كُتّاب الموقع
“الدرع السلافي”: إستطلاع بالنار

مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية

الأربعاء 13 تشرين الثاني 2019

شكلت روسيا وصربيا مجموعة دفاع جوي مشتركة في إطار مناوراتهما التي أطلق عليها إسم “الدرع السلافي – 2019” التي انطلقت في بلغراد ضمن تدريبات الجانبين على حماية العاصمة والمنطقة الصناعية الرئيسية، حيث أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن كتيبة من منظومات الـ “إس.400″، وبطارية “بانتسير إس” تم نقلهما إلى صربيا للمشاركة في تمرينات على الدفاع الجوي لأول مرة على أراضي دولة أجنبية.
 


سياسة البُعدين

يرتبط حكم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بنهج أسلافه من القياصرة الروس منذ فلاديمير الرهيب وبطرس الكبير ونيكولا الأول، النابعة من الحماسة المسيحية الشرقية وعمادها الكنيسة الأرثوذكسية، والقومية السلافية، إذ تعتمد روسيا على ثلاث ركائز أساسية وهي العقلية المحافظة، والأسلوب الروسي، والطريقة الأوراسية.

بحسب خبراء، تشهد خطابات الرئيس بوتين على اهتمامه بالعودة إلى المصادر العميقة للثقافة الروسية، وتطبيق مشروع “الإتحاد الأوراسي” لمواجهة الاتحاد الأوروبي، وحيث تأثر الرئيس بالنهج الفكري للفيلسوف ألكسندر دوغين، الذي يعد “العقل المدبر” والمؤسس للحركة الأوراسية.

ففي الآونة الأخيرة، إعتمدت روسيا على رسم وتثبيت أسس أيديولوجيتها الجديدة انطلاقاً من إحياء الفكرة “القومية الروسية” ببعديها الأرثوذكسي والسلافي، وإعطاء دور كبير للكنيسة تحت شعار “الدفاع عن القيم المسيحية ونقائها”، إذ تعتبر موسكو الأكثر تطوراً من الناحية الروحية لجميع الدول السلافية، التي هي متجذرة منذ القدم وأعيد إحياؤها أثناء حروب البلقان وخلال الحرب العالمية الأولى، لكن بطريقة وشكل أكثر إعتدالاً.

 


تنافس على البلقان

ترتبط روسيا وصربيا بعلاقات، ثنائية منذ العام 1838، إذ يعيش حوالي 3247 روسي فيها، و3510 مواطن صربي في روسيا، طبقا لآخر إحصائية نشرت في العام 2013. ففي الوقت الذي يسعى فيه الإتحاد الأوروبي لزيادة نفوذه في البلقان، تعمل روسيا جاهدة لتقوية روابطها في المنطقة، وهذا ما أثار اهتمام الإتحاد الأوروبي المتجدد في “فنائه الخلفي” الجنوبي مخاوف من تأثير موسكو المتصاعد في المنطقة، إذ تعتبر روسيا بأن صربيا هي حليفها الأكثر ثقة في أوروبا، وتقوم بالإستثمار فيها بكثافة ضمن مشاريع كبيرة خاصة في قطاع الطاقة.

وعلى الرغم من أن الإتحاد الأوروبي لا يزال الشريك التجاري الأكبر لصربيا، إلا أن الأخيرة تعتمد بشكل كبير على العتاد العسكري الروسي، إذ يدرك كل من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن صربيا لا تزال “الكبش الأسود” في غرب البلقان، حيث تراقب روسيا ظهرها بينما يسجل الإتحاد الأوروبي ما يفعله الرئيس الروسي في بلغراد.

إلى ذلك، تشير الكثير من المعلومات بأن هناك ما يقرب على 1000 شركة في صربيا مملوكة جزئياً أو كلياً للروس وبإيرادات تقدر بـ 5 مليار يورو، كما تظهر الدراسات أن معظم الصرب مؤيدون لروسيا ويعتبرون الإتحاد الأوروبي كياناً “غير مرغوب” فيه، إذ أنهم لا يزالون يتذكرون جيداً بأن القوى الغربية قصفت بلادهم بعنف، في العام 1999 أثناء الحرب مع يوغسلافيا.

 


إلتفاف روسي

في زيارة لها، توجهت رئيسة الوزراء الصربية، آنا برنابيتش، إلى موسكو من أجل توقيع اتفاقية تجارة حرة مع “الإتحاد الأوراسي”، والتي تعتبر مهمة اقتصادياً لكلا الطرفين؛ ولكنها في المقابل ترمي من وراءها أيضاً إلى تذكير كل من بروكسل وواشنطن، بأنه حينما يتعلق الأمر بالبلقان، فإن المؤسسات الغربية ليست الخيار الوحيد المتاح. فصربيا تربطها اتفاقيات تجارة حرة مع روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا والتي تعد الإقتصادات الثلاثة الأكبر ضمن هذا التكتل، الذي أنشأته موسكو ليكون بديلاً يجمع الدول التي كانت جزءاً من الإتحاد السوفياتي سابقاً.

في السابق، قيل لصربيا، مراراً وتكراراً، بأن عليها القيام بإنهاء أية اتفاقية تجارة حرة إذا أرادت الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وهو أمر يدركه المسؤولون في كل من بلغراد وموسكو، عند بدء مفاوضات الإنضمام في العام 2014 والتي لا يوجد ما يوحي على قرب انتهائها في القريب.

إن تقرير الاتحاد الأوروبي حول صربيا، للعام 2019، يشير إلى وجود العديد من الخطوات التي ينبغي على بلغراد القيام بها في كل المجالات التي تتم مناقشتها، لا سيما مسألة تطبيع العلاقات ما بين صربيا وكوسوفو الذي بقي موضوعاً شائكاً. وإضافة إلى ذلك، ليس هناك سبب يدعو الصرب إلى توقع “ترحيب حار” بها حتى إن قامت بكل ما تتطلبه عملية الإنضمام، والدليل على ذلك معارضة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لبدء المفاوضات ذاتها مع كل من مقدونيا الشمالية وألبانيا التي تؤكد رغبته في إبطاء عملية توسيع الإتحاد.

يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه وزارة الدفاع الروسية وصول أنظمة “إس.400” المتطورة المضادة للطائرات إلى صربيا من أجل القيام بمناورات عسكرية مشتركة. وإضافة إلى ما سبق، منحت روسيا صربيا مساعدات عسكرية شملت ست مقاتلات من طراز “ميج 29″، و30 دبابة، و30 مركبة مدرعة، حيث بلغت صادرات صربيا من روسيا، في العام 2018، ما يقارب على الـ 490 مليون دولار.

 


قلق أمريكي

عبَّر الممثل الأميركي الخاص لمنطقة غرب البلقان، ماثيو بالمر، عن قلقه إزاء احتمال حصول صربيا على أسلحة روسية متطورة، ليس فقط لجهة نشرها وإنما بسبب احتمال حصول صربيا على تلك المنظومات العسكرية. جاء ذلك بعد تلميح الرئيس الصربي، ألكسندر فوسيتش وخلال تفقده التدريبات، الى أن بلاده ترغب في امتلاك مثل هذه المنظومات الصاروخية.

إلى ذلك عبر بالمر عن أمله في أن تتوخى بلغراد “الحذر بخصوص عمليات مماثلة”، ملمحاً إلى أنها قد تنطوي على “خطر مراجعة نظام العقوبات” بحقها، مؤكداً على أن التعاون العسكري الوثيق بين بلاده وصربيا هو أكثر أهمية من كل ما فعله الروس لها، إذ ترى واشنطن أن نشر هذه الأسلحة الفائقة التطور سيكون بمثابة رسالة إلى حلف شمال الأطلسي – الناتو، لا سيما بعد شراء المنظومات نفسها من قبل تركيا في وقت سابق.

أخيراً وفي وقت تسعى فيه دول البلقان وراء عضوية كل من الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تسعى موسكو جاهدة لتُظهر أن البديل موجود، ليس لصربيا فقط، بل لمعظم دول البلقان التي توجد فيها أغلبية سلافية والتي تكن بغالبيتها الود لروسيا. فعودة موسكو لإنتزاع حلفائها من تحت عباءة الهيمنة الأمريكية يأتي من خلال إحياء طريقتين “العرق” و”الدين” وذلك من أجل مواجهة الأخطار والتحديات الحالية أو المستقبلية.





المصدر: مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية