كُتّاب الموقع
سوريا في ’أجواء حرب’ إقليمية دولية متفجرة

سركيس أبوزيد

الإثنين 19 شباط 2018

تتسابق القوى الإقليمية والدولية المتشابكة في الأزمة السورية، خصوصا أميركا وروسيا، لحجز مكان لھا على الأرض السورية، وھي ترتبط مباشرة بمصالح حيوية فائقة الأھمية لھا. ھذه القوى تحاول خلط أوراق اللاعبين الآخرين، ما يعني أن الأمور على أبواب مرحلة غاية في التعقيد والخطورة على سوريا.

فالمنطقة في "أجواء حرب"، والتطورات متسارعة وعلى كل الجبھات: الحرب الداخلية بين "نظام ومعارضة" انكفأت، الحرب الإقليمية تتقدم وتحتدم بين ثلاثة لاعبين: تركيا و"إسرائيل" وإيران. التفاھمات الأميركية - الروسية حول سوريا تتآكل والحرب الباردة تلمع مجددا.

في وقت كانت تركيا تتوغل في العمق البري السوري وتغرق في عملية واسعة ضد الكرد، كانت "إسرائيل" تتوغل جوا في العمق الجوي السوري وتضرب أھدافا سورية وحليفة وتُصدم بسقوط طائرة "أف-16" بعدما فوجئت روسيا قبل أيام بسقوط طائرة "سوخوي"، وفوجئت أيضا بالضربة الأميركية القاسية في دير الزور ضد أھداف حليفة.. إنھا مرحلة الرسائل العسكرية الساخنة في موازاة العملية السياسية المتعثرة.. إنھا الغيوم التي تتجمع في سماء سوريا والمنطقة منذرة بربيع عاصف.

 

ولأن سوريا تتميّز بموقعھا الاستراتيجي، تتنافس الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في تقاسم النفوذ، في إطار إنشاء قواعد عسكرية على الأراضي السورية.

* الولايات المتحدة متمسكة بلعب دور متقدم في الصراع على سوريا، وعلى ھذا الأساس حددت خطتھا وأھدافھا كما يلي:

- ھزيمة "داعش" و"القاعدة" في سوريا مع تجاهل بؤر نائمة.

- تحريك عملية سياسية تقودھا الأمم المتحدة.

- تقليص نفوذ إيران وإعاقة إنشائھا قوسًا شماليًا يمتد من إيران إلى لبنان.

- نشوء ظروف تمكّن النازحين من العودة إلى سوريا بشكل آمن.

- خلو سوريا من أسلحة الدمار الشامل.

لكن، في سوريا، يجد الأميركيون أنفسھم في وضع صعب بين تنفيذ خطوة تشكيل القوة الحدودية الجديدة عبر مساعدة الكرد، وبين خسارة حليفھم الاستراتيجي التركي، وبين - وھذا ھو الأھم - الوقوف على الحياد وخسارة حضورھم شرق الفرات الذي يؤمن لھم دورا رئيسا للحفاظ على مصالحھم في سوريا.

في الواقع، الولايات المتحدة تعرف أن مسار الحل يمرّ عبر الشراكة بينھا وبين روسيا وأوروبا، لكنھا في الوقت نفسه، لا يمكن أن تتنازل إلى درجة تسمح للكرملين باكتساب شرعية دولية  في توزيع الحصص في المنطقة.

 

* أما روسيا، تسعى من أجل تحقيق عدة أھداف:

- حماية مصالحھا بالوصول إلى المياه الدافئة.

-  حماية مصالحھا الاقتصادية والعسكرية الكبيرة في سوريا، وخصوصا القاعدة العسكرية في طرطوس.

- الحفاظ على المصالح الاستراتيجية عبر تأكيد موسكو أنها لا تزال قوة يعتد بھا على الساحة الدولية.

- قتال الجماعات المتطرفة.

- عمليات استعراض الأسلحة في سوريا يعتبر دعاية للتصنيع العسكري الروسي.

- تحقيق حلمھا التاريخي بوجودھا كقوة أرثوذكسية في المنطقة منذ الإمبراطورية العثمانية.

إن الدور العسكري الروسي في سوريا تحوّل من مجرد دور حصري محدود في المكان لإنقاذ آخر ما  تبقى من نفوذ روسيا خارج حدودھا، إلى نظام مرجعي على مستوى الشرق الأوسط يوازن بين دول المنطقة.

لكن روسيا وحدھا لا تستطيع فرض حل، كما أنه ليس ھناك حل دبلوماسي في الأفق. والواقع أن مصالح الدول الفاعلة في سوريا متضاربة إلى حد كبير. فبعدما كانت الأنظار متجھة الى العمليات التركية العسكرية على الحدود مع سوريا، حدث تحول في المشھد والأولويات واتجهت الأنظار الى حدود فلسطين المحتلة مع سوريا، ونشأ وضع متفجر يمكن أن يتدحرج الى الحرب إذا لم توضع له ضوابط أميركية - روسية.

 

في الوقائع أولا: جاءت التطورات متسارعة بعد الغارة الإسرائيلية التي استھدفت مركزا للبحوث العلمية في ريف دمشق، لكن الدفاعات الجوية السورية تمكنت من إسقاط طائرة إسرائيلية متطورة من طراز "أف-16"، وھذا يحصل للمرة الأولى منذ نحو أربعين عاما.

ثانيا: في الخلفيات والظروف المحيطة، فإن الاشتباك الجوي يعكس وضعا شديد التعقيد ومتداخلًا في خيوطه الدولية والإقليمية على أرض سوريا وفي أجوائھا، فثمة صلة غير مباشرة بين سقوط طائرة "سوخوي" الروسية وسقوط طائرة "أف16" الإسرائيلية.

في الحقيقة ثمة وضع جديد نشأ: سوريا وحلفاؤھا أعلنوا أن القرار اتخذ بالمواجھة والتصدي لأي ھجمات واعتداءات إسرائيلية، وأن الوضع تغيّر من الآن فصاعدا، و"إسرائيل" التي وصلتھا الرسالة، باتت الكرة في ملعبھا وعليھا أن تقرر بين وقف الغارات مع ما يعنيه ذلك من اعتراف بقواعد جديدة تحد من نفوذھا، أو مواصلة الغارات مع ما يعنيه ذلك من خطر نشوب حرب أو مواجھة يصعب التحكم بمجرياتھا ومسرحھا.. مواجھة يعرف الجميع كيف تبدأ ولكن أحدا لا يعرف كيف تنتھي.. فهل ستشھد المنطقة إعادة تنشيط الصراعات القديمة، وإعادة تحديد التحالفات؟ مما يفتح الباب أمام صراعات جديدة، إنھا مقدمات حرب إقليمية دولية عناصرھا متوافرة ولكن وقوعھا محظور وربما مستبعد.