كُتّاب الموقع
إعادة تقييم العلاقات أو ضبطها من جديد؟ معضلة بايدن حول بن سلمان

ستيفاني كيرشغسنر - ترجمة وتحرير: نون بوست

الإثنين 8 آذار 2021

في أواخر سنة 2019، عندما وقف جو بايدن على منصة النقاش وتعهّد بجرأة بجعل المملكة العربية السعودية منبوذةً إذا انتُخب رئيسًا، كان حينها مساعد سابق غير معروف وخبير في الشرق الأوسط يدرس كيف يمكن أن يبدو عليه مثل هذا الموقف “التقدمي” تجاه المملكة الغنية بالنفط في عهد ما بعد ترامب.

سافر دانيال بنعيم، الخبير السياسي الذي عمل مع بايدن ككاتب خطابات ومع هيلاري كلينتون وجون كيري قبل ذلك، أولا إلى المملكة العربية السعودية ثم بدأ في إجراء مقابلات مع العشرات من خبراء السياسة الديمقراطيين والتقدميين لوضع الخطوط العريضة.

انقسم الخبراء – من دبلوماسيين أمريكيين سابقين ومعينين سياسيين وأكاديميين ونشطاء – حول سؤال واحد: هل علاقة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية وحاكمها الفعلي الشاب المتهور والقاتل وغير المستقر، محمد بن سلمان، يستحقان الإنقاذ؟

بالنسبة إلى “دعاة إعادة تقييم” العلاقات – كما أسماهم بنعيم – كانت الإجابة بالنفي نظرا لأن الشراكة مع المملكة العربية السعودية كانت غير موثوقة وغير مستساغة وعفا عليها الزمن ومبالغ فيها. في المقابل، اعتقد “دعاة إعادة ضبط” العلاقات أن هناك قيمة دائمة في العلاقة ولكنها تحتاج إلى بعض “الحب الصارم”.

بينما كانت إدارة بايدن تستعد الأسبوع الماضي لإصدار تقرير طال انتظاره حول مقتل الصحفي في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي، كان المعارضون والنشطاء وبعض أعضاء الكونغرس يأملون أن يقدم الرئيس الأمريكي الجديد ردًا صادقًا على الوعد بـ “نبذ” السعودية الذي قطعه خلال حملته.

يعتقد بعض دعاة “إعادة تقييم” العلاقات أن ممارسة واشنطن، التي تعتبر أهم حليف للرياض، الضغط المكثف – الذي استهدف مباشرة الرجل الذي خلصت وكالات المخابرات إلى أنه متواطئ في عملية القتل – قد يؤدي حتى إلى تنحية الأمير محمد من خط الخلافة الملكية.

بدلا من ذلك، أيّد بايدن سياسة “إعادة المعايرة” دون “المقاطعة”، وهي العبارات الدقيقة التي استخدمها بنعيم – الذي بات الآن أحد كبار مستشاري وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط – في تحليلاته وتوصياته الخاصة بالسياسة. بعد سنوات رئاسة ترامب، التي تجاهلت خلالها الإدارة السابقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، قوبل قرار البيت الأبيض بإصدار تقرير مكتب مدير المخابرات الوطنية بشأن مقتل خاشقجي بالترحيب وذلك لشفافيته، تماما مثل قرار بايدن بنبذ الأمير محمد شخصيًا والدعوة إلى إنهاء حرب المملكة العربية السعودية في اليمن.

لكن خطوة التخلي عن العقوبات الموجهة ضد الأمير قوبلت أيضًا بالفزع في العديد من الدوائر، بما في ذلك قاعات الكونغرس حيث يعد النفور من ولي العهد أحد القضايا القليلة التي يمكن للديمقراطيين والجمهوريين إيجاد أرضية مشتركة بشأنها.

أقرت افتتاحية في صحيفة واشنطن بوست بأن بايدن كان على الأقل ينهي “التدليل الغريب وغير المسبوق” الذي اتبعه دونالد ترامب مع المملكة العربية السعودية، لكنه قال إنه “مع ذلك يمنح ما يرقى إلى بطاقة عبور لحاكم زرع عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، بينما قاد أشد حملة قمع للمعارضة في التاريخ السعودي الحديث”.

دافع نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية، عن تصرفات الإدارة الجديدة. وقال في مؤتمر صحفي مطلع هذا الأسبوع: “بعثت هذه الإدارة برسالة صريحة إلى القادة السعوديين. نحن نسعى إلى شراكة تعكس عملنا المهم معا ومصالحنا وأولوياتنا المشتركة، ولكن أيضا تنطوي على مزيد من الشفافية والمسؤولية وتتوافق مع قيم الولايات المتحدة”. كما أشار إلى أن الولايات المتحدة لن “تتجاهل أو تقلل من سوء السلوك الفاضح”، لكن العلاقة مع ذلك تظل مهمة لمصالح الولايات المتحدة.

قدم تقرير بنعيم الصادر في حزيران/ يونيو 2020 لمؤسسة القرن، الذي يبدو أنه أثر في عملية صنع القرار، أدلة إضافية حول القضايا التي ربما تكون قد وجهت تفكير الإدارة، بما في ذلك الأهمية الدائمة للتعاون في مجال النفط ومكافحة الإرهاب. وأشار بنعيم إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أنه من الخطر التقليل من أهمية الاستقرار الداخلي السعودي، ونبهوا إلى أن “عواقب سقوط الأمير محمد على الولايات المتحدة قد تكون أسوأ من الثورة الإيرانية لسنة 1979″. وقال آخرون إنه على الرغم من خلافات واشنطن والرياض، فإن علاقتهما تتناقض بشدة مع علاقة طهران و”العداء الأساسي للولايات المتحدة”.

أثناء وصفهم المداولات الداخلية لإدارة بايدن، أخبر مسؤولون لم يقع ذكر أسمائهم صحيفة واشنطن بوست بأن الحظر العلني على حفيد مؤسس المملكة العربية السعودية يُنظر إليه على أنه أقرب إلى إعلان علاقة عدائية مع المملكة، حامية أقدس المواقع الإسلامية في العالم. كما أن تجميد أصول الأمير محمد، وهو فكرة أخرى طرحها النقاد، كان يُنظر إليها على أنها شبه مستحيلة.

مع ذلك، أعرب أعضاء الكونغرس عن إحباطهم. قال بروس ريدل، محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بشأن المملكة العربية السعودية وأحد الخبراء البارزين في تاريخ العائلة المالكة في العالم: “لا أعتقد أن هذه القصة قد انتهت. ما يمكنني قوله بثقة هو أن الجدل لم ينته بعد، وسيستمر في المجال العام وفي وسائل الإعلام وفي الكونغرس. ستواجه الإدارة وقتا عصيبا في إقناع الناس بأن هذا كان كافيا”.

يجري العمل بالفعل على مقترحات تشريعية في الكونغرس لاستهداف الأمير محمد. وقد أثار روبرت مينينديز، الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إمكانية معاقبة ولي العهد من خلال قانون ماغنيتسكي العالمي الذي يستهدف المسؤولين لانتهاكهم حقوق الإنسان، وقال إنه من المهم أن يواجه “عواقب حقيقية”.

إذا قرر الكونغرس اتخاذ إجراء ضد الأمير دون دعم صريح من بايدن، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتفوق فيها المشرعون على الرئيس في قضية متعلقة بالمملكة العربية السعودية. في نهاية إدارة أوباما، تجاوز الكونغرس حق النقض الرئاسي وأصدر قانونا يحد من الحصانة السيادية للمملكة العربية السعودية من الدعاوى القضائية التي رفعتها عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.

أشار ريدل إلى أن الأمير محمد كان يتعرض لضغوط شديدة في الداخل، ويقود حربًا مكلفة كانت المملكة العربية السعودية على وشك خسارتها في اليمن، ويواجه تهديدات من أعداء محليين بعد إبعاد أفراد من العائلة المالكة، بما في ذلك أولئك الذين “اعتقلوا” في فندق ريتز كارلتون كجزء من حملة مكافحة الفساد.

في سؤاله عما إذا كان الوقت قد فات الآن لمنع الأمير من أن يصبح ملكًا، قال: “لا، لديه أعداء كثيرون في السعودية. إذا كان هدف الولايات المتحدة هو إقامة سعودية مستقرة ومعتدلة ومستقرة داخليًا ولا تمثل مصدر اضطرابات في المنطقة، فلا مكان لمحمد بن سلمان في السعودية. نحن نعلم ذلك، وقد شهدناه خلال سنوات”. كما أشار ريدل وآخرون إلى تناقضات سياسة البيت الأبيض التي سيصبح تنفيذها معقدًا. وقال إن بايدن سيتعامل فقط مع نظيره الملك سلمان، في حين أن ابنه يمكنه أن يصبح نظريًا ملكا متى شاء.

عندما سعى البيت الأبيض للدفاع عن قراره بشأن التوقف عن معاقبة الأمير بشكل مباشر، أشار إلى الأسبقية التاريخية في أن رؤساء الدول الأجنبية لم يخضعوا عادة لمثل هذه الإجراءات. لكن هذا يتناقض مع تصريحات سابقة جادلت بأن الأمير محمد هو في الواقع ليس رئيسا للدولة. أوضح ريدل أنه “لهذا السبب أعتقد أن أجزاء من هذه السياسة لم يتم التفكير فيها مليًا. ومن الواضح لي أنهم لم يتوقعوا كل هذا النقد. ما زالوا يحاولون الدفاع عن قضيتهم ولم يحققوا الكثير من النجاح”.

قال سيث بيندر، من مشروع دبلوماسية الشرق الأوسط، إن الولايات المتحدة سعت إلى بعث رسالة مفادها أن بايدن كان يصدر التقرير لاتباع القانون، لأنه تم تفويضه من قبل الكونغرس، لكن تبين في النهاية أن الأمير محمد بن سلمان لا يمكن معاقبته لأنه فوق القانون.

صرح بيندر “لا أعتقد أيضا أن الإدارة أوضحت سبب عدم قدرتنا على معاقبته وعدم قطع العلاقة. لا يزال بإمكان الولايات المتحدة التعامل مع مسؤولي الأمن والدبلوماسيين الآخرين كما نحتاج، دون تقدير أعذار لمحمد بن سلمان”. كما كان هناك قرار غامض يتعلق بحذف أسماء ثلاثة سعوديين متواطئين في مقتل خاشقجي من تقرير مكتب مدير الاستخبارات الوطنية.

في الكابيتول هيل، أطلق عضو الكونغرس الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي آندي كيم، الذي عمل سابقا مستشارا للأمن القومي لباراك أوباما، بعضا من أشد الانتقادات ضد الإدارة، قائلا إن عدم اتخاذ إجراء ضد الأمير محمد بعث “رسالة واضحة إلى جميع أنحاء العالم بأن أولئك الذين يتربعون على عرش السلطة يمكنهم الإفلات من العقاب”.

في مقابلة مع صحيفة “الغارديان”، قال كيم، وهو عضو في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إنه لم يكن ينوي محاولة التأثير على قرار بايدن أو تغيير خط الخلافة السعودية، بل “يتعلق الأمر بمحاولة مواءمة الإجراءات التي تنطوي عليها العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. أشعر أننا في كثير من الأحيان لا ننظر إلى تلك العلاقة بعيون صادقة”.

وأضاف “ما نحاول أن نقرره الآن هو الخطوات التالية. دفعت تصرفات محمد بن سلمان قبل عامين علاقتنا إلى حافة الهاوية. محمد بن سلمان هو الذي عرّض علاقتنا للخطر، وبالتالي فهو مسؤول عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاولة إصلاحها. ماذا سيفعل، وما الذي سيقدمه؟”.

بالنسبة لكيم والمشرعين الآخرين، فإن القضية لا تتعلق فقط بتحقيق العدالة لخاشقجي، وإنما أيضًا تصور الشكل الذي ستبدو عليه العلاقة الأمريكية السعودية في عهد “الملك المستقبلي” في العقود القادمة. وقد أوضح أن “التحالف ليس مجرد تحالف في حد ذاته، وإنما الهدف منه خدمة نوع من الأهداف والغايات الاستراتيجية”.

يشاطره نفس الرؤية عبد الله العودة، الأكاديمي والناشط السعودي المقيم في واشنطن، الذي يواجه والده سلمان العودة – وهو رجل دين بارز مؤيد للإصلاح – عقوبة الإعدام في سجن سعودي.

يقول العودة “هناك أشخاص يقولون ‘لنكن واقعيين’. حسنا، لنكن واقعيين. لنتحدث عن الاستقرار. لقد شن هذا الرجل حربا في دولة تقع جنوب المملكة العربية السعودية وخلق أسوأ أزمة إنسانية لم تكن وصمة عار على المملكة العربية السعودية فحسب بل على الولايات المتحدة وكل من ساعد السعوديين في شن هذه الحرب التي لا تزال مستمرة. لقد ارتكب كل هذه الجرائم وهو لا يزال مجرد ولي عهد. لقد فعل كل ذلك وهو لا يزال وليا للعهد. تخيل ماذا سوف يفعل إذا حكم للأربعين سنة القادمة كملك للبلاد”.

وأضاف أن الأشخاص الثلاثة الأكثر نفوذا الذين يمثلون بديلا للأمير محمد جميعهم رهن الاحتجاز الآن: وهم محمد بن نايف، ولي العهد السابق والحليف المقرب للولايات المتحدة؛ والأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود، الأخ الشقيق الوحيد المتبقي للملك سلمان؛ وتركي بن ​​عبد الله، نجل المغفور له الملك عبد الله.

حسب العودة: “إذا لم يتعرض محمد بن سلمان للضغط وأُجبر على إطلاق سراحهم من السجن، وإذا كانوا محميين من قبل المجتمع الدولي، أعتقد أن العائلة المالكة ستتاح لها الفرصة الوحيدة لتقرر من هو ولي العهد وملكهم التالي”.

 

المصدر: الغارديان + نون بوست