس الأمن والمطالبة بالمزيد من الضغوط الدولية على إيران، قد يفقد فاعليته في حال أخذنا في الحسبان صمود البرنامج النووي الإيراني وتوسعه في ضوء أشد موجات العقوبات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أنه يبقى خيارا واردا، وذا تأثير محتمل على القرار النووي الإيراني”.

كما يرى أن “خيار الحوار العربي الإسرائيلي المشترك مع الصين والضغط عليها لممارسة دور أكبر في منع إيران من الحصول على السلاح النووي وضبط أنشطتها الإقليمية، يبقى واردا هو الآخر، ولكنه يمكن أن يعرض الجانب العربي إلى موجات ابتزاز صينية لكسب المزيد من الامتيازات مقابل العمل على تأجيل البرنامج النووي الإيراني، وضبط وتيرة التحركات الإقليمية الإيرانية”.

في ظل كل التعقيدات التي تلفّ الملف الإيراني وتداعيات جموح طهران نحو توسيع نفوذها في المنطقة مستفيدة من حالة الارتباط الدولي، سألت “العرب” الباحث المتخصص في الشأن الإيراني عن موقع القاهرة وأنقرة من كل التداعيات، فأوضح أنه “خلافا لما هو متصور لدى الكثير من الناس فإن التنافس الجيوسياسي بين تركيا وإيران يجري خارج منطقتنا؛ إذ يُشَكِّلُ صعود تركيا وطموحاتها الواضحة لتهميش إيران كفاعل في مجالي الطاقة والنقل في مناطق جنوب القوقاز وغرب آسيا مصدر قلق بالغ لطهران”.

ويرى أن “طهران تحاول البقاء طرفا في الخطط الإقليمية الجارية لخطوط إمداد الطاقة إلى أوروبا. ويمكن القول إن طهران وأنقرة وجدتا طريقة ما لتسوية خلافاتهما في سوريا دون الاضطرار إلى إدارة المزيد من حروب الوكلاء”.

ويعتبر أن “تركيا لا تظهر حساسية تجاه تقدم البرنامج النووي الإيراني أو البرنامج الصاروخي الإيراني، ربما لاعتقادها بأنه موجه بالأساس ضد أطراف إقليمية أخرى، وربما لأن حصول إيران على السلاح النووي، قد يوفر مبررا لتقدم تركيا أيضا باتجاه التحول إلى قوة نووية”.

ويرى الباحث الزغول أنه بالنسبة إلى مصر فهي تخوض غمار منافسة دولية وإقليمية في شرق المتوسط والبحر الأحمر ضمن ثلاثة مجالات رئيسة هي: السيطرة على الموانئ التجارية والخطوط الملاحية، والاستحواذ على موارد الطاقة في ظل الاكتشافات المتنامية للغاز في شرق المتوسط، والحصول على قواعد عسكرية بحرية في شرق المتوسط والبحر الأحمر.

ويوضح أن “هناك مهددات عديدة لاستقرار منطقة شرق المتوسط – البحر الأحمر أبرزها تمدّد المنافسة بين عدد من القوى الآسيوية، والمساعي الروسية للحصول على مراكز استقرار في البحار الدافئة، والسلوك التوسعي العدائي التركي، والتصعيد العسكري المتبادل بين إيران وإسرائيل.

ويؤكد أنه “في ظل سياسة التعهيد التي تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن، وتناقضات مصالح القوى الدولية الكبرى في منطقة شرق المتوسط والبحر الأحمر، فإن اللاعبين الإقليميين هم من سيقررون ملامح مستقبل المنطقة، ومن هنا تأتي أهمية التركيز المصري على هذا المجال الجيوسياسي”.

مشهد أفغاني معقد

عن مدى التأثير المحتمل لمجريات الأحداث المتسارعة في أفغانستان على الملف الإيراني، إضافة إلى العلاقة بين تسارع رغبة واشنطن في الانسحاب من المستنقع الأفغاني، وهل سيخدم ذلك أجندة إيران في المنطقة، اعتبر مدير وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات، أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيؤدي إلى خلق تحديات جمة بالنسبة إلى الإيرانيين، على الرغم من أن أفغانستان لا تحظى بالأولوية في استراتيجية إيران الإقليمية.

ويقول الباحث إن الانسحاب الأميركي سيرغم طهران على الانخراط أكثر والانشغال بالمسألة الأفغانية، ويوضح في هذا السياق أن “تعقيدات المشهد الأفغاني والتناقضات الأيديولوجية والمذهبية التي تعانيها إيران هناك، سيكون من المتعذر جدا على طهران الوصول إلى نفوذ مستقر أو طويل الأمد أو منتج في هذا البلد”.

ويضيف أن هذا الأمر “لا يمنع أن ينطوي انسحاب الولايات المتحدة على إيجابيات بالنسبة إلى طهران، لكن لنتذكر أن طهران ساعدت الولايات المتحدة استخباراتيا ولوجستيا وتعاونت معها من خلال وكلائها على الأرض، أثناء غزو أفغانستان لأن ذلك فيه مصلحة استراتيجية إيرانية”.

 

المصدر: العرب اللندنية