كُتّاب الموقع
جمهورية سورية أم جمهورية عربية سورية؟

د. ساسين عساف

السبت 3 شباط 2018

في الوقت الذي أعدت روسيا مشروع دستور لسوريا ينزع عنها هويتها العربية بخلفية اعتبار المجتمع السوري مجتمعاً مركّباً من تعدد مكوّنات أبرزها المكوّن الكردي، طالعتنا بعض الكتابات التي تصبّ في اِلمجِرى نفسه ولكن بخلفية أخرى مثالها مقال بعنوان جمهورية سورية أم جمهورية عربية سورية؟ لصاحبه حازم نهار.

ينطوي المقال على مقدمات مفهومية منها ما هو متّصل بفكرة القومية العربية، بالهوية العربية وبالعروبة وبالانتماء إلى الوطن العربي:

- فكرة القومية العربية مبدأ مؤسس للدولة في سوريا منذ تسلّم حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة في العام 1963.

- عبّرت هذه الفكرة عن نفسها ﺑ"الجمهورية العربية السورية" وبانتماء القطر السوري إلى الوطن العربي وبانتماء الفرد فالسوري عربي بالضرورة وبانتماء الجماعة فكل السوريين عرب بالضرورة.

- الوحدة في الهوية تمحو الانتماء العرقي أو الإتني بهدف الاندماج القسري.

هذه المقدمات قادته إلى خلاصات منها:

- ضرورة الانتقال في سورية من أفكار "القومية العربية" المتخيلة إلى الوطنية السورية الممكنة.

- جعل الدولة السورية، الشعب السوري، المواطن السوري، كأساس ومرتكز ومنطلق للتعاطي مع أي قضايا أو إشكالات مطروحة على السوريين.

- لا ينبغي للدستور السوري الجديد أو العقد الاجتماعي الجديد أن يتحدث إلا عن الدولة السورية والشعب السوري والمواطن السوري.

- لم يفهم الفكر القومي التقليدي "القومية العربية" إلا على أساس إثني عرقي يتمظهر في اللغة والتاريخ، وغيرهما مما يسمى "مقومات القومية العربية".

- هل يمكن أن تستمر "القومية العربية" الرابط الموحد لثلاثة وعشرين مليوناً من سكان هذه الدولة؟

- تجاهل الهويات المحلية يمنع بالضرورة انبثاق هوية سورية قادرة على إعطاء معنى حقيقي لكلام المرء عن نفسه عندما يقول "أنا سوري".

من تلك المقدّمات وهذه الخلاصات نفهم الدعوة إلى الأخذ بمقولة "سوريا أوّلاً وثانياً.. وأخيراً".

وهي مقولة شبيهة بمقولة "لبنان أوّلاً" التي راجت على ألسنة قوى الرابع عشر من آذار بعد اغتيال الرئيس الحريري وانسحاب الجيش العربي السوري من لبنان. وها هي المقولة نفسها بالأبعاد الجيو- سياسية نفسها نسمعها اليوم من الرئيس الأميركي ترامب "أميركا أوّلاً" ومن مرشحة اليمين المتطرّف إلى الرئاسة الفرنسية مارين لوبن "فرنسا أوّلاً".

هذا في جانب أمّا في جانب أخر فصاحب المقال يريد سوريا في ذاتها من دون أيّ توصيف آخر وهو يذكّرنا بكتاب المفكّر اللبناني شارل مالك وعنوانه: لبنان في ذاته الذي اتّخذه اليمين اللبناني الانعزالي الرافض للبنان العربي فلسفة وجود مكتفياً بمقولة لبنان اللبناني الذي لا يتّصف إلاّ بذاته رفضاً لأيّ منحى أو اتّجاه عروبي وحدوي وتسويغاً للكيانية اللبنانية القائمة في ذاتها والمكتملة في ذاتها باعتبارها كلاًّ في ذاته لا جزءاً من كلّ.

هذه النزعات اللبنانية/ الفينيقية والمصرية/ الفرعونية والشام/ السورية قامت واشتدّت في إثر انهيار السلطنة العثمانية قابلتها الدعوات إلى الدولة العربية الواحدة والأمّة العربية الواحدة والشعب العربي الواحد على ألسنة وأقلام معظم المفكّرين والكتاب والأدباء والمناضلين السياسيين العرب في المشرق كما في المغرب سرعان ما تبلورت أفكارهم ورؤاهم الوحدوية في الحركات والتنظيمات والتيارات والأحزاب التي قامت في النصف الأول من القرن الماضي إلى أن تجسّدت حركة قومية وحدوية انتشرت في مساحة الوطن العربي منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى اليوم.

بالعودة إلى المقدمات المفهومية نسجّل الآتي:

- الجمهورية العربية السورية اتخذت هذه التسمية منذ العام 1961 بعد انقلاب عبد الكريم النحلاوي على دولة الوحدة في 28 أيلول يوم أعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية وليس كما جاء في المقال في العام 1963 يوم تسلّم حزب البعث العربي الاشتراكي الحكم في سوريا.

- الرئيس شكري القوتلي هو الذي وقّع مع الرئيس عبد الناصر على الدستور المؤقت للوحدة في مادته الأولى حيث ورد "وشعبها جزء من الأمّة العربية" ما يعني خلاف ما يدّعي صاحب المقال أن لا وجود لهذه الأمّة وتالياً الشعب السوري ليس جزءاً منها مع الإشارة إلى أنّ القول بالأمة العربية وبأنّ الشعب السوري جزء منها سابق على تسلّم حزب البعث السلطة فضلاً عن أنّ الأحزاب السورية ومن بينها حزب البعث وافقت على قرار حلّها لمصلحة قيام دولة الوحدة فهل جميع تلك الأحزاب والشخصيات الوطنية كانت تنتمي إلى القومية العربية لكي يحمّل هذه القومية كلّ "المصائب" التي حلّت بسوريا؟!

- سوريا صاحبة جذور عميقة لفكرة العروبة. هويتها الحضارية الآرامية استعربت وحملت سمات ثقافية متعدّدة لشعب متنوّع عرقياً ولغوياً ودينياً فالشعب السوري مؤلّف من العرق العربي ومن أعراق أخرى. هذه المجموعات اتّخذت من الثقافة العربية روافد لهويّتها من دون التخلّي عن منابعها الأصلية واتّخذت من الدولة السورية بعد إعلان كيانها ودستورها هويّتها الوطنية فنحن إذاً في صدد الكلام على هويتين: هوية ثقافية قديمة في الزمن وهوية دولاتية أو ما يعرف بالجنسية السورية حديثة عمرها من عمر الدولة السورية التي وفق دستورها هي الجمهورية العربية السورية.. صفة العربية هنا هي هوية انتماء بمعنى الانتماء إلى دولة ما يولد فيها الإنسان يتحدّث لغتها يمارس فيها واجباته وينال منها حقوقه خصوصاً الحقّ في التعريف عن نفسه إزاء الآخرين المنتمين إلى دول أو جنسيات أخرى ببطاقة الهوية أو جواز السفر.

هنا نشير إلى أنّ صاحب المقال لا يميّز بين الهوية والجنسية. فالهويّة تعبير عن الخصوصية عن الذاتية المتمايزة (هنا يصحّ القول أنا تركماني، كردي، أشوري، سرياني، قبطي، أمازيغي...) والانتماء أو الجنسية تعبير عن العمومية عن الذات الجمعية (هنا يصحّ القول عربي، فرنسي، أميركي، إيراني، إسباني...)

الهوية تعبير عن الصفات الجوهرية الثابتة والمميزة فعندما تقول أنا سوري فأنت تعبّر عن حقيقتك كفرد. الانتماء تعبير عن خصائص ومميزات اجتماعية وثقافية وتاريخية متماثلة فعندما تقول نحن سوريون فأنت تعبّر عن حقيقتك كفرد في جماعة بينك وبينها تماثل اجتماعي وثقافي.

وعليه، تسمية "الجمهورية العربية السورية" هي تعبير عن حقيقة سوريا كدولة بين دول عربية الجامع بينها تماثل في الاجتماع وفي الثقافة وليس في هذه التسمية أي مدلول عرقي أو قومي عنصري شوفيني يسطو على مكوّنات الشعب السوري ويحذفها.

لذلك يصحّ القول أنا كردي وسوري وعربي في آن. هنا الهويات تتكامل فالكردية هوية سلالية والسورية هوية دولاتية حقوقية والعربية هوية انتماء ثقافي/ حضاري.

- في مسألة تصويب المفاهيم نجد خلطاً عند صاحب المقال بين العربية والعروبة والقومية العربية. وهي مصطلحات ثلاثة بمضامين سياسية وإيديولوجية متباينة.

العربي ليس عروبياً أو قومياً عربياً بالضرورة، والعروبي ليس عربياً أو قومياً عربياً بالضرورة، والقومي العربي عربي وعروبي. كيف ذلك؟

فالعربي من كان لسانه عربياً فاللغة مكوّن اساسي من مكوّنات الهوية العربية. العربي من شارك في تكوين ذاكرة تاريخية في حيّز جغرافي مشترك وفي منظومة قيم دينية وأخلاقية مشتركة وتراث ثقافي شعبي مشترك وأنماط سلوك وعادات وتقاليد وطقوس وعبادات مشتركة. لذلك كل من كانت له إسهامات في تكوين هذه الذاكرة فهو عربي بالمعنى الثقافي بمعنى الانتماء إلى منظومة إنتاج تاريخي/ حضاري مشترك حتى ولو لم يكن عربيّ القوم والسلالة.

العروبي من التزم قضايا العرب وأخلص لها وناضل في سبيلها فهويته عروبية بالمعنى السياسي، حتى ولو لم يكن عربيّ القوم أو السلالة.

القومي العربي من التزم الفكرة العربية وسعى إلى تجسيد هذه الفكرة بقيام الدولة القومية الواحدة فهويته القومية العربية بالمعنى الإيديولوجي، جسّدتها تاريخياً الحركة القومية العربية، التيار الناصري، حزب العث العربي الاشتراكي.

من تصويب المفاهيم نخلص إلى أنّ الفرد السوري يمكن أن يكون كردي السلالة وعربيّ الثقافة وعروبيّ السياسة وقومي الإيديولوجيا. وهكذا يمكن أن يتعايش في سوريا ثلاثة وعشرون مليون سوري في كنف جمهورية عربية سورية.

من كلّ ذلك نفهم أنّ سوريا هي كيان سياسي (دولة) وكيان اجتماعي/ ثقافي (حضارة) عاشت فيه وتعيش جماعات متشابهة ومتفاعلة إلى حدود تكوّن مجتمع عضوي متلاحم.. وإذا كان بعض مثقّفي سوريا يتطلّعون إلى سوريا جديدة بنظام سياسي آخر فهذا من أبسط حقوق أيّ مواطن سوري. أمّا محاولة إخراج سوريا من هوّيتها العربية بادّعاء أنّ إيديولوجيا النظام (القومية العربية) سحقت الأقليات القومية فاعتداء على سوريا وتاريخها ومستقبلها ودورها في إقليمها الجغرافي. إنّ أخطاء وخطايا نظام سياسي محدّد لا تسوّغ مثل هذا الإنكار لحقائق التاريخ والجغرافيا والثقافة.


المصدر:: التجديد العربي