كُتّاب الموقع
التعاون الإماراتي الفرنسي يصل أوجه في افريقيا

موقع المحلل

الجمعة 28 أيار 2021

رغم انقضاء عقود طويلة من انعتاق الدول الأفريقية عن الاستعمار الفرنسي، فإن هذه البلدان لا تزال مكبّلة بعدد من العقود الاقتصادية التي يعود نفعها على المستعمر السابق، على حساب شعوب القارة السمراء، بحسب الخبراء. هذه العقود لا تزال قيد التنفيذ، ولم تتغير، فمستعمرات فرنسا السابقة في منطقتي وسط أفريقيا وغربها، لم تنقطع الى الآن عن إيداع 50 بالمائة من مدّخراتها النقدية إلى الخزينة الفرنسية، بحسب الخبير السنغالي “سيري سي”، المختصّ في الجغرافيا الاقتصادية، وتأكيده على أنّ هذا الالتزام يعود إلى فترة ما قبل حصول المستعمرات السابقة على استقلالها.

إن زمان الاستعمار انتهى رسميا، لكن قواه لا تزال تتحكَّم في أفريقيا من خلال الإمبراطوريات الاقتصادية والشركات الأمنية، والأنظمة الديكتاتورية التي لا تتردَّد في استدعاء القوى الأجنبية لضمان البقاء في السلطة. هي قصة قديمة إذن لكنها تتجدَّد كل يوم بصورة مختلفة، ليستمر معها الرجل الأبيض في الاستيلاء على خيرات أفريقيا، في أكبر سرقة علنية عرفها التاريخ.

بدورها، تولي دولة الامارات العربية المتحدة أهمية كبرى للقارة السمراء، حيث تسعى الدولة الخليجية إلى المشاركة في الانتفاع من الخيرات اللامحدودة لمنطقة تُعتبر واحدة من أبرز المناطق الجيوسياسية الدولية، والتي تشهد صراعاً داخلياً دائماً بين المجموعات المسلحة، وتعاني من حالة عدم الاستقرار والفوضى المثالية للتدخل والسيطرة على مواردها.
تُعد منطقة الساحل الأفريقي ذات مكانة كبيرة لدى القوى العالمية، حيث تتنافس العديد من الدول على بسط نفوذها في منطقة مهمة جغرافياً وسياسياً، بصفتها ممراً يتوسط دول جنوب الصحراء مع الشمال، وصولاً للبحر الأبيض المتوسط وأوروبا. وإنطلاقاً من هذه الأهمية، قررت سلطات أبو ظبي بتحفيز من الشيخ زايد حيازة منظومة عسكرية موجهة، تدافع عن مصالحها في هذه البقعة من العالم، فطرقت باب فرنسا.

وأصبحت العلاقات التي كانت في وقت سابق تقتصر على استيراد المحروقات والتعاون في مجال الأمن تشمل حاليًا جملة واسعة من القطاعات كالتعاون الثقافي والجامعي وتعبئة قوات فرنسية دائمة في أبوظبي وإقامة مشاريع مشتركة في مجال الطاقة المتجددة، والتعاون في مجال التكنولوجيات العسكرية الحديثة في القارة الافريقية. ويُتيح الحوار الاستراتيجي الذي استُهلّ بين البلدين في عام 2012 ضمان المتابعة العملية للمشاريع الرئيسية، حيث اعتمدت فرنسا والإمارات العربية المتحدة في 3 حزيران/يونيو 2020 خارطة طريق جديدة لشراكتهما الاستراتيجية في السنوات العشر المقبلة أي لفترة 2020-2030.

ومع انخراط فرنسا في قتال جماعات تصفها بـ”الإرهابية”، في دول افريقية عدة، أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية عن بدء تسيير رحلات دعم لوجستي لدعم جهود فرنسا في “مكافحة الإرهاب بمنطقة دول الساحل الأفريقي”. ومن هنا تتم شرعنة التدخل الإماراتي العسكري المباشر الى جانب الحليف الأوروبي العريق. ففي السياق، أشاد السفير الفرنسي لدى أبوظبي، كرافييه شانيل، بدور الإمارات في “مساهمتها في دعم جهود فرنسا بمساندة عمليات الأمن والاستقرار بمنطقة دول الساحل”.

كما بدأت الإمارات رسمياً بتقديم المساعدات المالية لدعم القوة العسكرية متعددة الجنسيات التي شكلتها فرنسا في منطقة الساحل والصحراء، منذ عام 2017، بهدف نيل مكاسب مهمة في المستقبل. وهو ما إنعكس بشكل واضح في دورها في دعم الجيش الليبي بقيادة حفتر، لوجستياً، حيث تم الكشف عنه بشكل مثير للجدل العام الماضي، بعد حادثة قصف الكلية العسكرية بطرابلس بطائرات مسيرة إماراتية، والتي راح ضحيتها العشرات من الطلاب العُزّل.

تجدر الإشارة إلى إن الإمارات العربية المتحدة تحاول تعميق حالة الصراع وإضعاف حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لتوجيه ضربة لمصالح تركيا في في البلاد، ومحاولتها السيطرة على النفط الليبي، أما فرنسا فتحاول إعادة السيطرة الكلية على مستعمراتها الأفريقية السابقة في المنطقة عن طريق إشاعة الفوضى في ليبيا. فالتعاون الإماراتي الفرنسي في إفريقيا وصل أوجه في وقتنا الراهن، وأهدافه عديدة، منها السيطرة على الموانئ البحرية والإستفادة من ثروات البلدان عن طريق إستغلال الفقر والفوضى في تلك البلدان، أو عن طريق تأجيج الصراعات وإفتعال الحروب الأهلية عبر الدعم المباشر والخفي لجميع أطراف النزاع الداخلي في البلدان التي تستهدفها مثل تشاد وليبيا.