كُتّاب الموقع
انتخابات الرئاسة السورية.. استحقاقات وطن ومتطلبات مرحلة..

نعمه العبادي

السبت 22 أيار 2021

في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وسياسية معقدة، وأمنية غير مستقرة، يتوجه معظم السوريين لممارسة حقهم الدستوري في الانتخاب يوم السادس والعشرين من الشهر الجاري لإختيار رئيس السنوات السبعة المقبلة في انتخابات ينقسم حولها الداخل والخارج بشكل حاد لأسباب طويلة الذيل، يتنافس فيها ثلاثة مرشحين هم (بشار الأسد، عبدالله سلوم عبدالله، محمود مرعي).
 
 
تعاني سورية منذ عقد من أحداث داخلية بدأت على أنها نحو من المعارضة السياسية ورغبة في تغيير النظام على نسق ما سمي بالربيع العربي، ثم تحولت إلى نزاع أهلي، وحرب تصفية حسابات في ظل موجة أرهاب استقطبت شذاذ الارض، وتحالفت مع اطياف ودول بمنطلقات ودواعي مختلفة، ودخل العامل الدولي في صراع مباشر  على الارض بقوات مسلحة، أنقسم إنحيازه بين أطراف الصراع، وقد نزح وشرد وقتل وجرح الملايين من العسكريين والمدنيين في حرب استنزاف قذرة، ولا يزال الموقف الدولي  والوضع الداخلي يعيش تداعيات وتعقيدات ملتبسة حول حاضر ومستقبل البلاد، الأمر الذي أضر كثيراً بسورية الوطن والشعب والحياة والمكانة.
 
 
يرى حملة السلاح والمتحالفون معهم وداعميهم من الدول وبعض الطيف الشعبي المنزعج بأن الانتخابات المرتقبة لا تتعدى كونها ممارسة شكلية محسومة النتائج لصالح الرئيس بشار الاسد، كما أنهم لا يعترفون بشرعيتها، ولا يثقون بنزاهتها، بل بعدم جدواها في ظل الظروف والأوضاع الحالية، فيما يراها الطيف المؤمن والموالي للحكم والنظام نحو من تجديد العهد وإثبات ولاء، وممارسة تحدي (ناعمة) لكل الاطراف والجهات التي راهنت على زوال النظام، ويراها طيف آخر من ذوي البصيرة بأنها وإن كانت ناقصة من حيث الشكل والمحتوى إلا أنها ممارسة ضرورية، تشكل مرحلة مراجعة جديدة، ونقطة انطلاق للنظر في الكثير من الاوضاع والامور الداخلية والخارجية، وفرصة مناسبة لإجراء إصلاحات جدية في إطار الدولة ومؤسساتها دون الدخول في نفق إسقاط السقف.
 
 
 
لا جدال في ان وضع السلطة والحكم في البلاد يشوبه الكثير من النواقص والإشكالات والإعتراضات، وإن مستوى المشاركة الحقيقية في القرار وإدارة شؤون البلاد لا تزال في مستوى بعيد عن الطموح، كما ان هناك فساداً واستغلالاً للسلطة والموقع يضرب في كل المؤسسات، وان هناك تفاوتاً معيشياً كبيراً، وان الأيدلوجية تفرض سطوتها بقوة على مناحي الحياة، وان هناك الكثير مما ينبغي عمله وانجازه، إلا أنه من المنصف القول، ان سورية بمواردها المحدودة وتحدياتها الكبيرة عاشت لسنين طويلة في واحة من الفرح، والحياة السهلة رخيصة الكلفة، وطورت الكثير من صناعاتها إلى درجة التنافس مع دول صناعية كبرى، والأهم من ذلك انها احتفظت بموقع الممانعة والصمود على الرغم من كل التحديات التي مرت بها، وهي مكاسب لم تحققها دول لها موارد تفوق عشرة اضعاف موارد سورية.
 
 
قد يكون بشار الاسد الرئيس غير النموذجي في اذهان الكثير، وقد تكون الطموحات في الحصول على فرصة عيش في ظل نظام جديد مشروعة بدرجة ما، وقد تكون الانتخابات المرتقبة غير مؤهلة لإنجاز ما ينبغي فعله لوطن مجروح وشعب موجوع، إلا ان سورية التي خرجت من تحدي إزالة وجودها بالكاد في ظل صمود ووعي إستثنائي، وبقاء الارهاب وماكنته وداعميه متمترسون في الوطن وخارجه لتحقيق مشروعهم المتمثل بتخريب سورية وإخراجها النهائي من دائرة التأثير والممانعة، والاوضاع الحالية التي لا تتحمل هزات عنيفة كما يجري في اليمن وليبيا، لا تسمح بمغامرات ومقامرات طائشة مرتكزة على وعود هذا الطرف الخارجي أو ذاك، وان بشار المحب لوطنه، المخلص في رغبته بسورية جميلة، والبعيد عن التآمر مع هذا الطرف أو ذاك، والمؤمن بمكانة البلد وتأريخه، والاكثر إنفتاحاً من كل المؤدلجين، هو الفرصة الأكثر واقعية لمرحلة أكثر صعوبة مما مضى على ان يتعهد بتحقيق إصلاحات عميقة وحقيقية، وفي مقدمتها ثورة شجاعة ضد الفساد وإستغلال السلطة، والمضي إلى الامام في توسيع دائرة المشاركة في الحكم والسلطة، والإنتقال بالمؤسسات من مؤسسات نظام إلى مؤسسات دولة، وهي استحقاقات تمثل الضمانة الوحيدة لخروج آمن لسورية من عنق الزجاجة.