كُتّاب الموقع
مهمة إنقاذ الاتفاق النووي تلقي بإدارة بايدن في حقل ألغام العقوبات الإيرانية

أرشد محمد ودافني ساليداكيس

الثلاثاء 18 أيار 2021

يحاول الرئيس الأميركي جو بايدن إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، لكن قد لا تكون لديه مساحة كبيرة للمناورة حيث ورث عن سلفه دونالد ترامب فوضى كبيرة في العلاقات بين البلدين. كما أن مهمة إنقاذ الاتفاق من جديد قد تلقي به في حقل ألغام العقوبات الإيرانية التي يراها متابعون تمثل اختبارا حقيقيا في طريقة تعاطي الإدارة الجديدة مع إيران. ويشكل مصير العقوبات التي فرضها ترامب على البنك المركزي الإيراني في 2012 لمنع التصرف في أصوله بموجب تشريع أميركي أبرز العوائق التي تحول دون إحياء الاتفاق مرة أخرى.

تسير الولايات المتحدة بخطوات وئيدة عبر حقل ألغام زرعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وذلك في إطار بحثها عن طريق يعيدها إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015.

ويوضح حصر أجرته وكالة رويترز لقرارات وزارة الخزانة الأميركية أن هذه الألغام ليست سوى عقوبات فرضها ترامب على أكثر من 700 جهة وفرد بعد انسحابه من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات التي رفعت بمقتضاه عن إيران.

ومن هذه الألغام القائمة السوداء التي أدرج فيها ترامب حوالي 24 مؤسسة حيوية في الاقتصاد الإيراني ومنها البنك المركزي وشركة النفط الوطنية مُستغلا قوانين أميركية ترمي لمعاقبة أي أطراف أجنبية على دعم الإرهاب أو نشر السلاح.

ويُعد رفع الكثير من هذه العقوبات أمرا حتميا إذا كان لإيران أن تصّدر نفطها وهو ما سيمثل أكبر استفادة تحصل عليها طهران من الالتزام بالاتفاق النووي وتقييد برنامجها النووي.

غير أن إسقاط هذه العقوبات من شأنه أن يجعل الرئيس بايدن عرضة لاتهامات بالتساهل مع الإرهاب وهو ثمن سياسي ربما لا يتمكن من تفاديه إذا كان للاتفاق النووي إن يصبح ساري المفعول من جديد.

وأثار هذا الاحتمال بالفعل انتقادات شديدة من الجمهوريين. فقد قال مايك بومبيو وزير الخارجية السابق في إدارة ترامب الشهر الماضي خلال الترويج لتشريع من شأنه أن يجعل من الصعب على بايدن رفع العقوبات السارية على إيران “هذا غير أخلاقي”.

ووصف جون سميث مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة من 2015 إلى 2018 موجة العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بأنها “غير مسبوقة من حيث المدى في التاريخ الأميركي الحديث”.

وقال سميث الشريك الآن في شركة موريسون آند فورستر للاستشارات القانونية إن استهداف المؤسسات الإيرانية لدعمها للإرهاب أو بسبب صلات تربطها بالحرس الثوري الإيراني جعل إحياء الاتفاق النووي أصعب كثيرا.

وتابع “إضافة الإرهاب العالمي والحرس الثوري وانتهاكات حقوق الإنسان إلى أيّ قائمة تجعل رفع تلك الأسماء من القائمة شديد الصعوبة سياسيا بدرجة لا تصدق. بإمكانك أن تفعل ذلك لكن رد الفعل الذي قد تواجهه سيكون أكبر كثيرا”.

وأوضح مسؤول أميركي بأن هذا الحصر للعقوبات التي فرضها ترامب قريب من الحصر الذي أجرته إدارة بايدن رغم أن اختلاف التقديرات فيما يجب إدراجه قد يؤدي إلى اختلاف العدد الإجمالي قليلا.

مشروعية أم اختلاق

كان فرض العقوبات الأميركية من جديد وبالا على الاقتصاد الإيراني الذي انكمش 6 في المئة في 2018 و6.8 في المئة في 2019 وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي.

وكان ترامب قد انسحب من الاتفاق في 2018 بدعوى أنه يتيح لإيران تخفيف العقوبات بدرجة كبيرة مقابل قيود نووية غير كافية وفرض حملة “الضغوط القصوى” في محاولة فاشلة لإرغام طهران على قبول قيود أكثر صرامة على برنامجها النووي.

وقال أيضا إن الاتفاق أخفق في الحد من دعم إيران للإرهاب ودعم وكلائها الإقليميين في سوريا والعراق ولبنان والسعي لتصنيع صواريخ باليستية.

ويريد بايدن إعادة العمل بالقيود النووية الواردة في الاتفاق وتمديدها إن أمكن وفي الوقت نفسه التصدي لما وصفه بأنشطة إيرانية أخرى مزعزعة للاستقرار.

وقد بدأ مسؤولون من الولايات المتحدة وإيران مباحثات غير مباشرة في فيينا سعيا للتوصل إلى ترتيبات لاستئناف الالتزام بالاتفاق الذي بدأت إيران تخالف بنوده في 2019 ردا على قرار ترامب الانسحاب منه.

وبمقتضى الاتفاق قلصت إيران برنامجها النووي بما يقلل من قدرتها على تطوير القنبلة النووية، رغم أن طهران تنفي أنها تطمح لذلك، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

ويتنقل دبلوماسيون أوروبيون بين الوفدين الأميركي والإيراني لأنّ طهران ترفض إجراء مباحثات مباشرة. ويحاول المسؤولون التوصل إلى اتفاق بحلول الـ21 من مايو غير أنه لم يتم تذليل العوائق الرئيسية حتى الآن.

ومن هذه العوائق كيفية التصرف في العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني في 2012 لمنع التصرف في أصوله بموجب تشريع أميركي. وكانت تلك العقوبات قد رُفعت بمقتضى الاتفاق النووي واستؤنف العمل بها عندما انسحب ترامب من الاتفاق.

وفي سبتمبر عام 2019 ذهب ترامب إلى مدى أبعد بإدراج البنك المركزي الإيراني في قائمة سوداء واتهامه بتقديم دعم مالي لجماعات إرهابية وهو ما منع الأطراف الأجنبية فعليا من إبرام أيّ تعاملات معه.

كما استهدف ترامب قطاعات أخرى من البنية التحتية النفطية في إيران بتهمة دعم الإرهاب بما في ذلك شركة النفط الوطنية الإيرانية والشركة الوطنية الإيرانية للناقلات والشركة الوطنية للبتروكيماويات.

وإذا كان لإيران أن تبيع نفطها في الخارج، فإن المحامين المتخصصين في العقوبات يقولون إن من الضروري تخفيف أعباء العقوبات على هذه الشركات وإلا فإنها ستظل مصدر قلق للشركات الأجنبية.

والشركات الأميركية ممنوعة بالفعل من التعامل مع هذه الشركات بموجب عقوبات مختلفة.

وفيما ينذر بهجوم متوقع من الجمهوريين قال إليوت أبرامز آخر مبعوث خاص لإيران في إدارة ترامب إن العقوبات فُرضت لأسباب مشروعة. وأضاف “هذه التوصيفات كانت كافية ومبررة من الناحيتين القانونية والأخلاقية. فهي لم تُطلق من فراغ”.

التركيز على البنك المركزي

أوضح مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية أن إدارة بايدن لا تعتزم الطعن في “الأساس الاستدلالي” الذي فرضت إدارة ترامب العقوبات على أساسه.

وهذا معناه في واقع الأمر أنها لا تجادل بأن هذه الكيانات لم تقدّم دعما للإرهاب.

غير أن إدارة بايدن خلصت على حد قول المسؤول إلى أن من مصلحة الأمن القومي الأميركي العودة إلى الاتفاق النووي بما يبرر رفع العقوبات.

ومما عقّد الأمر أيضا قرار ترامب في أبريل عام 2019 بإدراج الحرس الثوري وفيلق القدس فرع عملياته الخارجية شبه العسكرية والاستخبارات باعتباره تنظيما إرهابيا أجنبيا.

وكانت تلك أول مرة تطلق فيها الولايات المتحدة رسميا وصف جماعة إرهابية على مؤسسة عسكرية تابعة لدولة أخرى.

وفي سبتمبر من العام ذاته، استخدم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية صلاحيات مكافحة الإرهاب في استهداف البنك المركزي الإيراني واتهمه بتوفير المليارات من الدولارات للحرس الثوري وفيلق القدس وجماعة حزب الله اللبنانية التي تعتبرها واشنطن منذ فترة طويلة جماعة إرهابية.

وقال أبرامز “ما أجده مستنكرا بصفة خاصة هو أيّ خطوة تغير وضع العقوبات على الحرس الثوري لنشاطات إرهابية لأن الحرس الثوري ينخرط في أنشطة إرهابية. هذه مسألة واضحة”.

غير أنه لا حاجة لإدارة بايدن لنزع صفة التنظيم الإرهابي عن الحرس الثوري من أجل رفع العقوبات المفروضة عن البنك المركزي.

وقال مسؤولون أميركيون سابقون إن بإمكان وزير الخزانة إلغاء أيّ عقوبات مفروضة على البنك المركزي بموجب الأوامر التنفيذية الأميركية التي تتيح لرئيس الدولة القدرة على فرضها أو إلغائها حسبما يتراءى له.

وسبق أن قالت وزارة الخارجية دون أن تذكر أيّ تفاصيل إنها لن ترفع تلك العقوبات “غير المتوافقة” مع الاتفاق النووي إلا إذا استأنفت طهران الالتزام بالاتفاق.

وقال هنري روم المحلل المختص في الشأن الإيراني لدى مجموعة أوراسيا “الانتقادات السياسية ستكون بصراحة في غاية الشدة. فأيّ شيء له صلة بكلمة الإرهاب في هذه القضية سيكون موضوعا جاهزا للحديث فيه عند من يعارضون العودة للاتفاق النووي”.

وأضاف “التحدي السياسي هنا هو القول إن ’التصنيفات ربما تكون مشروعة لكن لدينا مصالح أخرى في السياسة الخارجية تملي مع ذلك رفعها’. وبرأيه “هذه مهمة شاقة لكنها مهمة سيتعين عليهم إنجازها”.

 

المصدر: العرب اللندنية