كُتّاب الموقع
لبنان الى أين: بين الفوضى المدمرة وانتظار المجهول

سركيس أبو زيد

الخميس 28 كانون الثاني 2021

احتفل لبنان بصمت بمناسبة اعلان الجنرال الفرنسي غورو عام 1920 انشاء دولة لبنا الكبير .وفي ذكرى مئوته يواجه لبنان اسئلة وجودية مصيرية مودون اجوبة واضحة .يشهد العالم اليوم مخاطر وباء كورونا ،بينما لبنان يعاني بالاضافة الى كوفيد19 من وباء الازمات الاقتصادية الاجتماعية المالية الخانقة فضلا عن وباء الفساد المستشري في الدولة والمجتمع .امام هذه الحالة يقف المواطن حائرا ضائعا يخاف على مستقبله ويعيش في ظروف الفوضى المدمرة من دون افق.

 

دوما كان لبنان محكوم بالظروف الدولية والاقليمية والمحلية خاصة الاطماع الاسرائيلية والتهديدات الاميركية .في هذه المقالة سوف اتوقف عند ابرز التحديات الداخلية  .

  عوامل عدة تتحكم بالواقع اللبناني في المراحل المقبلة، ولا يمكن عزلها. وعلىالارجح ستؤدي إلى خلط الاوراق والادوار والمواقع في البلد، وأبرزها:

1-الضغط الاميركي خصوصا، والدولي والعربي عموما، على لبنان من أجل إضعاف حزب الله  . ويتردد أن هذا الضغط سيشهد تصعيدا واسعا ومباشرا في المرحلة المقبلة، ويستهدف الحزب وحلفاءهوسائر أركان السلطة والقوى السياسية على خلفية رضوخها لهذا النفوذ.

 

2-إقتراب الاستحقاقات الدستورية المفصلية في العام 2022( الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية، وطبعا حكومة جديدة) . وهذه اإلستحقاقات ستكون ورقة ضغط في أيدي الاقوياء في الداخل، يستخدمونها للمساومة على كل شيء. وخلالها قد يصبح شعار كل طرف "يا ر ب نفسي". وهذا ما يدفع اطراف التفاهم إلى إعادة ترتيب الاولويات التحالفية على أسس مصلحية جديدة.

 

3-كثيرون يتوقعون أن يتجه لبنان، في ضوء هذه التطورات والتحولات في المنطقة، إلى مرحلة مفصلية يتغيّر فيها نظامه، أو حتى صيغته الحالية. وفي هذه الحال، قد تستنفر العصبيات الطوائفية والمذهبية، وتصبح لها الاولوية على التحالفات السياسية. مما يمكن أن يخلط الاوراق رأسا على عقب.

 

  سيناريوات اقتصادية للعام 2021

 

بين الاقفال بسبب تفّشي "كورونا" والازمة الاقتصادية مرورا بالفقر المتزايد وضعف القدرة الشرائية وتراجع الليرة اللبنانية أمام الدولار الاميركي في السوق السوداء، أصبح المواطن اللبناني يعيش على وقع الاحداث التي تتحكم فيها "كورونا".

 

أمام كل هذه المعطيات، تطرح تساؤالت عن السيناريوات المحتملة التي سيواجهها لبنان في المرحلة المقبلة وهي ثلاثة :

 

** السيناريو الاول تشاؤمي، وهو عبارة عن ترابط الاحداث السلبية مع عدم تشكيل حكومة أو تأليف حكومة لا تستوفي الشروط الدولية المطلوبة. هذا السيناريو يؤدي إلى إستمرار المسار الانحداري للوضع اإلقتصادي، والنقدي، والمالي، والاجتماعي إلى مستويات تصبح معها السيطرة على الغضب الشعبي صعبة جدا وهو ما قد يقود إلى فوضى أمنية...  

 

** السيناريو الثاني التفاؤليإذا ما تحقق أنه سيتم تشكيل حكومة تستوفي الشروط المفروضة من قبل المجتمع الدولي. وهنا ستعمد هذه الحكومة إلى القيام بإصلاحات ضمن مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي وهو ما سيسمح بإدخال الدولارات إلى القطاع المصرفي وتحرير قسم من أموال "سيدر"،  عندئذمن المتوقع أن يتم لجم التدهور اإلجتماعي وخصوصا دينامية الفقر التي تطورت سلبيا بشكل سريع تخطى التوقعات. كماسيتمكن لبنان من وضع موازنة للعام 2022 تترجم الاصلاحات والواقع المالي العام للدولة اللبنانية مع بدء التفاوض معمقرضي الدولة.

 

** السيناريو الثالث وهو "ستاتيكو"،حيث سيستمر تآكل الوضع اإلقتصادي واإلجتماعي مع عناية دولية كيلا تؤول الامور إلى حد فقدان السيطرة على الوضع. وهذا الامر قد يستمر إلى فترة طويلة إلى حين تبدل في المعطيات الاقليمية والدولية  .

 

"مفاوضات ترسيم الحدود " مع العدو وصلت الى طريق مسدود

 

برز تطور سلبي على صعيد موضوع ترسيم الحدود البحرية، حيث أبدت الولايات المتحدة الاميركية  أسفها للطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات بين لبنان و"إسرائيل" في شأن ترسيم حدودهما البحرية، بعد أقل من 3 أشهر من إنطلاقها بوساطة أميركية وبرعاية الامم المتحدة. وقال وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو : "  رغم وجود بعض النيات الحسنة للجانبين، فإن الطرفين لا يزالان متباعدين جدا"، مؤكدا أنواشنطن مستعدة للتوسط في مناقشات بنّاءة. وحض الطرفين على التفاوض على أساس مطالباتهما البحرية أمام الاممالمتحدة. ور ّحب وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينتس،   ببيان بومبيو الذي أوضححقيقة أن المفاوضات من أجل حل وسط يتعلق بالخلاف المعروف بين الخطوط البحرية الاسرائيلية واللبنانية، كوديعةمن قبل البلدين لدى الامم المتحدة في عام 2010.

 

بعد إنتهاء كل طرف من قول ما لديه على مدى أربع جولات بدا التباعد كبيرا، وهذا الشرخ أدى إلى أن يقترح الوسيط الاميركي إستبدال جولة 2 كانون الاول بالتواصل المباشر مع قيادة البلدين. ومرة جديدة سمع الوسيط كلاما واضحا من رئيس الجمهورية بأن الوفد اللبناني مزود بالتعليمات اللازمة، مبديا إصراره على الموقف اللبناني الذي عرض في الاجتماعات، والذي يخلص إلى إضافة نحو 1350 كلم مربعا لمساحة الـ860 كلم مربعا التي كان لبنان يطالبفيها أثناء السعي إلى اتفاق الاطار، مع العلم أن واشنطن لا تزال متمسكة بعرضها للتسوية المبنية على "خط هوف"الذي يقسم المنطقة المتنازع عليها عند الحدود البحرية الجنوبية التي تمتد على مساحة 866 كيلومترا مربعا، ويعطي لبناننحو 500 كيلومتر مربع، مقابل نحو 360 كيلومترا مربعا لاسرائيل. وقد تقاطع خط هوف مع الخط القبرصي بنسبة 60في المئة نزولا من التقاطع الاسرائيلي - القبرصي، وصولا إلى التقاطع اللبناني - القبرصي، وترك نسبة ما يزيد على 55  في المئة للبنان.

 

في اللقاء الاخير للرئيس عون مع الموفد األميركي الوسيط في المفاوضات السفير جون ديروشيه،  اكد عون أن لبنان يريد أن تنجح مفاوضات الترسيم، وهو متمسك بسيادتهعلى أرضه ومياهه. عون الذي اعتبر بأن الصعوبات التي برزت يمكن تذليلها من خلال بحث معّمق يرتكز على الحقوقالدولية ومواد قانون البحار، أشار الى خيارات عدة يمكن اللجوء إليها في حال فشل المفاوضات، من بينها التحكيمالدولي.

فبعد أن طرح الاميركيون العودة الى الخطوط السابقة  ( أي خط هوف ) أبلغهم عون بأن لديه وثائق غربية تثبت حصة لبنان في المساحة التي يُطالب بها 2200  كيلومتر مربع، وهي وثائق تعتمد على مسح جوي بريطاني قديم . وأشار الى أنه في حالة النزاع فإن لبنان لا يُمانع الذهاب الى التحكيم الدولي ولو من خلال الامم المتحدة، بينما اعتبر الاميركيون بأن التحكيم سيستغرق سنوات وسينعكس سلبا على لبنان، وأن المفاوضات هي بديل عن التحكيم. وكان من بين الاقتراحات أيضا طلب المساعدة من إستشاريين دوليين من كبار الاساتذة العرب والاجانب، من خلال إعداد دراسات غير

ملزمة.

 

بعد أن تأكد الوسيط الاميركي أن لبنان جاد في المضي قدما بالمفاوضات إنطلاقا من المعايير التي أرساها الوفد، إنطلقت في إسرائيل حملة تشكك في جدية لبنان وتسوق لانتهاء المفاوضات قبل أن تبدأ، ساعية إلى تحميل لبنان المسؤولية. مصادر مطلعة تؤكد أن المفاوضات مستمرة، لكنها حكما ستتأثر بالمتغيّر الاميركي، الذي لم يُعرف بعد كيف سينعكس على ملف الترسيم.  ... وبالنتيجة، مفاوضات الناقورة متوقفة ولن تُستأنف فعليا قبل تسلّم الادارة الاميركية الجديدة وتركيز أوضاعها،ولبنان بات جاهزا لمفاوضات شاقة وطويلة.

 

مستقبل النظام في لبنان:

 

أحیا الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون مؤخرا فكرة إعادة النظر بالنظام السیاسي القائم حالیا من خلال دعوته الى عقد جديد ، وكان السیدحسن نصرالله  قد عرض ھذه الفكرة في العام ٢٠١٢  من خلال مؤتمر تاسيسي من دون الدخول في أي طرح تفصیلي . وتكشف مصادر عن تشكیل لجان فرنسیة - لبنانیة لدراسة الملفات التي یمكن عرضھا للنقاش والتطویر في النظام السیاسي، بینما یحضر الرئیس عون لطاولة حوار في قصر بعبدا لاستمزاج آراء رؤساء الكتل النیابیة والمرجعیات الروحیة بعد تشكیل الحكومة ونیلھا الثقة مباشرة. وفكرة طاولة الحوار یتم تنضیجھا والتداول فیھا بین مختلف المقار السیاسیة والحزبیة، آخذین في الإعتبار أھمیة التوقیت وما یمكن تطویره في النظام السیاسي والدولة المدنیة التي یكثر عنھا الحدیث. مع العلم أن أي تغییر لن یتم إبن ساعته ویلزمه تحضیر وفترة تحضیریة للإنتقال من مرحلة الى أخرى ومننظام سیاسي الى آخر وما یستتبعه من تغییر في نظام الانتخاب ومقاربة الملفات المالیة والاقتصادیة والاجتماعیة، وحتىإعادة النظر في مؤسسات الدولة ووظائفھا والحاجة الى مرافق وإدارة عامة جدیدة.

 

ولعل أخطر ما كشفته كارثة المرفأ عداعناصر الدولة الفاشلة، ھو سقوط ھیكل النظام السیاسي والاقتصادي بالكامل، وبالتالي لا بد من تغییر في ھذا النظامالطائفي والإصلاح في طبیعة النظام السیاسي وفقا لما ورد في إتفاق الطائف والدستور، خاصة في بنوده الإصلاحیة... وخوض الرئیسین میشال عون ونبیه بري في الدولة المدنیة أیضا لیس جدیدا. والرجلان یطالبان بھا في كل مناسبة ومفصل. وللتذكیر فإن بري دائما ما یطالب ولا سیما في مھرجان ذكرى تغییب الإمام موسى الصدر كل عام، بإلغاء الطائفیة السیاسیة عبر تشكیل اللجنة العلیا لإلغاء الطائفیة السیاسیة وتطبیق ما لم یطبّق من إتفاق الطائف. وترى مصادر في الحزب الاشتراكي أن المطلوب ھو تطبیق الطائف والبدء بتشكیل الھیئة الوطنیة لإلغاء الطائفة السیاسیة وإنشاء مجلس الشیوخ وإقرار قانون إنتخابات خارج القید الطائفي وصولا إلى العلمانیة التي طرحھا كمال جنبلاط، على أن یتم ذلك بشكل تدریجي وصولا لمناقشة قانون الأحوال الشخصیة واللامركزیة الإداریة، خصوصا وأن ھناك عملا جدیا في موضوع إستقلالیة القضاء وضمان الشیخوخة وقطع شوطا كبیرا في اللجان النیابیة المختصة. وتؤكد أن "ما نحن بحاجة إلیه الآن ھو برنامج إقتصادي - مالي لحل الأزمة ولیس تغییر النظام كما یحاول أن یوحي البعض، وما طُرح فیه من أفكار.  

 

مصادر في تیار المستقبل تؤكد أن دستور الطائف ھو دستور مدني، ونحن طبعا مع تطبیقه ومع قانون إنتخابي خارج القید الطائفي على أساس المحافظات كما ورد في الطائف، وطبعا ھذا یرتبط مع إنشاء مجلس الشیوخ الوارد في الدستور. وتشیر إلى أن الكلام عن الدولة المدنیة یبقى كلاما عاما وربما البعض یقصد تحدیدا قانون الأحوال الشخصیة الذي قد یخلق مشكلة عند البحث به خصوصا لدى المؤسسات الدینیة.  

أما القوات اللبنانیة وامثالها يعطون اولوية لسلاح المقاومة قبل البحث باي نظام جديد .

 

  المطلوب حوار جديوحقیقي بین اللبنانیین، وظروف وحیثیات ھذا الحوار غیر متوافرة في ظل اولويات متناقضة بين القوى السياسية .باختصار ، الازمة في لبنان مفتوحة على كل المجالات وظروف التسوية او الحل غير ناضجة .ويبقى الغائب الاكبر كتلة وطنية شعبية فاعلة هي الرهان والخلاص .