كُتّاب الموقع
ترامب يغادر: بداية الدراما وليست نهايتها

ليلى نقولا

الخميس 21 كانون الثاني 2021

يستفيد الحزب الديمقراطي من الشرذمة التي سيعانيها الحزب الجمهوري، لكنَّ المجتمع الأميركي سيواجه مشاكل داخلية مرتبطة بقدرة ترامب على بثّ الانقسام أكثر فأكثر.
 
يغادر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب البيت الأبيض ليعيش في فلوريدا، معلناً أنه لن يحضر تنصيب جو بايدن رئيساً، ولن يسلّم الحقيبة النووية. يرحل على الرغم من عدم إقراره بالهزيمة التي تعرّض لها في الانتخابات، معتبراً أنه تمّ الغدر به نتيجة التزوير.
 
مخطئ من يعتقد أنّ رحيل الرجل في 20 كانون الثاني/يناير 2021 هو نهاية صناعة “الدراما” التي يتقنها بشكل جيد، نتيجة عمله السابق في “تلفزيون الواقع”، ونتوقّع أن ترامب – الذي يشعر بالخذلان والمرارة – سيتحوّل إلى الداخل الأميركيّ، ليحاول تقويض أسس المؤسسة الحاكمة. ويمكن توقّع ما يلي:
 
– فرط الحزب الجمهوريّ
 
لا شكّ في أن علاقة الحزب الجمهوري بترامب يمكن وصفها تماماً بوقائع قصة ماري شيللي الشهيرة، بعنوان “فرانكنشتاين”، في العام 1818. تدور أحداث القصة في ألمانيا، إذ يقوم شاب جامعي اسمه فيكتور فرانكشتاين بخلق “مسخ” بشع جداً هائل الحجم، تدبّ فيه الحياة فجأة، فيهرب من مختبر الجامعة. عندها تبدأ مآسي فرانكشتاين، إذ يقتل المسخ أخاه، ويتم اتهام المربية بقتله، فتدخل إلى السجن، ثم تزداد خطورة المسخ حين يتعلم القراءة والكتابة، فيطلب من فرانكشتاين أن يصنع له زوجة. يقبل فرانكشتاين، ثم يتراجع خوفاً. يغضب المسخ، فتبدأ مرحلة القتل المتسلسل… حتى مقتل فرانكشتاين نفسه.
 
العبرة التي يمكن أخذها من الرواية أنَّ مسخ فرانكشتاين حقود لا يعرف الرحمة والصفح، ولا يحفظ لصانعه فضل أنّه أوجده، ولا يتوانى عن أن ينقضّ عليه ليدمر حياته وحياة من يحب. ويمكن التوقع أنّ هذا ما سيكون عليه مصير الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية، الذي قوّى الظاهرة الترامبية الشعبوية، لتصل إلى وقت تبتلع الحزب بأكمله، أو تقوم بتفتيته من الداخل وتقسمه إذا قرَّر ترامب تأسيس حزب جديد.
 
– تأسيس حزب جديد
 
لا شكّ في أن الأعداد الكبيرة التي حصل عليها ترامب في الانتخابات (ما يزيد على 70 مليون ناخب أميركي) ليست كلها “ترامبية” الهوى، بل إن الكثيرين صوتوا له كمرشح للحزب الجمهوري، ومنهم من صوّت لسياساته كرئيس في مجال البيئة والنفط الصخري وغيرهما.
 
لكن “الغزوة” التي قام بها أنصار ترامب والحماس الذي تشهده وسائل التواصل وغيرها، تشير إلى أنَّ “الترامبية” ظاهرة وُجدت لتبقى (أقلّه على المدى القصير)، وأن فترة بايدن الأولى والانتخابات النصفية للكونغرس التي ستحصل بعد سنتين، ستكون مليئة بعدم الاستقرار، وقد يكون لترامب مرشحوه خارج إطار مرشحي الحزب الجمهوري.
 
تزدهر الظاهرة الترامبية بين فئات كبيرة من الأميركيين الذين يشعرون بالغضب تجاه الطبقة السياسية الحاكمة، ويعتبرون أن الحكومة خذلتهم، والاقتصاد خذلهم أيضاً، وتمّ تهميشهم على مدى عقود… بالنسبة إلى هؤلاء، يشكّل ترامب “الإله المنقذ” الذي أعلن عن نفسه بأنه آتٍ من خارج هذه السلطة التقليدية، ويؤمن أنصاره بأنّه يتعرّض للظلم من هذه المؤسسة الحاكمة وإعلامها. وبالتالي، سيجمع حزب ترامب الشعبوي كلاً من القوميين العنصريين والمهمشين البيض من الأرياف وغير المتعلمين…
 
وهكذا، قد يستفيد الحزب الديمقراطي من الشرذمة التي سيعانيها الحزب الجمهوري، لكنَّ المجتمع الأميركي سيواجه مشاكل داخلية مرتبطة بقدرة ترامب على بثّ الانقسام أكثر فأكثر، وإثارة الغرائز، وتحفيز الغضب الشعبي على المؤسسة الحاكمة.
 
ما العمل؟
 
يمكن أن يقوم القضاء الأميركيّ بمساءلة ترامب في قضايا التهرب الضريبي، وتحريض المتظاهرين على الدخول إلى الكونغرس، والاتهام بالتسبّب بالقتل، وبالتالي إما يُسجن وإما تتم إقامة “صفقة قضائية” معه تقضي بعدم ممارسته أو ممارسة أولاده أي عمل سياسيّ.
 
في الحالة الأولى، سيستغلّ ترامب وأولاده ومناصروه القضية ليتحدّثوا عن “مظلومية” سياسية، وبالتالي قد يتحول إلى ظاهرة أكثر خطراً، وخصوصاً إذا ما قامت ابنته إيفانكا بممارسة العمل السياسي والترشح إلى الانتخابات، متكلةً على أصوات أنصار والدها. وتبقى الحالة الثانية أقل خطورة، وخصوصاً إذا ما أراد بايدن فعلياً تخفيف الاحتقان والانقسام الداخلي.
 
في الخلاصة، إنَّ الظاهرة الترامبية التي أتت إلى السلطة بسبب أخطاء المؤسسة السياسية الحاكمة، والتي استطاعت أن ترسّخ نفسها خلال 4 سنوات من حكم ترامب، ستسبب المتاعب للإدارة الأميركية، وستحتاج إلى بعض الوقت للتخلّص من آثارها، إن أحسنت المؤسسة الحاكمة التصرف وتفرغت للداخل قبل انطلاقها لاحتواء خطر الصعود الصيني والروسي في العالم.
 
 
المصدر: الميادين