كُتّاب الموقع
أميركا 2021: ترامب إلى الشّارع وطيفه لا يغادر البيت الأبيض

عبدالله محمد

الأربعاء 23 كانون لأول 2020

لم تستبعد بعض وسائل الإعلام أن يرفض ترامب إخلاء البيت الأبيض، مستنداً إلى مزاج شعبي ساهم بنفسه في صناعته منذ أشهر طويلة بالتشكيك في النظام الأميركي.
 
اختلف المراقبون قبل بدء الانتخابات الرئاسية الأميركية حول سلوك دونالد ترامب في حال خسارته. ورغم أن الرئيس المثير للاهتمام أعلن أنه سيحترم عملية انتقال السلطة، لكنه حرص على الإيحاء بأنَّ خضوعه هذا تمّ جبراً لا اختياراً، في وقت سرَّب الإعلام الأميركي سيناريوهات عن مخطّطاته ليوم التسلّم والتّسليم.
 
وما بين تفكيره في التغيّب عن مناسبة انتهاء ولايته، وانتقال جو بايدن إلى البيت الأبيض، وتحضيره لمهرجان سياسي في اليوم نفسه، لم تستبعد بعض وسائل الإعلام أن يرفض ترامب إخلاء البيت الأبيض، مستنداً إلى مزاج شعبي ساهم بنفسه في صناعته منذ أشهر طويلة بالتشكيك في النظام الأميركي.
 
في المقلب الآخر، يكاد خطاب بايدن منذ انتخابه لا يخلو من فكرة رئيسية يستهلّ بها كلامه: وحدة الشعب الأميركي، بل إنّ رموز الديموقراطيين، من مثل باراك أوباما ونانسي بيلوسي وهيلاري كلينتون، أكَّدوا الفكرة نفسها في تعليقهم على نتيجة الانتخابات، في تصريحات تؤشر إلى واقع انقسام الشارع الأميركي بحدّة هذه المرة، وبشكل غير مسبوق.
 
لماذا نجح ترامب في حشد نصف الأميركيين خلف شخصه، على الرغم من أنه لا ينال دعم جميع زملائه في الحزب الجمهوريّ؟ ولماذا يخشى بايدن وأوباما وكلينتون انقسام الشارع الأميركي سياسياً إلى هذه الدرجة؟ ما الذي تغيَّر في الولايات المتحدة؟
 
يمكن القول إنَّ وصول أول رئيس ملوّن إلى البيت الأبيض فتح كوة في الهالة التي تحيط بمنظومة الحكم الأميركي. لم يتلقَّف جميع الأميركيين وصول باراك أوباما “المختلف” باعتباره حدث تسامح، والدليل هو انتهاكات العنصريّة المستمرة والمتكررة، ثم حاولت هيلاري كلينتون أن تكون أول امرأة تحكم الولايات المتحدة. أدت خسارتها إلى خيبة أمل واسعة لدى جزء كبير من جمهور كان يمنّي النفس بأن يشهد تغييراً جذرياً على مستوى الحكم، في سمة جندريّة تنسحب على اتجاه ناجح في دول أخرى، كألمانيا ونيوزيلندا وغيرهما.
 
وبما أنَّ تجربة كل من أوباما، ومن ثم كلينتون، بشقّيها الناجح والخاسر، لم تحقّق التغيير الذي يطمح إليه كل شعب وتفرضه سنة الحياة والتاريخ، فإنّ ترشح ترامب إلى الرئاسة كان فعل “تمرد” منذ بدايته. هل تذكرون الأيام الأولى لإعلان ترامب نيته خوض الانتخابات؟ لم يحمله الكثيرون على محمل الجد. أصبح الرجل البرتقالي مادة للتندر في برامج الترفيه الأميركية. يمكن الركون إلى المؤثرين في الإعلام الأميركي، من مثل ستيفن كولبرت وجون ستيوارت وجيمي فالون وكونان أوبراين وجيمي كيميل، وتعليقاتهم يومها على ترشح ترامب القادم من خارج حسابات الجمهوريين أنفسهم.
 
طوال فترة حملته الانتخابيّة، حرص ترامب على تقديم نفسه كما هو، ومن دون ارتداء قفازات السياسة في واشنطن. وعلى الرغم من أنه لم يحظَ بالعدد الأكبر من الأصوات الانتخابية عند فوزه مقابل هيلاري كلينتون، فإنّ هزيمة المرأة التي تختصر الحلم الأميركي في وعي أنصارها، أحدثت خيبة وإحباطاً لم يمتصّه الديموقراطيون، وحملوه معهم حتى السباق الرئاسي الأخير.
 
بتنا أمام مشاهد متناقضة في الظاهر، ولكنَّها متكاملة في تأثيرها، وتوحّدها “الخيبة” و”الإحباط” من النظام الأميركيّ. خيبة وإحباط ديموقراطية، وخيبة وإحباط لدى الأقليات، وخيبة وإحباط زرعها ترامب في أنصاره، بداعي عدم قدرة النظام الأميركي على تحمّل “المختلف”.
 
هو المختلف هذه المرة. كرّر ترامب هذه الصورة الذهنية في أذهان الشعب الأميركي، على الرغم من عنصريّته الفاقعة التي لم تمنع أقليات كثيرة من الاقتراع له. باتت المعركة قضية رغبة في إحداث خرق عميق في النظام وإصلاحه، لا منافسة تقليدية بين الديموقراطيين والجمهوريين.
 
هذا هو سبب تلمّس الديموقراطيين والرئيس المنتخب خطورة الانقسام الشعبي، وهذا هو سبب مشاركة رموز في الحزب الجمهوري الخوف نفسه، وهذا هو ما يفسّر انتقاء ترامب لكلماته وشعاراته بعناية، فهو لم يعد يصوّب على الديموقراطيين، بل بات يصبّ جلّ تركيزه على النظام، ولا يترك فرصة من دون التشكيك في العملية الانتخابية، على الرغم من عدم وجود دليل قانوني واحد على صحّة ادعاءاته.
 
قد لا تظهر تبعات هذا الانقسام سريعاً في بلد تحكمه أعراف وشرائع عميقة، ولكنَّ المؤكّد أن ما زرعه ترامب في 4 سنوات، ستحصده الولايات المتحدة بأسرها في مدى منظور.
 
المصدر: الميادين