كُتّاب الموقع
ذبول "المعركة بين الحروب"

بن كسبيت

الخميس 31 تشرين الأول 2019

ما يقرب من ثلاث سنوات استمرت المعركة التي أطلق عليها في الجيش الإسرائيلي تسمية "المعركة بين الحروب"، وكان هدفها محدداً ودقيقاً: منع تمركز إيران في المنطقة السورية، وكبح تعاظم حزب الله "بوسائط إيرانية". وفي الأساس كل ما يرتبط بـ"مشروع الدقة".

في البداية تمّ الحفاظ عليها بتمويه كبير، ولاحقاً بدأ إسرائيليون يتكلمون، من قائد سلاح الجو مروراً برئيس الأركان وصولاً إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالتبجّح بكمية الهجمات المنسوبة "لإسرائيل" في المنطقة السورية، ثم بعد ذلك في الأراضي العراقية أيضاً.

الحقيقة حتى الآن، أن "المعركة بين الحروب" يبدو أنها بدأت تتراجع.. أو انقضى وقتها. الأخبار عن هجماتٍ غامضة ضد قوافل أسلحة أو منشآت بنى تحتية محسوبة على إيران، تضاءلت بالكامل تقريباً. هذا لا يعني أن هجوماً كهذا مستبعد حالياً، ومن شبه المؤكد أن ملامح هجمات من هذا النوع ممكن أن تظهر هنا أو هناك، لكن الجدول البياني لا يكذب: وبحسب المؤشرات، فقد انتهى عهد "المعركة بين الحروب" مثلما عرفناه منذ عام 2016. المؤسف أن احتمالات إحلال السلام مكان "المعركة بين الحروب" غير قائم، وعلى كل الأطراف أن يأملوا أن "حصيلة المعركة بين الحروب" لن تكون حرباً واسعة بين إسرائيل وإيران.

"المعركة بين الحروب" وصلت إلى نهاية الطريق، بحسب ما قال مصدر أمني إسرائيلي كبير سابق للمونيتور، "وذلك  لأسباب عديدة متراكمة: أولاً، نقل الأنشطة الإيرانية من سوريا إلى لبنان، علماً أن إسرائيل لا تهاجم في لبنان منذ أكثر من 13 عاماً.

ثانياً، الرسائل الروسية التي أصبحت "إشكالية" بالنسبة لإسرائيل.

ثالثاً، الثقة الإيرانية بالنفس تنبع من عدم الرد الأميركي، ومغادرة دونالد ترامب المتسرعة للمنطقة. إسرائيل تفهم أن استمرار "المعركة بين الحروب" تعني حرباً، وليس مؤكداً أنها ستكون في القدس، أو من سيتخذ قراراً كهذا الآن.

ما صرّح به المصدر الرفيع المستوى "للمونيتور" تختلف معه مصادر أخرى رفيعة المستوى في قيادة تحالف "أزرق أبيض".

رؤساء الأركان السابقين في الحزب مثل بيني غانتس، موشِه يعلون، وغابي أشكينازي، يخشون من أن الوضع السياسي الصعب لنتنياهو، إضافة إلى وضعه اليائس في المحاكمات الجنائية، سيحرران تحديداً آليات الكبح لنتنياهو وسينتجان كتلة حرجة تغيّر الـ"دي أن إيه" المعروف لنتنياهو، ما يُخشى من مغامرات أو من يأمل الخلاص بواسطة المغامرات.

أحد مسؤولي "أزرق أبيض" قال "للمونيتور" إنه "لا يجوز السماح لنتنياهو الآن بشدّ الحبل أكثر من اللازم، لأن الوضع حساس وقابل للانفجار أكثر من أي وقتٍ سابق، ونتنياهو مضطرب أكثر حالياً. إضافة إلى أنه لا يوجد إلى جانبه مجلس وزاري مصغّر ذي شأن..، علينا أن نكون كلنا قلقين جداً".

تزامناً، المعضلة العسكرية – السياسية الماثلة الآن أمام إسرائيل هامة: في عام 2017 "مشروع الدقة" للقذائف الصاروخية الذي يمتلكه حزب الله، كان نظرياً بالنسبة لهم فقط. إسرائيل هاجمت منشآته في سوريا، إضافة إلى قوافل كانت تنقل قذائف صاروخية من سوريا إلى لبنان، وعرقلت مهمته بصورة تامة. وقُدّر عدد القذائف الصاروخية الدقيقة التي يمتلكلها حزب الله قبل عام "بالمعدودة" أو بالعشرات.

وفي العام الجاري الوضع يتغير بسرعة، إسرائيل لا تهاجم في لبنان وإنتاج القذائف الصاروخية وتحويلها إلى دقيقة انتقل إلى هناك (لبنان)، السيد حسن نصر الله في طريقه إلى امتلاك ترسانة قذائف صاروخية دقيقة تصل إلى آلاف الوحدات.

وقال مصدر عسكري كبير "للمونيتور"إن "الحديث عن إخلال كلاسيكي بالتوازن. إذا أمكن حزب الله تحقيق إصابة دقيقة لقواعد الجيش الإسرائيلي، مثل مطارات سلاح الجو، أو مراكز الاستخبارات وتجمّعات القوة.. نحن في فيلمٍ مغايرٍ كلياً. ممنوع على إسرائيل أن تصل إلى هذا الوضع، الذي يُذكّر بالصواريخ المصرية المضادة للطيران في حرب يوم الغفران".

في 28/10/2019 أعلن نتنياهو، في تصريح علني، أن إيران نصبت مؤخراً صواريخ بعيدة المدى في الأراضي اليمنية أيضاً. في هذا السياق، قال مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى (للمونيتور)"إنهم يبذلون جهوداً كي يُنتجوا لنا جبهة 360 درجة.. إنهم ينجحون لأنهم قادرون حالياً على مهاجمتنا من كافة الاتجاهات تقريباً".

في غضون ذلك، يستعد كل الأطراف للمواجهة. ويقوم الجيش الإسرائيلي حالياً بـ"مواءمات" في الكشف والاعتراض والدفاع الجوي، والهدف تكثيف قدرة اعتراض صواريخ جوّالة وتحديدها مسبقاً، وهي قدرة ليست عالية في إسرائيل، وتركّزت طوال السنوات الأخيرة على اعتراض قذائف صاروخية وصواريخ منحنية.

القرارات التي من الممكن أن يتخذها صنّاع القرارات في القدس وبيروت في الأشهر القريبة المقبلة هي قرارات مصيرية. وفي هذه المرحلة، لا يوجد في أيٍّ من هاتين العاصمتين حكومة مُنتَخبة تؤدي وظيفتها، وهذه أيضاً مشكلة. الغموض وحده يمكن أن يفرض ضبط النفس على الطرفين، لكن أيضاً إنتاج فوضى.



المصدر: الميادين