كُتّاب الموقع
هل تعيد «حرب غزة» أميركا إلى الشرق الأوسط؟

إبراهيم حميدي

الإثنين 24 أيار 2021

«حماس» عززت وضعها السياسي في الساحة الفلسطينية، لكن ليس إلى حد قبولها «محاوراً» من المجتمع الدولي، إذ لا تزال السلطة الفلسطينية «الشريك»، كما أن الرئيس محمود عباس سجل نقاطاً عندما تجنب فتح «جبهة جديدة» وتوسيعها في الضفة الغربية، إلى جانب «جبهتي» غزة وأراضي الـ48.

في سياق هذه المعادلة، فإن أحد الأمور التي يجري بحثها وراء الكواليس، مع إزالة الدمار من غزة تحت خيمة الهدوء الحذر، هو تشكيل «حكومة وحدة» وتعميق تجربة «حكومة الوفاق الوطني» المشكلة في يونيو (حزيران) 2014. وتكييفها مع الخريطة المحلية والإقليمية والدولية الراهنة، ذلك أن المعلومات الواصلة إلى الجهات الدولية، تفيد بأن «حماس وفتح جاهزتان لهذا الخيار. كما أن الاتحاد الأوروبي وأميركا والأمم المتحدة وإسرائيل مستعدون للتعامل مع حكومة كهذه. حماس تريد الحكومة ترجمة سياسة لانتصارها بعد الدمار الكبير. فتح تريدها تعبيرا واقعياً لوقف التراجع».

صحيح أن فرنسا وألمانيا تدرسان جدياً اقتراحات بالموافقة على «فتح خطوط» مع «حماس» انطلاقاً من «التعاطي مع الواقع»، غير أن القرار الجماعي لا يزال بعيداً. وعليه، فلن تكون «حماس» حاضرة بشكل مباشر في الحكومة حسب الترجيحات، بل ستكون «قادرة على لعب دور أكبر في اختيار كل وزير وشخصية فيها». وإذ يريد محمد أشتية البقاء في منصبه رئيساً لهذه الحكومة، فإن المداولات تدور حول تكليف بديل له يعكس الواقع السياسي وأولويات الإعمار، قد يكون رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار محمد مصطفى، أبرز المرشحين لذلك.

في موازاة ذلك، يجري الحديث عن إعمار غزة، حيث تلعب مصر دوراً قيادياً تحت مظلة أممية في عقد المؤتمر وتوفير نصف مليار دولار أميركي، مع جهد لإقناع جميع الأطراف لتقديم الدعم عبر هذه المنصة. وكان لافتاً، أن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن أن الولايات المتحدة «ملتزمة بالعمل مع الأمم المتحدة، وسنظلّ ملتزمين بالعمل معها ومع الأطراف المعنية الدولية الأخرى لتقديم المساعدة الإنسانية السريعة وحشد الدعم الدولي لسكان غزة وجهود إعادة إعمارها».

إذن، إعمار غزة أولوية، لكنه مرتبط أيضاً بوقف النار. هنا، يجري تداول أفكار دولية لوضع آلية للرقابة لتنفيذ «هدنة طويلة لسنوات»، مع احتمال «الإفادة من تجربة تفاهم أبريل (نيسان) في جنوب لبنان»، الذي أنجز برعاية أميركية – فرنسية لضبط التوتر بين «حزب الله» وإسرائيل بعد حرب «عناقيد الغضب» في 1996، أي، شرعية سياسية لـ«المقاومة»، مقابل واقعية منها وحلفائها. هناك من يريد، أن يكون موضوع الإعمار المدعوم بفتح المعابر، مدخلاً لـ«مراقبة المواد التي تدخل إلى غزة كي لا يتم استعمالها في إعادة صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة والمواد العسكرية». على الأقل، هذا هو مطلب إسرائيلي، «كي لا تتكرر جولة الحرب كل بضع سنوات».

هذه الأولويات تخص المدى المنظور. أما في المدى الأبعد، فإن موضوع «إصلاح النظام السياسي الفلسطيني سيكون أمراً لا مفر منه»، بما يشمل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث يجري تكثيف الجهود لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أجراها الرئيس عباس بعد رفض إسرائيل التصويت في القدس الشرقية.

وفي موازاة ذلك، هناك «نصائح» إلى إسرائيل بعدم فتح ملف القدس وحي الشيخ جراح حالياً، باعتباره أحد البنود المتفاهم عليها في إطار التصعيد، التي بنى كل من «حماس» وبنيامين نتنياهو عليه كي يصعد لتسجيل نقاط داخلية في وضعه الداخلي. هنا، فتحت الحرب الأخيرة، الأمور في إسرائيل باتجاه تشكيل حكومة يمينية برئاسة بنيامين نتنياهو بأغلبية بسيطة بعد أن نجح بإغلاق الخيارات أمام منافسيه، أو حكومة وحدة واسعة التمثيل، أو إجراء انتخابات جديدة.

تعدد الملفات بعد حرب الأيام الـ11، طرح ضرورة عودة الدور القيادي لأميركا في هذا الملف وعودة الشرق الأوسط إلى واشنطن. بالفعل، الحرب أعادت الشرق الأوسط إلى طاولة الرئيس جو بايدن وسط تغيير في مزاج الأميركيين والكونغرس و«الحزب الديمقراطي» لصالح الفلسطينيين، وأبرز تعبير عن ذلك، كان حصول 80 اتصالاً بين مسؤولين أميركيين ومسؤولين في الشرق الأوسط، بينها 6 اتصالات هاتفية بين بايدن ونتنياهو. بالفعل، أدركت إدارة بايدن أهمية هذا الملف الذي أرادت نسيانه. واستدركت وعادت إلى استعجال توظيف فريق كبير للشرق الأوسط وسط اتجاه لتعيين نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية هادي عمرو مبعوثاً أميركياً خاصاً للشرق الأوسط – بخصوص عملية السلام، إضافة إلى وصول القنصل السابق في القدس والمسؤول السابق عن سوريا مايكل راتني إلى الأرضي لتغطية فراغ عدم وجود سفير أميركي.

صحيح أن بايدين متمسك بـ«حل الدولتين»، لكن المؤشرات لا تدل على أنه سيقفز حالياً للاستثمار في استئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ستكون زيارة أنتوني بلينكن إلى رام الله وتل أبيب للقاء نتنياهو وعباس نهاية الأسبوع المقبل، مناسبة لاختبار المزاج وتحديد اتجاهات وأولويات السياسة بعد حرب غزة والتأثير في الآثار التي تركتها في الساحة الفلسطينية والشرق الأوسط، وسط مطالب بعودة الدور القيادي الأميركي… ومخاوف من هذه العودة.

 

 

المصدر: الشرق الأوسط