كُتّاب الموقع
ماذا وراء عودة رغد صدام حسين للأضواء بعد غياب 15 عامًا؟

عماد عنان

السبت 20 شباط 2021

متشحة برداء رسمي أسود، مرتدية الكمامة، واضعة علم بلادها على طرف الجزء العلوي من ملابسها، وأسفل منه شعار الجمهورية العراقية الشهير “النسر”، هكذا ظهرت رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الراحل، في لقاء خاص على شاشة قناة “العربية” السعودية، لتثير ضجة إعلامية وسياسية سحبت البساط من تحت أقدام معظم الأحداث الراهنة.

عودة رغد بعد 15 عامًا من الغياب الإعلامي وعلى شاشة العربية تحديدًا، في هذا التوقيت، كانت مثار جدل كبير لدى الكثير من المراقبين، وأثارت العديد من التساؤلات عن دوافع هذا الظهور وما يحمله من دلالات، سواء للداخل العراقي أم خارجه، لا سيما الجارة إيران.

لم تكن ابنة الرئيس العراقي الأسبق شخصية سياسية في المقام الأول، لكنها ومع كل مرة تطل فيها على منصات الإعلام المختلفة – رغم ندرتها – تحدث جدلًا سياسيًا كبيرًا، لا لشيء إلا لكونها ابنة صدام حسين وخزانة أسراره، فضلًا عما تتمتع به من شعبية لدى أنصار الرئيس الراحل.

وتتناول رغد من خلال سلسلة حلقات خاصة على الشاشة السعودية الحديث عن ذكرياتها مع والدها وطفولتها، مرورًا بزواجها من حسين كامل وملابسات مقتله، هذا بجانب استدعاء ذكريات غزو العراق للكويت ومحاكمة والدها، وصولًا إلى رأيها في المشهد العراقي اليوم والدور الإيراني في إشعال فتيل التوتر بداخله.

استدعاء الذكريات

تضمن اللقاء الذي أداره الإعلامي الجزائري صهيب شراير، استدعاء ذكريات ابنة الرئيس العراقي خلال فترة حكم والدها وما بعدها حتى إعدامه، لافتة إلى أن عائلتها واجهت محطات صعبة بعد سقوط بغداد، متنقلة بين سوريا والأردن وما تخللها من ضغوط وتحديات عدة.

البداية كانت بسؤال هدف المذيع من خلاله إلى استقراء الفارق بين عراق صدام الأمس وعراق إيران اليوم، وكيف كان البلد العربي وما وصل إليه الآن، غير أنها بذكاء معهود أشارت إلى أن شهادتها مجروحة كونها ابنة الرئيس في تلك الفترة، لكنها أكدت أنها سمعت من الكثير بأن “وقتنا” أفضل، “كان وقت عز، والناس تعيش بعز وتقدير عالٍ، ولا أحد يستطيع الإساءة لهم”.

رغد شددت في لقائها كذلك على أن العراق كان بلدًا ثريًا مستقرًا، وخيراته تعم الجميع، “الناس كانت عايشة، ومأمّنة على أولادها، حياتها، رزقها، بالقدر المُمكن”، لكنها قوبلت بمقاطعة المذيع لها قائلًا: “وفق قول قائل كان العراقيون يعيشون حياة أفضل، لكن لم يكونوا يتمتّعوا بالحرية في زمن صدام حسين”، لترد عليه: “ماذا تعني الحرية، إذا كانت الحرية ما جلبها الاحتلال، بشعار قضينا على الديكتاتورية وجلبنا الديمقراطيّة، فالعراقي بحسبها سيُجيب قبلها، بأنه لا يُريد هذه الحرية”.

كما تحدثت عن عدم وجود دور سياسي لها وشقيقاتها، لا من قريب أو من بعيد، منوهة أن والدها لم يمنع ذلك، لكن الأمر لم يكن مهمًا لهن، فهي ترفض السياسة شكلًا ومضمونًا، وكانت تتمنى أن ترتبط بشخص خارج دائرة الحكم حتى لا تجد نفسها مجبرة على الانخراط في أتون السياسة.

“إلا أن ما حدث من الغزو الأمريكي لبلادها والقبض على والدها، كان دافعًا لأن تتخلى عن موقفها السابق بشأن رفض العمل السياسي، لتجد نفسها في قلب السياسة من خلال الدفاع عن والدها وتصحيح الصورة المغلوطة التي تم الترويج لها شعبيًا”، هكذا أضافت.

وعن الواقع اليوم، عبرت ابنة صدام حسين عن قلقها من تقسيم البلاد، معتبرة أن ذلك هو التحدي الأكبر الآن، الحيلولة دون تقسيم العراق، محملة إيران مسؤولية ما وصل إليه وطنها اليوم “الإيرانيون استباحوا العراق بعد غياب السلطة الشرعية الحقيقية، وبات البلد محطة سهلة، ولا يوجد ردع حقيقي، والتدخل الإيراني بات سافرًا” بحسبها.

من الشيطنة إلى تجميل الصورة

السؤال الأول الذي يفرض نفسه: لماذا غيرت قناة العربية السعودية سياستها التحريرية تجاه الرئيس العراقي الراحل؟ فمعروف أن القناة صاحبة مواقف عدائي ضد صدام حسين ونظام حكمه السابق، حتى إن مفتي السعودية الراحل عبد العزيز بن باز كان قد أفتى بجواز الجهاد ضده بصفته “ملحدًا” وفق تصريحاته لصحيفة عكاظ السعودية في أثناء الغزو العراقي للكويت.

اليوم تبنت القناة خطابًا مغايرًا تمامًا عما كانت عليه، وحرصت رغد خلال المقابلة على تصحيح الصورة المشوهة عن والدها، الذي كان الإعلام سببها الرئيسي في المقام الأول، وأبرزها اتهامه بالقسوة والغلظة في التعامل مع الآخرين، فقد حرصت ابنته على إظهار أنه كان لطيفًا خلال طُفولتها، ويذهبون معه إلى الصيد والسباحة وركوب الخيل، وكان حين يدخل على عائلته يُقبل أولاده ويحتضنهم، هذا بخلاف محاولتها تبرئة ساحته من قتل زوجها، وأنه قُتل بفعل عشائري قبلي لا أكثر.

القناة بثت كذلك خلال المقابلة، تصريح قديم لصدام وهو يتحدث عن دخول الإيرانيين لأراضي العراق خمسة كيلومترات، وأطماع الدولة الإسلامية في ثروات بلاده، تأكيدًا على أن حربه ضد طهران كانت بسبب الاعتداءات الإيرانية على الأراضي العراقية، على عكس ما تم الترويج له سابقًا، وما لذلك من إسقاطات على الواقع اليوم.

الهدف الأول

البراغماتية هي الإستراتيجية التي لجأت إليها القناة السعودية في التعامل مع ملف “عراق صدام حسين”، فاختيار شخصية كـ”رغد” (الذي لا يمكن أن يتم دون إذن من القيادة السياسية العليا) شبيهة أبيها كما يسمونها، لم يكن اختيارًا عشوائيًا، فالسيدة العراقية معروف مواقفها المتشددة تجاه إيران ورفضها القاطع للتدخلات الملالية في المشهد العراقي.

تركيز الصحفي الجزائري خلال المقابلة على استطلاع رأي ابنة الرئيس العراقي بشأن حال بلادها اليوم وما وصل إليه من تشتت وتقسيم بسبب الطائفية التي غذتها طهران وميليشياتها على مدار سنوات طويلة، يعكس الهدف الأول من خلال هذا اللقاء الذي كان من المتوقع أن يُحدث تلك الضجة.

توحيد كل الجبهات ضد النفوذ الإيراني، بات الهدف الأول الأن أمام الرياض، بعدما تصاعدت التحديات والتهديدات الملالية في المنطقة، التي وصلت إلى استهداف قلب المملكة، الأمر الذي جعلها تعيد النظر في العديد من المواقف السابقة التي وسعت رقعة الخلاف مع بعض الدول المجاورة والحليفة.

دور سياسي محتمل

بابتسامة مرسومة على وجهها: “كل شي وارد ومطروح على الساحة، كل الخيارات، وكل الاحتمالات”.. هكذا ردت رغد صدام على سؤال عما كانت تنتوي لعب دور سياسي في المستقبل، فيما علقت على استفسارات رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشأن محاولتها تقديم نفسها لمنصب ما في العراق عبر تلك المقابلة، قائلة: “أنا عراقية، والعراق بلدي، وليس من الخطأ تقديم نفسي بتلك الطريقة”.

الحديث عن دور قادم لابنة الرئيس الأسبق خلال المرحلة المقبلة بات المادة الخصبة الأكثر حضورًا على موائد النقاش الخاص بالشأن العراقي، في الداخل والخارج، حديث يعيد الأذهان إلى عراق صدام، الذي كان رغم ما عليه من علامات استفهام أفضل حالًا مما هو عليه اليوم.

ترث رغد رصيدًا شعبيًا كبيرًا من والدها الذي كان – ولا يزال – يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة، ورغم تآكل بعضها، فإنها تمثل رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية، لا سيما في ظل حالة الشتات التي يعاني منها المشهد الآن، الأمر الذي قد يجعل من التفكير في الدفع بها خطوة متوقعة رغم ما تحمله من مغامرة.

العديد من العقبات ربما تواجه رغد حال عزمها الدخول لمعترك السياسة خلال المرحلة المقبلة، أبرزها بعدها الطويل عن المشهد، قرابة 17 عامًا، هذا في الوقت الذي تغيرت فيه الكثير من الملامح وتبدلت القوى التقليدية التي كانت تشكل الخريطة السياسية للبلاد، لكن هنا تساؤل: هل تملك السيدة العراقية أوراق ضغط يمكن اللعب عليها حال عزمها المشاركة في المشهد مستقبلًا؟

هل تراهن السعودية على رغد؟

هذه المقابلة لن تكون الأخيرة، فهي بداية لسلسلة قادمة من اللقاءات ربما تحمل الكثير من الدلالات والرسائل، وهو ما دفع البعض للتساؤل عن احتمالية تبني الرياض مشروعًا سياسيًا جديدًا بالعراق لمناهضة النفوذ الإيراني هناك، على أن تكون ابنة صدام هي عنوانه الأبرز.

ردود الفعل المكثفة التي صاحبت المقابلة الأولى (تجاوزت مشاهدة اللقاء الملايين بعد ساعات قليلة من بثها) تشير إلى أن الأمر لن يتوقف عند حاجز اللقاء التليفزيوني فحسب، وهو ما ألمحت إليه رغد بقولها: “كل شيء وارد” بشأن البحث عن دور سياسي لها في المستقبل.

الفوضوية التي يعاني منها المشهد العراقي بسبب الطائفية، وتحول البلاد إلى قصعة مستباحة للعديد من القوى الخارجية، ورغبة الشعب العراقي في استعادة استقراره المفقود منذ أكثر من 17 عامًا، كلها مغريات ربما تحفز ابنة الرئيس العراقي الأسبق لخوض التجربة.

ميراث الشعبية وحده ليس كافيًا للعودة للمشهد الملبد سياسيًا، وتوظيف حالة الانقسام ليس المقوم الوحيد لإيجاد موضع قدم، وأحلام العراقيين في بلد أفضل نسبيًا عما هو عليه الآن ليس جواز عبور صالح الاستخدام نحو القصر الجمهوري في كرادة مريم ببغداد.

الباحث السوري المتخصص في العلوم السياسية، عبد القادر نعناع، في تعليقه على أول ظهور لرغد بعد هذا الغياب قال إنها لا تشبه والدها، متهمًا إياها بأنها “هشة فكريًا وحواريًا وليس هناك تشابه مطلق مع صدام وتحاول أن تختبئ في جلباب أبيها الفضاض عليها جدًا جدًا”، على حد تعبيره.

نعناع في تفسيره لتلك المقابلة، بحسب ما كتب على صفحته على فيسبوك ،أشار إلى أن هذا اللقاء ربما يندرج تحت “باب المناكفة الإعلامية السياسية لا أكثر”، مضيفًا “هذه أداة سعودية شائعة، لا تذهب إلى درجة تبني مشروع متكامل والعمل على تنفيذه، بقدر ما هو تشجيع للآخرين، ثم التخلي عنهم. وهذا يعني حرقًا لأي مشروع سياسي عند رغد (إن كان موجودًا)”.

لكن هذا لا يعني طي هذه الصفحة نهائيًا، فالقاعدة الشعبية الصدامية يمكن الانطلاق من خلالها في تبني مشروع سياسي قوي، يرتكز على عدد من الملفات المشتركة لأبناء العراق، من أجل استعادة وطنهم مرة أخرى، من ميليشيات إيران والقوى الأجنبية الأخرى التي تعبث في مقدراته، لكن هذا الأمر يحتاج إلى رؤية تفصيلية وتنسيق كامل مع القوى الداخلية والخارجية، وهو ما لم يتوافر حتى كتابة هذه السطور.

المقابلة أثارت أزمة على المستوى الداخلي، فيما يحتمل أن تُحدث تصريحات رغد بشأن إيران ودورها الخبيث في بلادها أزمة بين ثلاث دول هي العراق والسعودية والأردن، حيث طالب رئيس لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين عبد الإله النائلي، وزارة الخارجية، عبر خطاب رسمي، باستدعاء سفيري مملكتي الأردن والسعودية لتسليمهم مذكرة احتجاج، على هذا اللقاء.

اللجنة في خطابها علقت على تصريحات رغد بأنها “تجاوز سافر على الشعب العراقي، وتضحياته في مقارعته لحزب البعث”، فيما أشار النائلي إلى أن استدعاء السفير السعودي نتيجة أن القناة التي خرجت منها رغد هي قناة سعودية وتخضع لإملاءات القيادة السياسية هناك، أما استدعاء سفير الأردن فلكون بلاده هي من تستضيف رغد وعائلتها منذ سنوات طويلة.

من السابق لأوانه تقييم الرسائل التي تبعث بها تلك المقابلة، وتقديم تفسير جازم بشأن دوافع عودة ابنة صدام حسين للأضواء بعد غياب طويل عن المشهد، كما أنه في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل الربط بين توقيت ظهورها والحملة الدبلوماسية التي تقوم بها السعودية لتطويق الخناق على إيران ومناهضة نفوذها إقليميًا.

لكن في الأخير تبقى تلك العودة علامة استفهام كبيرة تحتاج إلى وقت كافٍ لتقديم الإجابات الكافية والشافية لها، لا سيما أنه تساؤل فضفاض يحمل بين قوسي الإجابة عنه الكثير من الأبعاد التي تذهب في النهاية إلى أن اللقاء لم يكن مجرد مقابلة إعلامية فقط، وأن اختيار العربية لتلك الإطلالة ليس اختيارًا عشوائيًا.

 

المصدر: نون بوست