كُتّاب الموقع
الدولة الدينية والصراع المغلق مع إسرائيل

د. رائد المصري

الجمعة 20 كانون لأول 2019

بهدوء.. فبعد الإعتداء على الفقراء من قبل قوى الميليشيا الدينية والطوائفية التي ترابط عند كل مفترق المزروعين في الوزارات والإدارات من دون دوام، تستعرض السلطة فحولتها ضد النساء والمتظاهرين السلميين الذين يريدونها حياة كريمة من دون هدرٍ للكرامة، كما أعادتها إفتراضاً لهم يوماً المقاومة في لبنان بوجه المستعمرين الصهاينة، فأرادت هذه الزُّمر مرة جديدة تأديب أبناء جلدتهم وشرذمة تجمعاتهم البشرية المطالبة ببناء الدولة المدنية وسيادة القانون على الجميع. إنها مأساة إنعدام التوازن في البيئة الداخلية التي أرادوا لبنان وإنتفاضته السياسية مقفلة منعاً للخرق الخارجي كما لو أنك تحاكي الجبهات مع إسرائيل تنظيماً وبنية عسكرية مغلقة وتحقق النجاح والتفوق وهذا شرط ضروري لربح الحرب.. وهذا هو الفرق الكبير الذي إنتزع المبادرة منهم ونزع عنهم قراءة التحولات السريعة.

مسار الدولة الدينية، منذ بدء إنتفاضة “17 تشرين”، صار واضحاً للعيان عجز القوى السياسية عن الفعل جراء الفساد والتآكل والتكلس؛ وبسبب منع الشعب اللبناني المنتفض من خلق المبادرات الوطنية البديلة بحجة “التهم الجاهزة” بالعمالة للخارج وتنفيذ أجندات أميركية، وهي لعبة مفضوحة لم تعد تنطلي وتسوق لا في مكانها ولا في زمانها، فهي مأساة نظام سياسي ليست له القدرة على السير والإستمرار. مأساة طبقة سياسية صارت من الماضي وممنوع عليها التغيير. ومأساة تطال هذه السلطة السياسية بأحزابها الطائفية والمذهبية والدينية التي تنظر الى حَراك الشعب بحذر وريبة لأن في داخله الخلق والإبداع والتجدد الشبابي في الخطاب السياسي، والتطور في العملية الديمقراطية. فهم لا يرغبون إلاّ بتطوير الدولة الدينية، وإعلاء شأن الطوائف والتمذهب المغذي للروحية والذهنية في الحكم وكل خطاباتهم المتكررة التي لا تهدىء من روع الناس ولا تقف عند خاطر الطبقات الشعبية الفقيرة وعتقها من الإسترهان لحكم المصارف والسماسرة.. فصار إنكشافهم كبير وكبير جداً.

يتهمون الناس ويرمون عليهم حرم العمالة والتآمر، فهم وحدهم خلقوا ونذروا للوطنية والتحرير ويقيدون إرادة ورغبة الشارع بضرورة فحص دم الوطنية اليومي،هذا من ناخية. ومن ناحية ثانية، بحجة التوافق الوطني ومنعاً للفتن الطائفية والمذهبية يصرون على تكليف من تآمر على المقاومة وغطّى على الفساد وساهم في منع محاكمة السارقين، إنها إزدواجية التعامل والتوتر والتخبط.

أما القضاء فيضرب في عقر داره تهجماً وإعتداء وإهانة من قبل مشرعين في البرلمان، ولا صوت يعلو مندداً خشية من زعلٍ وحردٍ مذهبي قد يجلب عليهم الإستحضار الأميركي والغربي.. إنها مأساة وضياع في سياسات مقفلة الإحكام.

ترمى تهم العمالة والتآمر على من ينتحر موتاً من ضائقة أو جوع ولا يجرؤ أحد منهم على تقديم ملفات الفساد ووقف سطوة المصارف بوضع يدها على أموال المودعين والموظفين.. فعن أي لبنان وبيئة حاضنة تتحدثون؟ وعن أي مستقبل لأبناء الشعب تبحثون؟ وكيف نبني لهذا المجتمع المتآكل تحصيناً يخرج منه المقاومون؟ إنها فعلاً مأساة لطبقة سياسية دينية وطوائفية بكليتها أثرت وشبعت وبطرت وتمزمز بالوحدة الوطنية والعيش المشترك وترفع نخب ضرورة التوافق بين الطوائف وتضرب كأساً بكأس بعد كل فتح أو حفر لبئر نفطي أو غازي.. كلا فلن تحكموا بعد اليوم.

 

 

 


*أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية


المصدر: مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية