كُتّاب الموقع
العلاقة الروسية - التركية وتواجدهما في سوريا

سركيس أبوزيد

الخميس 26 أيلول 2019

أرخت التطورات في الشرق الأوسط، وتحديداً المواجھة الأميركية - الإيرانية في الخليج في أعقاب الھجوم على "أرامكو"، والإتصالات الأميركية - التركية بعد إتفاقية غامضة حول المنطقة الآمنة في شمال سوريا، بظلال كثيفة على العلاقات التركية – الروسية يضاف إليها تحولات الموقف التركي في موضوع الملف السوري، فلم تكن التطورات الإقليمية والدولية وحيدة في تأثيراتھا على الموقف التركي في الملف السوري، بل دخلت عليه التأثيرات الداخلية، والتي يمكن رؤية أھمھا في صراعات النخبة الحاكمة من حزب العدالة والتنمية وتوجّه بعضھم لإقامة حزب جديد منافس، مما أضعف الحزب وعزز موقع المعارضة في الخريطة السياسية على نحو ما عبّر عنه فوزھا بمقعد رئاسة بلدية إسطنبول، وھي التي جعلت من الملف السوري وموضوع اللاجئين أحد عناوين صراعھا مع الحزب الحاكم.


كما ظھرت تغييرات واھتزازات في سياسات تركيا الداخلية والخارجية. في الداخل شكل التغيير الحاصل في معاملة اللاجئين السوريين أبرز مظاھر ھذا التحول. وفي الخارج شكلت التحرشات التركية في البحر المتوسط وفي عملية التنقيب عن النفط والغاز أبرز مظاھر ومؤشرات تصدير الأزمة الداخلية الى الخارج، وتحديدا الى البحر المتوسط في ملف الغاز والنفط، والى سوريا وحدودھا وشمالھا في ملف الأكراد الذي يؤرق الأتراك ويشكل أولوية عند أردوغان الذي ما زال يطمح الى وضع اليد على المنطقة الحدودية عبر مشروع المنطقة الآمنة واتفاق مع الأميركيين أو عبر إحتلال مباشر وعملية "درع فرات" جديدة.


ومؤخراً قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة طارئة إلى روسيا استوجبتھا التطورات الأخيرة في الشأن السوري عامة، وفي إدلب وريف حماة الشمالي بشكل خاص.

 
حاول أردوغان مجددا التأكيد على ضرورة التمسك بالإتفاقات والتفاھمات الخاصة بإدلب، ومنھا إتفاق منطقة خفض التصعيد الذي كان نتاجا لمباحثات آستانة واتفاق سوتشي بشأن المنطقة منزوعة السلاح، ومواصلة تھيئة الأجواء لنجاح مفاوضات الحل السياسي وتشكيل لجنة صياغة الدستور السوري.


 وفي حين تتطلع أنقرة إلى ضغط روسي لوقف تقدم قوات النظام، والعودة إلى مفاوضات لوضع ترتيبات للتعاون في المنطقة تقوم على أساس إتفاق سوتشي، فإن الجانب الروسي ينطلق من أن بحث الترتيبات الجديدة يجب أن يأخذ في الإعتبار التطورات الميدانية الجارية، في إشارة إلى أن موسكو تعارض إنسحاب القوات النظامية من المواقع التي شغلتھا أخيرا.


وفي ظل محاولة كل من الولايات المتحدة وروسيا كسب أنقرة إلى جانب كل منھما، بدت روسيا غير مستعدة لمزيد من تعقيد العلاقة مع تركيا، بل ظھر أنھا تنحو نحو تكريس التعاون والتنسيق معھا عبر تقديم عروض سخية للجانب التركي، وخاصة في مجال الصناعات الدفاعية. النھج الروسي يراعي محصّلة المحاولات الأميركية الحثيثة لإعادة تموضع أنقرة إلى حيث يكون أكثر إتساقا مع سياسات الولايات المتحدة وحلف "الناتو".


في المقابل يفيد تقرير دبلوماسي وارد من واشنطن أن الإتصالات التي يتولاھا المبعوث الأميركي جيمس جيفري للتوصل إلى تفاھمات إقليمية ودولية حول مستقبل الوضع في سوريا، قطعت أشواطا مھمة. ورغم أن عددا قليلا من الدول الأوروبية ترغب في إرسال قوات برية إلى سوريا، فإن الأمر ليس بھذا التعقيد ولن يؤثر على خطط الإدارة الأميركية، لأن العدد المطلوب لا يتجاوز 2000 جندي. في نفس الوقت، فقد تمكنت الولايات المتحدة من بناء جيش يقدّر بنحو 70 ألف مقاتل عماده الرئيسي القوات الكردية. ونجحت في فرض إستقرار معقول سياسيا وأمنيا واجتماعيا في مناطق شمال شرقي سوريا.


خبير في الشؤون التركية يقول:" إن العلاقات التركية -  الروسية تمرّ بوضع دقيق يحتاج إلى تفاھمات جديدة، إن استطاع بوتين وأردوغان إلى ذلك سبيلا". وجاءت بعض التطورات في الفترة الأخيرة لتضع ھذه العلاقات أمام إمتحان جديد وتحدّ واضح، لم يعد معه ممكنا لھذه الشراكة الطارئة أن تستمر كما ھي، بل بات عليھا أن تبحث عن مسارب جديدة تحول دون احتقان المياه وانفجارھا. فالتأزم المستجد في العلاقات التركية -  الروسية له عنوانان رئيسان:


1-    الوضع في شبه جزيرة القرم: فخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في أنقرة في السابع من آب، وصف أردوغان الوجود الروسي في شبه جزيرة القرم بأنه "إحتلال"، داعيا إلى إنسحاب الروس من ھناك وإعادة القرم إلى أوكرانيا. ولم يمرّ ھذا التصريح مرور الكرام حول قضية استراتيجية وحيوية جدا بالنسبة إلى روسيا، التي لم تقرأ في الموقف التركي عدم حيادية فقط، بل عداء.


2-    إتفاق المنطقة الآمنة بين تركيا والولايات المتحدة: في السابع من آب الماضي، أبرمت أنقرة إتفاقا طال انتظاره مع واشنطن على إقامة "منطقة آمنة" في شرقي الفرات. وكان رھان روسيا على أن تشتري موقفا تركيا مغايرا لموقف واشنطن في سوريا، عندما أعطت الضوء الأخضر لأنقرة للقيام بعملية "درع الفرات" و"غصن الزيتون" والمزيد من التوسع والتمركز في إدلب عبر ما يسمّى "نقاط المراقبة"، باعتبار العمليتين الأوليين إضعافا للقوى الكردية والدور الأميركي المحتضن لھا. لكن تركيا، في اتفاقھا مع الولايات المتحدة حول "المنطقة الآمنة"، أعادت خلط الأوراق بما يصبّ في مصلحتھا. وھذا لم يرُق لروسيا التي ترى اليوم في عودة التنسيق التركي مع أميركا ورقة ضغط وابتزاز ضدھا.


الرد الروسي لم يتأخر، ولا سيما أنه ينسجم، ھذه المرة، مع الإمتعاض السوري من التطورات، خصوصا في إدلب، والشعور العام في دمشق بأن موسكو تساير أردوغان أكثر من اللازم ومن دون أي نتائج لمصلحة الدولة والسيادة السورية.  يقول الكاتب التركي فھيم طاشتكين، في صحيفة "غازيتيه دوار":"إن روسيا غضت النظر عن إحتلال أردوغان لإدلب بمئة ألف "جھادي" مقابل صفقة صواريخ "أس  400 ". لكن إتفاق "المنطقة الآمنة" من الخطوات التي لا يمكن بوتين أن يبتلعھا، فكان الرد في إدلب وإطلاق حملة عسكرية واسعة إنتھت باستعادة خان شيخون، وإرسال رسالة بالنار إلى تركيا عندما قصفت الطائرات السورية والروسية قافلة عسكرية تركية كانت تتقدم لدعم المسلحين، وعندما وضعت نقطة المراقبة التركية رقم 9 في مورك تحت الحصار".


وفي القمة الثلاثية الروسية – التركية -  الإيرانية التي انعقدت مؤخراً في أنقرة وأعادت الإعتبار الى "محور أو مسار أستانة" الخاص بالأزمة السورية وإيجاد الحل السياسي بدءا من تشكيل اللجنة الدستورية، وفي المعلومات أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ركز على ضرورة إنجاز تركيا التزاماتھا، بموجب إتفاق سوتشي الموقع مع روسيا في 17 أيلول 2018، بينما سعى أردوغان إلى ضمان وقف ھجمات النظام السوري، والإمتناع عن إستھداف نقاط المراقبة التركية الإثنتي عشرة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي أقرت في مباحثات آستانة عام 2017.


في النهاية ورغم أن التقارب الروسي - التركي يمضي بوتائر سريعة للغاية، توجد خلافات ملحوظة جيدا بينھما، ومن ضمنھا المسار السوري. بعبارة أخرى، فإن تركيا تبقى رغم جميع الخلافات القائمة شريكا مھما لروسيا، وأياً تكن الحسابات والمواقف، تبقى قمة أنقرة مھمة في تحديد مسار الأوضاع، خصوصا أنھا تمھد لقمة تضم رؤساء روسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا وتتمحور حول ملفات المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين.