كُتّاب الموقع
العراق ولبنان الوجه الآخر للربيع العربي ضد الفساد

سركيس أبوزيد

الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2019

في ظل المتغيرات التي حدثت وتحدث في المنطقة، نشهد اندلاعاً متجدداً للمظاهرات على الساحتين العراقية واللبنانية. واتساقا مع الدور الكبير الذي يمكن للعراق أن يؤديه وسط ھذه المتغيرات، تمر العملية السياسية العراقية بمنعطف ھو الأخطر على المستوى الوطني، يضع شرعيتھا وسيادتھا على المحك، ويفتح باب الجدل واسعا حول مصير النظام فيه، حيث تشھد الساحة العراقية تطورات سياسية وعسكرية متسارعة، قد تأخذ العراق إلى مرحلة فوضى طويلة الأمد تتسبب في القضاء على ما تبقى من دولة ومؤسسات. في المقابل، تفاعلت الشعوب العربية مع الإنتفاضة اللبنانية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وبرز ھذا التعاطف خصوصا عند العراقيين الذين أشاروا الى أوجه شبه بين البلدين اللذين يعانيان من الفساد والھدر.


فلم تكن السنتات على خدمة "واتساب" وأي خدمة صوتية أخرى ھي التي أطلقت الإنتفاضة في لبنان، تماما كما لم يكن إرتفاع الأسعار ھو الذي أخرج العراقيين، ومھما قيل عن أيادٍ خارجية حرّكت الشارع ھناك ومحاولات لإحراج العھد وأربابه ھنا، يبقى الفساد والھدر اللذان ينخران أركان الدولتين دافعين أساسيين وراء الإنتفاضتين الشعبيتين اللتين عكستا طفحا للكيل.


فثمة أوجه شبه بين إنتفاضتي العراق ولبنان، ويبرز بشكل خاص "عامل التوقيت" الواحد. ولكن ثمة فارق أساسي يتمثل في أن ما يحدث في العراق من صدامات عنيفة بين المتظاھرين وقوات الأمن خرج عن مساره المطلبي وتجاوز الإصلاحات، ليصيب بشظاياه ومباشرة نفوذ إيران ومصالحھا، فيما التظاھرات السلمية في لبنان لم تخرج عن عناوينھا الاقتصادية والاجتماعية، وغابت العناوين السياسية، بدءا من النزوح السوري وصولا الى سلاح حزب لله، عن ساحات الإعتصام والتظاھر، ولم تُسجل حملات أو حتى "إساءات" باتجاه حزب لله، ولم يأت أحد على ذكر إيران ما خلا بيانات ومواقف صادرة عن شخصيات وقوى سياسية، وھذا ليس بجديد.


وإذا كانت الوقائع في العراق ولبنان متشابھة الى حد كبير، ھل تسلك الإنتفاضة الشعبية في البلدين المسار نفسه وتلقى المصير ذاته، أم إن لكل بلد خصوصيته وظروف و"شارعه"؟!


في بيروت ساحة الشھداء وفي بغداد ساحة التحرير. وذروة الحضور في الساحتين تكون بعد ظھر كل يوم. المتظاھرون في لبنان يطالبون بحكومة تكنوقراط ويريدون إسقاط النظام. ھذا ما يردده المتظاھرون في العراق أيضا. لم تفلح الإجراءات والخطوات التي تقوم بھا السلطات العراقية في إمتصاص الغضب الجماھيري، مثلما لم تفلح وعود المسؤولين اللبنانيين، ولا حتى إستقالة الحكومة، في تھدئة الشارع واحتواء الحراك، السلطات في البلدين تراھن على عامل الوقت لتجاوز مشكلة الإحتجاجات الكبيرة، حيث تأمل أن يتسرّب الملل مع مرور الوقت الى المواطنين ويمنعھم من التواصل والحضور المنتظم الى الساحات العامة. والمتظاھرون في البلدين لديھم رغبة في توسيع الإحتجاجات وابتكار طرق جديدة وفتح جبھات أخرى، مثل العصيان المدني ومحاصرة مؤسسات الدولة وإعلان الإضراب العام، بعدما نجحت عملية قطع الطرق وشل حركة السكان بشكل عام وإرباك الدولة ومؤسساتھا.


في العراق كما في لبنان، دعوات الى وضع قانون انتخابات جديد والى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، والى قيام حكومة مستقلين واختصاصيين لإدارة مرحلة إنتقالية، ورغم البداية ذات الطابع المطلبي الخدماتي للمتظاھرين في العراق ولبنان لكنھا سرعان ما تحولت الى أكثر القضايا السياسية سخونة، في لبنان وُجھت إتھامات صريحة الى جھات متظاھرة بأن لھا إرتباطات سياسية ومالية بسفارات أميركا والسعودية. وفي العراق يجري الحديث عن مجموعة أوقفت وتضم لبنانيين وعراقيين مھمتھا تمويل عدد من المتظاھرين، وھي مرتبطة بإحدى الدول الخليجية.


يقول خبراء في السياسة الأميركية إن ھناك إختلافات كبيرة بين ما يجري في العراق وما يجري في لبنان، حيث أن البعض يحاول الربط بين الحراكين الشعبيين اللبناني والعراقي، ويقول إن محرّكھما أو داعمھما واحد خدمة لمخطط واحد. لكنھم يرون أن الوضع العراقي مختلف عن الوضع اللبناني، فھناك فريق من الشيعة العراقيين يتذمّرون من الوجود الإيراني في الحياة السياسية العراقية، بينما حزب لله في لبنان يؤكد صراحة إنتماءه الى ولاية الفقيه. وإذا صادف أن الحراك الشعبي يحصل في البلدين في الوقت نفسه، فإن ذلك لا يعني أنھما مُنسقان، فھناك حراك مماثل يحصل ھذه الأيام في بعض دول أميركا اللاتينية أيضا.


ويكرر الخبراء في السياسة الأميركية التأكيد في ھذا السياق أنھم لم يلاحظوا وجود أي رابط بين ما يجري في لبنان وما يجري في العراق، ويقولون إن الولايات المتحدة الأميركية تشجع أي عمل يضرّ بحزب لله في لبنان، ولكنھا على رغم ذلك لم تدخل بقوة على خط الحراك بھدف تغيير موازين القوى فيه. في حين أنھا في العراق تستخدم القوة لوجود فريق من الشيعة يُعارض الدور الإيراني في بلاد الرافدين، ولأنه تاريخيا لم تكن ھناك إختلافات كبيرة بين الشيعة والسنّة العراقيين، فيما يوجد الآن إتفاق بين فريق من ھؤلاء الشيعة وبين السنّة العراقيين على معارضة الدور الإيراني، الأمر الذي تشجعه الولايات المتحدة الأميركية، بحسب الخبراء.


وحتى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي تعاطى مع الإنتفاضتين في العراق ولبنان كساحة واحدة ومن خلفية إتھامية واحدة. قال خامنئي:" إن الولايات المتحدة وأجھزة المخابرات الغربية تعمل على زعزعة إستقرار لبنان والعراق، متھما الدول العربية بالتمويل، قبل أن يشبّه ضمنا ما يجري في العراق ولبنان باحتجاجات سابقة شھدتھا إيران وجرى إخمادھا". كلام خامنئي جاء في وقت تتعرض المصالح الإيرانية في العراق للتضييق والإستھداف.


ولكن حتى لو طغى الطابع "العفوي والمطلبي" على الإنتفاضة الشعبية في لبنان، فإن حزب لله غير متحسس لما يجري ولم يتردد أمينه العام السيد حسن نصرلله في إظھار توجسه وتحدث صراحة عن دور لسفارات وأجھزة مخابرات خارجية، وعن تمويل خارجي أو خليجي. فحزب لله لا يتعاطى مع منطلقات الثورة وأسبابھا، وإنما مع نتائجھا. وليس مھما عنده لماذا وصلنا الى ھنا، وإنما الى أين ذاھبون من ھنا وماذا بعد؟!  وإذا كانت منطلقات وأسباب الإنتفاضة الشعبية ھي مطالب إصلاحية واقتصادية واجتماعية محقة، فإن نتائجھا في نظر الحزب ھي سياسية واستراتيجية وتطرح وضعه ودوره في نھاية المطاف. ولعل أخطر ما في الأزمة الراھنة ھو تشابك خيوطھا الاقتصادية والسياسية، والداخلي بالإقليمي، في وقت بدأت المؤسسات المالية الدولية ترفع درجة النصائح والتحذيرات، وتلوّح بالتدخل. وبدأ المجتمع الدولي يعتبر أن لبنان وحده لم يعد قادرا على معالجة شؤونه وأزمته بعدما فشل في إدارتھا سابقا. فالمسؤولون في العراق ولبنان فشلوا في إجراء إصلاحات جدية تمتص غضب الشارعين العراقي واللبناني، فهم لم يقرأوا أو لا يريدون أن يقرأوا الواقع جيدا ولم يدركوا أن جيلا جديدا أصبح القوة الرابعة في العراق ولبنان وبدأ يفرض نفسه على الواقع السياسي.