كُتّاب الموقع
دول النفط ومستقبل الطاقات البديلة

إعداد: مركز سيتا

الخميس 12 أيلول 2019

من الواضح أن مسألة التغير المناخي أصبحت هاجساً لدى العديد من دول العالم، خصوصاً مع الخوف الذي تنامى مع حرائق الأمازون، التي تعد “رئة العالم”، بالتزامن مع إزدياد في نسبة الإنبعاثات الكربونية. هذان السببان يعدان أساسيان في التأثير على نسبة الأوكسجين في الجو ومصادر إنتاجه الطبيعية.

من هنا، بدأ العالم ينظر بجدية إلى مسألة الطاقة البديلة. لكن اللافت في الأمر، توجه العديد من الدول النفطية العربية إلى تنفيذ مشاريع طاقة بديلة، لا سيما الشمسية منها، لأهداف عديدة، إقتصادية وبيئية.

أهمية الطاقة البديلة

الطاقة المتجددة هي المكون الذي يمكن إستخراجه من الطبيعة والإستفادة منه كحركة المياه والرياح والطاقة والشمس لخدمة المجتمعات عسكرياً وزراعياً وصناعياً، وتتميز هذه الطاقة بديمومتها وقلة تكلفتها وبصداقتها للبيئة على عكس مصادر الطاقة التقليدية التي تضر بكوكب الأرض.

إن فكرة الطاقة المتجددة هي من الأفكار القديمة والتي تسعى إليها الحكومات لما لها من أهمية كبرى، فهي تقلل من مخاطر المواد البترولية والمحروقات عموماً، كما وتعمل على توفير المتبقي من المواد البترولية. على سبيل المثال، يعد ضوء الشمس والحرارة الناتجة منها من مصادر الطاقة المتجددة، إضافة إلى قوة الرياح، واندفاع المياه الجارية سواء على مصارف الأنهار أو ممراتها، أو من البحار أو الشلالات.

إن ما يجعل الطاقة المتجددة مهمة في أيامنا هذه يعود إلى إمكانية استخدامها دون تلويث البيئة، ودون الإضرار بالغلاف الجوي ايضاً من خلال تقليل العوامل التي تؤدي إلى الإحتباس الحراري. ومن الناحية الإقتصادية، إن إستخدام هذه الطاقة سيعمل على توفير المواد البترولية للدول المنتجة له، الأمر الذي سينعكس على تراكم القطع الأجنبي بسبب عمليات التصدير، مما سيعود بالنفع على الدول المنتجة والتي يمكن أن تستخدم هذه العائدات في تسديد ديونها أو استثمارها أو شراء حاجياتها.

نمو عالمي للطلب

أصبح الطلب على الطاقة في العالم ينمو بسرعة ويعود السبب الرئيس إلى مسألتي “الإنفجار السكاني” والتقدم التكنولوجي. لذلك، من المهم للبشرية أن تتوجه نحو مصدر الطاقة البديلة والتي يمكن الإعتماد عليها لوجود ميزتين أساسيتين فيها وهما قلة الكلفة وديمومة الإستعمال.

وبسبب الطلب العالي على الطاقة، يمكن اعتبار أشعة الشمس من أهم المصادر، فهي مصدر واعد لحل المشاكل التي تتعلق بأزمة الطاقة مستقبلاً. فبحسب تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية في العام 2017، تعتبر الطاقة الشمسية المصدر الأسرع لتوليد الطاقة في العالم، ولأول مرة يتفوق فيها نمو الطاقة الشمسية على كل أنواع المصادر الأخرى، لذا فإن الحاجة لاستخدام الطاقة الشمسية ذاهبة إلى الإزدياد.

فتقنيات الطاقة الشمسية باتت تستخدم لإنتاج الكهرباء، الحرارة، الضوء، المياه الساخنة، وعمليات التدفئة والتبريد. كما أن هناك مجموعة متنوعة من التقنيات التي تم تطويرها للاستفادة من الطاقة الشمسية، ومن المؤكد أن صناعات الطاقة الشمسية ستكون أفضل خيار للطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل نظراً لجودتها الفائقة من حيث التوافر، كما أنها نظيفة وغير مضرة بالبيئة، فعاليتها من حيث التكلفة، سهولة الوصول إليها، والكفاءة العالية مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة الأخرى.

الخطة الشمسية 2030

وقع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مذكرة تفاهم مع “سوفت بنك” الياباني لإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، ووجه ولي العهد بالبدء بتنفيذ المشروع فوراً على أن يُنجز ضمن “رؤية 2030”. المشروع الأضخم في العالم يعمل على توليد 200 غيغاواط، كما شملت مذكرة التفاهم تجهيز محطتين شمسيتين، بحلول العام 2019، لتفي السعودية بالتزاماتها في تصدير الطاقة البديلة إلى العالم.

هذا المشروع سينتج نحو نصف القدرة الشمسية العالمية؛ كما أن مجمع الطاقة الشمسية الذي سيتم بناؤه، سيكون الأكبر في العالم من حيث المساحة أيضاً حيث تستطيع الألواح الشمسية للمشروع أن تغطي مساحة عواصم دول الإتحاد الأوروبي، تقريباً، كما يمكن مشاهدته من الفضاء لضخامته. كما تتضمن الخطة أيضاً تطوير وتصنيع الألواح الشمسية في المملكة، إذ أن هذا المشروع سيساهم بإستحداث 100 ألف وظيفة داخل السعودية، وسيساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي في المملكة بما يقدر بـ 12 مليار دولار، إلى جانب توفير ما يقارب 40 مليار دولار سنوياً عن طريق توفير حرق السوائل البترولية في إنتاج الكهرباء وتصديرها عوضاً عن ذلك.

تتمتع المملكة بميزات تنافسية في هذا المجال نظراً لتوفر سلاسل الإمداد للمواد الخام، مثل النحاس والسليكا والأسلاك المعدنية محلياً، حيث ستقوم السعودية بتوفير مادة السليكا عالية الجودة مجاناً للمشروع، وكل ذلك يضاف بطبيعة الحال إلى وفرة الطاقة الشمسية التي تنعم بها المملكة.

في هذا السياق، يقول المهندس السعودي فيصل الفضل، الأمين العام للمنتدى السعودي للأبنية الخضراء، بأن “طموحات المملكة العربية السعودية دون أدنى شك، برؤية خادم الحرمين وتنفيذ ولي العهد فاقت التوقعات، لأننا كنا نتحدث عن الرؤية على حوالي 10 – 40 ميغاوات أي بحلول العام 2040. الآن تغيرت المعادلة تماماً، والطموح توسع وأن السماء لا حدود لها، ومن المتوقع أن ذلك سيؤثر على الإقتصاد من الناحية الاقتصادية والإجتماعية، وهذا مصدر فخر لنا أن نصل لهذه المرحلة من إستيعاب الطاقة ليس فقط على مستوى السعودية بل على مستوى العالم.”

وعن أهمية هذا الإستثمار وتقليص البصمة الكربونية للمملكة وجعلها رائدة في هذا المجال عالمياً، يضيف الفضل “حددت المملكة في إتفاقية باريس للمناخ، أنها تتجنب سنوياً 130 مليون طن من الإنبعاثات الكربونية، وهذا الحجم يمثل حوالي 10% من دخل البترول، ومن الممكن القول إن هذا النوع من المشاريع بهذا الحجم يؤثر إيجاباً محلياً وعالمياً، ولكم أن تتخيلوا أن حجم هذا الإستثمار من الممكن أن يخدم حوالي 17 مليون منزل ويمده بالطاقة الشمسية، فالسعودية ستنتقل من أكبر مستهلك للبترول إلى أكبر مستفيد من الطاقة البديلة والنظيفة.”

هذا المشروع سيبني بنية تحتية متكاملة في السعودية، للذهاب إلى إستخدام الطاقة البديلة مع السنوات القادمة، فتنوع مصادر الطاقة وإختيار الطاقة الشمسية لشمولها 30% من الطاق النظيفة في العالم، وإحصائيات الأمم المتحدة حددت في ربط أهداف التنمية المستدامة وعددها 17 هدفاً، ومنها الهدف رقم 7 الذي يحدد إيجاد الطاقة النظيفة المتوفرة وبقيمة قليلة جداً، وهذا ما تعمل السعودية على توفيره للعام كله.

ولكن للأسف، جمدت الحكومة السعودية هذا المشروع بإعتباره “باهظ التكلفة”، حيث أشار أحد المسؤولين في قطاع الطاقة السعودي إلى أن “الجميع يتمنى أن تموت هذه الفكرة من أصلها”. وأفادت المصادر بأن المملكة تعكف، بدل تنفيذ المشروع، على وضع استراتيجية يرى مسؤولوها أنها أوسع نطاقاً وذات نهج عملي أكبر لتعزيز الطاقة المتجددة، على أن يعلن عنها ضمن خطة جديدة.

إستراتيجية “دبي 2050”

تهدف استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، التي أطلقها نائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد، إلى تنويع مصادر الطاقة في الإمارة وتوفير 7% من الطاقة في دبي من مصادر الطاقة النظيفة بحلول العام 2020، و25% بحلول العام 2030، و75% بحلول العام 2050. وتعد دبي المدينة الوحيدة في المنطقة التي تطلق مثل هذه الإستراتيجية الواعدة بمستهدفات محددة وبنطاق زمني يرسم ملامح مستقبل الطاقة حتى العام 2050.

وتتضمن الإستراتيجية 5 مسارات رئيسية: البنية التحتية، والبنية التشريعية، والتمويل، وبناء القدرات والكفاءات، وتوظيف مزيج الطاقة الصديق للبيئة. وتندرج تحت مسار البنية التحتية مبادرات مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي يعد أكبر مشروع للطاقة الشمسية على مستوى العالم في موقع واحد بطاقة تصل إلى 5000 ميجاوات بحلول العام 2030 وبإستثمارات تصل إلى 50 مليار درهم.

مشاريع واعدة

في العام 2018، أعلنت وزارة الكهرباء والماء عن ربط مشروع الشقايا للطاقة المتجددة بشبكة الكهرباء الوطنية، في خطوة مهمة للأمام، ما يدعو الى التفاؤل حول المشاريع المعلن عنها في خطة التنمية الوطنية.

فيما سبق، أحجمت الكويت عن تنفيذ تلك المشاريع لعدة أسباب أبرزها التكلفة العالية. ولكن مع تطور تكنولوجيا الطاقة المتجددة، والشمسية منها على وجه خاص، أدى إلى تلافي تلك المصاعب في تنفيذها وازدياد الثقة بها كمصدر طاقة مستدام وقابل للتطبيق في البيئة الصحراوية الجافة، حيث سيكون لها أثر إيجابي كبير على إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية، وتوفير عائدات مالية مهمة للخزينة، والأهم التوفير المتوقع والذي سيحصل في كميات النفط والغاز المستهلكة لا سيما في توليد الكهرباء.

من الغاز إلى الشمس

في العام 2018، أعلن رئيس المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء، عيسى الكواري، عن إنشاء أول محطة طاقة شمسية كبرى في البلاد، وذلك ضمن خطة تنويع مصادر إنتاج الطاقة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، لافتاً أن المناقصة ستطرح خلال العام 2019.

واللافت في الأمر، أن المشروع يقوم على استخدام تقنية الخلايا الكهروضوئية في المشروع، والهادف إلى زيادة نسبة إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. كما ستكون سعة الطاقة الشمسية للمشروع، في حدود الـ 700 ميغاوات. وتتضمن المرحلة الأولى، حتى العام 2020، إنتاج حوالي 350 ميغاوات من الكهرباء، ويدخل ضمن مشروع التنمية الوطنية 2018 – 2022، الهادف إلى تقليل الاعتماد وتوفير الغاز الطبيعي، وتقليل الانبعاثات الكربونية. إلى ذلك، ستتم مراعاة كافة الجوانب البيئية عند تخصيص أرض المشروع، الذي سيقام على مساحة 10 كلم مربع، غربي العاصمة القطرية – الدوحة.

أخيراً، يجب التعريج هنا على إتفاقية باريس للمناخ نظراً لما تضمنته المادة 1/21 منها التي تنص على أن “يبدأ نفاذ هذا الإتفاق من اليوم الثلاثين من تاريخ قيام ما لا يقل عن 55 طرفاً من الأطراف في الإتفاقية، يُعزى اليها في المجموع ما لا يقل عن 55% من اجمالي الإنبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة، بإيداع صكوك تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو إنضمامها.”

من هنا، نرى أهمية الضربة القاسية التي سددتها الولايات المتحدة للإتفاق، مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم، بخروجها منه وهي التي تنتج ما يقارب على 23% من مجموع الإنبعاثات العالمية لوحدها.

المصدر : سيتا