كُتّاب الموقع
جو بايدن نهاية الدكتاتورية الرئاسية أم دونالد ترامب كان بدايتها

العرب اللندنية

الجمعة 5 شباط 2021

رغم إزاحة الديمقراطي جو بايدن خصمه الجمهوري دونالد ترامب من سدة الرئاسة منتقدا سياساته الشعبوية وانتهاجه نمطا رئاسيا استبداديا، يتوقع خبراء ومحللون أن ينتهج ذات السياسة حيث لن يكون أمام خياره غير التشدد في ظل الانقسامات الحادة داخل الكونغرس. وكما لجأ رؤساء أميركيون منذ جورج واشنطن للأوامر التنفيذية لتغيير السياسات من كبيرها إلى صغيرها، ستكون هذه العادة التي سيرثها من سلفه ترامب سلاح بايدن أيضا لتمرير سياساته وفرضها على الأميركيين.

يبدي أنصار الرئيس الأميركي جو بايدن تفاؤلهم من قدرته على إعادة توحيد الولايات المتحدة والتخلص من إرث دونالد ترامب الشعبوي وطي صفحة “أميركا أولا”، وإعادة الزخم للقيم الليبرالية والديمقراطية التي مازال يتمسك بها الكثير من الأميركيين.

وعلى رغم أجواء التفاؤل من اتباع بايدن سياسة تقطع مع الدكتاتورية الرئاسية التي انتهجها سلفه ترامب، إلا أن خبراء يعتقدون أن سياسة ساكن البيت الأبيض الجديد لن تختلف كثيرا عن سياسة الإدارة السابقة، وعلى العكس لم تكن إلا بداية لها، حيث ستلجأ للتشدد في تطبيق قراراتها عبر الأوامر التنفيذية، في ظل الانقسامات الحادة داخل الكونغرس، وكمحاولة للسيطرة على الأوضاع والخروج من نفق الأزمات التي تغرق فيها الولايات المتحدة.

ويستحضر الكاتب توم إنغلهارد في تقرير نشرته مؤسسة “غلوبال أجنس” حقبة رؤساء سابقين للولايات المتحدة الذين تبنوا في البداية النهج الديمقراطي، لكن الوقائع فرضت عليهم في ما بعد استعمال الأساليب الدكتاتورية في مواجهة خصوم الداخل والخارج، وكانت فترة رئاستهم شاهدة على عالم الحروب الأميركية في ظل التجائهم إلى خيار التصعيد.

عالم الحرب الأميركي

عاصر إنغلهارد (76 عاما) كل شيء في ما يتعلق بهذه الدولة ورؤسائها، أو معظمهم، فحسب تعبيره “لقد وُلد في عصر الحروب، وهو عصر كان الكونغرس يعلن فيه الحرب حتى قبل أن تصنعها الولايات المتحدة”.

كان إنغلهارد موجودا منذ أن كان فرانكلين دي روزفلت رئيسا، حيث ولد في 20 يوليو 1944. وعندما كان صبيا، عاصر الانتخابات التي وقف فيها المرشح أدلاي ستيفنسون أمام الرئيس دوايت دي أيزنهاور. وبقدر ما كان يتمنى أن يفوز ستيفنسون بالرئاسة، إلا أنه هزم واستمرت رئاسة أيزنهاور لولاية أخرى.

وشاهد كذلك بعض المناظرات المتلفزة في عام 1960 بين نائب الرئيس أيزنهاور، ريتشارد نيكسون، وجون إف كينيدي، كان حينها في السادسة عشرة من العمر، والتي ساعدت في جعل جون كينيدي، البالغ من العمر 43 عاما، أصغر رئيس على الإطلاق يدخل المكتب البيضاوي. ويمكنه أيضا أن يتذكر خطاب تنصيبه الرنّان.

وأثناء دراسته الجامعية في جامعة ييل، شاهده يلقي خطاب التخرج في مدينة نيو هافن بولاية كونيتيكت، واستمع إليه.

لقد كان متورطا في تصعيد الحرب في فيتنام والوجود الأميركي العالمي في “الحرب الباردة”. ومع ذلك، لم يعره اهتماما كبيرا آنذاك، على الأقل حتى أكتوبر 1962، فيما أصبح يُعرف بـ”أزمة صواريخ كوبا”، عندما ألقى الرئيس خطابا عبر الراديو، وأخبر الأميركيين أن “مواقع للصواريخ السوفيتية كانت في ذلك الوقت يتم بناؤها سرا في كوبا، وستتسلح بقدرة نووية تستطيع أن تضرب نصف الكرة الغربي”.

وكجيل نشأ وهو يحتمي تحت مكاتب المدرسة عندما كان يروج لتدريبات هجوم نووي، تصوّر الشباب الأميركي في كل مكان، بمن فيهم إنغلهارد، أن اللحظة ربما تكون قد حانت أخيرا للمواجهة النووية التي كان من الممكن أن تترك البلاد في حالة خراب.

ويستحضر إنغلهارد “أتذكر أيضا أنني كنت جالسا في مطعم هامبرغر صغير في نيو هافن بعد عام، عندما دخل أحدهم المطعم مسرعا وهو يقول ‘الرئيس اغتيل!’”.

ويتذكر أيضا، في صيف عام 1964، حين كان يتنزه مع صديق عبر شوارع أوروبا، وهو يحاول جاهدا أن يشرح للسائقين الفرنسيين والإيطاليين والألمان ترشيح السناتور الجمهوري اليميني باري غولدووتر، الذي كان ينافس نائب الرئيس كينيدي وخليفته ليندون جونسون. كان غولدووتر هو ترامب في زمنه، وبصفته أميركيا يعيش في أوروبا، شعر إنغلهارد بمسؤولية تجاه الجوانب السياسية الغريبة في بلده ووجد نفسه يبذل قصارى جهده ليشرحها لمن هم حوله. وربما كانت هذه نقطة البداية السرية لإطلاق موقع “توم ديسباتش” الإلكتروني، الذي أطلقه بعد هجمات 11 سبتمبر بسنوات عديدة.

وعلى الرغم من أنه لم ير ليندون جونسون شخصيا، إلا أنه شارك في مسيرة كانت تشوبها الغازات المسيلة للدموع في واشنطن العاصمة للاحتجاج على الصراع الدموي الذي استمر في خوضه في فيتنام. وخلال هذه الفترة، بدأ يفهم أكثر عن منصب الرئاسة.

وبالطبع، كان المستقبل أسوأ بكثير، كانت لدى جونسون سياسات محلية تطلعية في عصر كان فيه التفاوت الاقتصادي والاجتماعي أقل انتشارا، ولا يزال بإمكان الرئيس والكونغرس إنجاز أشياء مهمة محليا، وليس فقط لطبقات الأغنياء من الأميركيين. لكن من ناحية أخرى، صعّد نيكسون، مثل غولدووتر، وهو الرجل الذي فاز بالرئاسة في محاولته الثانية، من حدة حرب فيتنام بشكل أكبر. بل إنه حتى أغرق سمعته في قضايا مرتبطة بعالم الفساد والجريمة، واقترن اسمه بفضيحة ووترغيت.

وحسب تعبير إنغلهارد، كانت تلك الأيام الخوالي، قبل أن يشن جورج دبليو بوش حربه الإمبريالية الخاصة على أجزاء كبيرة من العالم مع غزو أفغانستان والعراق، على أساس إعطائه “إذنا باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين” من الكونغرس لشن حرب مفتوحة بعد أحداث 11 سبتمبر.

وبعد ذلك، تم الاستشهاد بأول “إذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين”، وكذلك الثاني الذي صدر بعد مرور عام من قبل الرؤساء المتعاقبين، سواء لزيادة التصعيد في أفغانستان، أو مثلا لاغتيال قائد إيراني في مطار بغداد الدولي بواسطة طائرة ذاتية القيادة.

وهنا يتساءل إنغلهارد “هل معنى هذا أن الكونغرس لديه أي علاقة، بخلاف التمويل اللامتناهي للبنتاغون، بالفوضى التي أحدثها عالم الحرب الأميركي؟”.

أما بالنسبة إلى فترة رئاسة ترامب، فإنه لم يترك برنامج “ذا أبرنتيس” إلا وقد أصبحت الرئاسة بالفعل استبدادية على المسرح العالمي. وفي غضون ذلك، لا يزال بإمكان الكونغرس والبيت الأبيض العمل معا على المستوى المحلي، ولكن فقط في الإدارات الجمهورية، لزيادة الفجوة المتسعة بالفعل بين 1 في المئة من الأميركيين الأثرياء وبقية الشعب.

وبخلاف ذلك، خاصة في سنوات حكم أوباما، عندما تولى ميتش مكونيل السيطرة على مجلس الشيوخ، بدأت الرئاسة الاستبدادية تكتسب وجها محليا جديدا بفضل الأوامر التنفيذية. وما يمكن أن يفعله أوباما بمجرد سيطرة الجمهوريين على الكونغرس سيتم إلى حد كبير من خلال إصدار الأوامر التنفيذية، وهي العادة التي ورثها منه ترامب. وعند توليه المنصب، بدأ ترامب هو وطاقمه على الفور بالقضاء على إرث أوباما من خلال إصدار الأوامر التنفيذية واتخاذ إجراءات مماثلة.

وبرأي إنغلهارد كانت رئاسة ترامب أكثر رئاسة استبدادية شهدتها الولايات المتحدة، حيث عمل هو وفريقه، من خلال إصدار الأوامر التنفيذية واحدا تلو الآخر، على إشعال نيران النزاع في العالم، وتدمير البيئة، وعزل الأميركيين، وتفكيك الدور الاقتصادي العالمي الأميركي. وفي النهاية، وبأكثر الطرق استبدادية التي يمكن تخيلها، وبمساعدة الكونغرس الجمهوري، اقترب ترامب من حافة تدمير النظام الديمقراطي الأميركي عبر إعلانه عن “انتخابات وهمية”، من خلال المناداة بإعادة انتخابه والتشكيك في نزاهة السباق الرئاسي.

خيارات بايدن

أما اليوم، في دولة تعاني من جائحة كورونا، وفي ظل انقسام الكونغرس بشكل متساو بحيث يمكن أن تتخيل تقريبا أنه لن يستطيع تطبيق أي قرار، فإن أي رئيس لن يكون لديه خيار سوى أن يكون استبداديا.

ويشير إنغلهارد بالقول “من الذي يمكن أن يتفاجأ بأن بايدن أطلق رئاسته بموجة من الإجراءات والأوامر التنفيذية (30 منها في أيامه الثلاثة الأولى)، على النمط الترامبي، والتي اتخذت لعكس الإجراءات التنفيذية السابقة لترامب”.

ويعتقد أنه “ليس من المصادفة أن الدولة الاستبدادية، التي لا تزال ديمقراطية على المستوى المحلي، التي انتخبت الشاب جون ف. كينيدي، بعد 60 عاما، ستنتخب رجلا عمره 78 عاما ليحل محل رجل عمره 74 عاما في البيت الأبيض”.

ويتابع “سينضم بايدن إلى رئيسة مجلس النواب الديمقراطية البالغة من العمر 80 عاما، بينما سيتنافس مع زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، البالغ من العمر 78 عاما، من أجل إدارة دولة لم تكن قادرة على كسب حرب منذ عام 1945، دولة تعيش عصر الوباء بها مثل هذا التفاوت الذي أقل شيء يمكن أن يُقال عنه أنه تاريخي”.

وعندما كان عضوا في مجلس الشيوخ في الوقت الذي كانت تتكشف فيه أحداث ووترغيت، قدم بايدن نفسه آنذاك على أنه نقيض نيكسون الفاسد ومعارض للرئاسة الاستبدادية. وكما ادعى مؤخرا في محادثة هاتفية مع ديفيد بروكس من مجلة “بي.بي.إس” نيوز، من الواضح أنه لا يزال غير معجب بها. ومع ذلك، في الكونغرس الذي من غير المرجح أن يصدر ردة فعل تجاه أي شيء، بما في ذلك إدانة الرئيس السابق بالتحريض على التمرد، وفي ظل انعدام الخيارات أمامه، سيسير بايدن على الطريق الاستبدادي الأوسع.

قد لا يؤمن بايدن بالرئاسة الاستبدادية، لكن من الواضح أنه ليس له أي خيار آخر، فالكونغرس في حالة من الفوضى؛ المحاكم المكدسة بقضاة ميتش ماكونيل المحافظين، ستقف ضد الكثير مما يفعله، وتلك الحروب التي شنها جورج دبليو بوش وانتشرت الآن بشكل كارثي عبر أجزاء مهمة من الشرق الأوسط وأفريقيا لم تنته بعد.

ويستنتج إنغلهارد بالقول “بايدن رجل محترم يتصرف في الأيام الأولى لرئاسته بطرق لائقة، لكنه لا يختلف كثيرا عن ترامب”.

ومع أن الاحتمالات لا تزال غير واضحة، مع بداية فترة حكمه، إلا أن إنغلهارد لا يتوقع أن تكون فترة رئاسة استبدادية فقط، بل رئاسة استبدادية كارثية، قائلا “وهو ما سيجعلنا نعتبر أن ما حدث في عصر الرؤساء جونسون ونيكسون لم يكن شيئا يُذكر مقارنة بما سيحدث”. وختم بالقول “وفي عمر 76، تقريبا مثل رئيسنا بايدن، أخشى أن يكون ترامب كان مجرد مقدمة للكارثة الاستبدادية التي سنشهدها”.

المصدر: العرب اللندنية