كُتّاب الموقع
في ثورة التواصل والاتّصالات الرّابعة ومؤثّراتها

د. حسن الشريف

الجمعة 11 تشرين الأول 2019

نشهد منذ مطلع القرن الحادي والعشرين انفجاراً هائلاً في تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات وتغيّرات فائقة التسارُع في تأثيراتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة وحتّى النفسيّة. وقد بدأت هذه التغيّرات المُتسارعة مع الانتشار التجاري للإنترنت، تلاها الانتشار الواسع للحاسوب المحمول ثمّ للهاتف النقّال، وتتوَّجت مؤخّراً بهذا الانتشار الشامل لوسائط التواصل الاجتماعيّ.

ولكنْ لماذا سُمّيت هذه التطوّرات ثورة التواصل والاتّصالات الرّابعة؟

إنّ من أهمّ ما يميّز الجنس البشري عن باقي الأجناس الحيّة هو قدرة الإنسان الفائقة على التواصل الاجتماعي "الذكي" مع مجتمعه، ما جعل الحضارة الإنسانيّة تتطوّر وترتقي. "فالتواصل المجتمعي" يعني تراكُم "المعرفة" في الزمان والمكان، و"نقلها" بين الأجيال وعبر المسافات؛ ما سمح للإنسانيّة البناء على ما سبق وإبداع المزيد.

كانت الثورة الأولى في التواصل – وفي تكنولوجيا الاتّصالات - هي تطوير "اللّغة" لتكون أداة تواصل فعّال بين أفراد المجتمع البشري ومجموعاته. وقد نلاحظ مثل هذه "القدرة الغريزيّة" لدى الأجناس الحيّة الأخرى، إلّا أنّها بقيت لدى الأجناس الأخرى كافّة محدودة في الزمان والمكان و"المفردات والمعاني"، ومحصورة بين المجموعات الصغيرة؛ في حين نجح الإنسان في تطويرها بشكلٍ هائل، في توسّعٍ كبير في المفردات والمعاني والأهداف، ما مكَّن من التواصل على امتداد الإنسانيّة بمجموعاتها المُختلفة. وإذا كان من غير المُمكن تحديد ما إذا كان "التفكير" قد سبق اللّغة، أم العكس، إلّا أنّ الترابُط بين قدرة الإنسان على التواصل وقدرته على التفكير، وبالتالي الارتقاء بالذكاء الاجتماعي، جعل اللّغة عاملاً حاسِماً في تطوير التفكير وفي التطوُّر الحضاري الإنساني.

لقد تطوَّرت مهارة اللّغة كثيراً مع تطوّر المستوطنات البشريّة، فظهر الشعر والأدب والفلسفة وغيرها من أساليب التعبير الفكري والعاطفي، وتوسَّع التواصل المتنوّع الأبعاد بين المجتمعات. لكنّ هذا التطوّر اللّغوي والفكري بقي شفهيّاً، مع ما في ذلك من تقييدٍ فعلي وعملي للتواصل عبر الزمان والمكان.

وبالتالي كانت الثورة الثانية في التواصل – وفي تكنولوجيا الاتّصالات - مع اختراع الكتابة.

من المعروف أنّ الإنسان سعى مبكّراً للتعبير عن أحاسيسه بالرسم على جدران المغارات والكهوف التي كان يسكنها؛ وكان من الطبيعي، ربّما، أن يسعى الإنسان الأوّل إلى نَوع من المُزاوجة بين وسائطه في التعبير، أي "اللّغة والرسم"؛ لهذا كانت الكتابات الأولى رسوماً رمزيّة معبّرة، كما في الهيلوغريفيّة والسومريّة... وذلك إلى أن كان الإبداع العظيم في اكتشاف الأبجديّة، قبل بضعة آلاف من السنين فقط. وقد ساعدَ اختراع الأحرف الأبجديّة كثيراً في تطوّر الكتابة ، كما ساعدت هذه "التكنولوجيا" في تطوّر اللّغة وفي تطوّر التواصل بين البشر، كتكنولوجيا اتّصالات أكثر فاعليّة.

كذلك لا بدّ من الإشارة هنا إلى اختراع الإنسان للعدد والحساب. وكان لتزاوج الحساب/ الرقم والكتابة نواتج هائلة في تطوّر الحضارة البشريّة وتقدّمها.

ونجحت "اللّغة المكتوبة" في أن تكون من أهمّ وسائط التواصل الاجتماعي عبر الزمان والمكان، وكذلك في "توثيق" المعلومة المنقولة وتثبيتها كمرجع في المعاملات البشريّة.

لكنّ "اللّغة المكتوبة" بقيت محدودة التداول، حكراً على مَن يجيدها، وجلّهم كانوا في دُور العبادة أو في "قصور الحُكم". وعلى الرّغم من نجاح اللّغة المكتوبة في توفير التواصل بين المجتمعات، إلّا أنّ أثرها الفعلي بقي محدوداً إلى أن جاءت ثورة التواصل الثالثة: المطبعة.

كانت المطبعة الأداة العمليّة في كسر احتكار المعرفة. فقد خرجت المعرفة من القصور والمَعابد إلى"الجامعات والمَدارس" والمَكتبات، ثمّ انتشرت كالنار في الهشيم لدى كلّ مَن كان قادراً على اقتناء الكِتاب. كانت "المطبعة" الأداة الفعليّة في كسر احتكار المَعرفة في الكنيسة، وفي إطلاق حركة التحرّر والتغيير الكنسي في أوروبا في مطلع عصر النهضة.

وكان من أهمّ تأثيرات المطبعة أيضاً، انتشار "الجرائد اليوميّة" المطبوعة التي توفِّر الخبر على أوسع نطاق شعبي وبأسعار رخيصة نسبيّاً. وأصبحت الجريدة اليوميّة الأداة الفعليّة في التواصل الإنساني والاجتماعي، وفي مختلف المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة...إلخ.

وجاء دَور "المُراسل الصحافي" الذي يلحق الخبر في مَصدره، ودَور "الناشر" – بخاصّة للجريدة اليوميّة - الذي يُدقِّق بالخبر قبل أن ينشره. أصبحت العادة الطبيعيّة، في معظم المُجتمعات، أن يبدأ الإنسان يومه بقراءة الجريدة مع قهوة الصباح. ولا داعٍ هنا للبحث في تأثير "المطبوعات الورقيّة" الهائل في مختلف المجالات في الحياة وفي كلّ المجتمعات الإنسانيّة. وازدادت تأثيرات "المطبوعة" مع التقدّم الاجتماعي والعِلمي، وأصبحت الأداة الرئيسة في "البحث" والتدقيق والتوثيق وفي مجالات الحياة كافّة.

وانتشرت "المَكتبات" على أنواعها تسهِّل وصول "القارئ" الراغب في الاطّلاع على ما يرغب من مَعارف منشورة. كما أصبح من السهل توفير "المطبوعات" على أوسع نطاق، وبأسعار ميسَّرة، بخاصّة للفئات الشعبيّة التي ازداد إقبالها على التعلّم واكتساب المَعرفة، لتحسين أوضاعها الاقتصاديّة والاجتماعيّة. إلى أن جاءت ثورة التواصل والاتّصالات الرابعة: الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعيّ.

لا شكّ في أنّ انتشار الإنترنت، ووسائط التواصل الاجتماعي بعد ذلك، والإقبال الهائل عليها من الجيل الرقمي الشابّ، قد غيَّر بشكلٍ جذريّ كلّ مَناحي الحياة، ولاسيّما تلك التي تعتمد على "المعلومة" و"المعرفة".

وقد جعلت هذه الأدوات من المُمكن لكلّ إنسان أن يكون مَصدرَ المعلومة، وناشرَها والمُدقِّقَ فيها، يقبلها أو يرفضها من دون رقيبٍ أو حسيب، وعمليّاً من دون أيّ ثمن، سواء أكان هذا الثمن ماليّاً أم اجتماعيّاً أم قانونيّاً. وقد فتحت هذه الأدوات الباب على مصراعَيه لكلّ أنواع "الاستفادة" و"التزييف" و"التمتّع" والبحث،... وكلّ ما شابه ذلك من النعوت والأفعال.

وهنالك أبحاث ومقالات عديدة تتحدّث عن مواصفات ثورة التواصل والاتّصالات الرّابعة، وميزاتها وفوائدها وسلبيّاتها، وسنكتفي هنا بنُبذٍ من ذلك.

وأهمّ آليّات ثورة الاتّصالات الرّابعة هي:

الإنترنت والحاسوب المحمول والهاتف النقّال؛
شبكات التواصل الاجتماعي، على أنواعها؛
قواعد وبنوك المعلومات الإلكترونيّة؛
آليّات البحث الإلكتروني التي تستطيع البحث عن "المعلومة" أينما كانت: على صفحات الإنترنت أو في أعماق بنوك المعلومات.
من تأثيرات هذه الثورة الإيجابيّة أنّها سهَّلت الوصول إلى المعلومة للجميع، أينما كانوا وفي أيّ وقت أرادوا. وقد سمحت هذه الآليّات أن تكون المعلومة من "إنتاج ونشر" أيّ كان، ولفائدة الجميع وخدمتهم من دون استثناء ( أو لضررهم!!). لكنّ حقيقة الأمر أنّ أصحاب شركات المعلومات الكبرى ومالكيها هُم الذين يوجِّهون كلّ حركة للمعلومة ويستفيدون منها بكلّ وسيلة مشروعة أو غير مشروعة.

وقد أَحدثت هذه الصفة لثورة التواصل والاتّصالات الرّابعة تأثيرات عميقة في كلّ مَظاهر الحياة وعلى امتداد الكوكب، وغيَّرت جذريّاً طُرق التعامل بين البشر على اختلاف أنواعها وأبعادها. فهي قد غيَّرت بعُمق أساليب الأعمال، بما في ذلك تطوير المُنتَج وإنتاجه، والترويج له وتسويقه وبَيعه، سواء بواسطة الإنترنت المباشرة أم في التجارة الإلكترونيّة. كما غيَّرت أساليب التعامل المباشر المُتفاعل بين الشركات والزبائن، وأسهمت في خلْق فرص أعمال "رقميّة جديدة"، من خلال وسائط التواصل الاجتماعي. كما أثَّرت في نماذج الأعمال Business Models، أي في كيفيّة إدارة الأعمال لتحقيق النجاح والربح...إلخ.

وهي قد أثَّرت بعُمق في المجالات الأخرى كافّة، بما في ذلك في تطوير التكنولوجيّات البازغة، وإيصالها إلى مرحلة الاستخدام التجاري، كتطوير المُنتَج وإنتاجه ورفْع كفاءته وإنتاجيّته ومردوده. وهي قد أثَّرت بشكلٍ جذريّ أيضاً على طُرق "إنتاج المعلومة"، وجمْعها، ومُراكمتها وتخزينها ثمّ استرجاعها والتشارُك بها، ما أثَّر بشكل عميق أيضاً على "قيمة المعلومة"، الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأدبيّة والثقافيّة، وحتّى القانونيّة. فكلّ معلومة "تُنتَج" في أيّ مَكان في العالَم، تنتشر فوراً وبسرعة الضوء إلى كلّ مَن يهتمّ بها ويرغب في الاستفادة منها. وهي غيَّرت بعمق أيضاً كلّ أساليب التعلّم والتعليم، من مرحلة رياض الأطفال - حيث أصبح الحويسيب المحمول tablet مُنتشراً بين الأطفال - مروراً بالمراحل الابتدائيّة والمتوسّطة- حيث أصبحت هذه الوسائط أداة ضروريّة للأستاذ والتلميذ - وصولاً إلى المرحلة الجامعيّة ، حيث غيَّرت بشكلٍ كامل كلّ أساليب البحث والتدقيق والتعبير.

ولا بدّ من لفْت النّظر إلى أنّ تأثيرات هذه التكنولوجيا السياسيّة أصبحت واضحة في أكثر من دولة ومجتمع، من "الربيع العربي"، إلى دَور الشباب في انتخاب أوباما في الولايات المتّحدة، إلى التدخّل "الرقمي - الإلكتروني" لروسيا في انتخابات العديد من الدول، ومن بينها الولايات المتّحدة.

ومن تأثيراتها الاجتماعيّة والثقافيّة، إعادة العلاقات بين الأصدقاء القدماء عبر الكوكب، وقيام علاقات "صداقة رقميّة" بين مجموعات لا تعرف بعضها "فعليّاً وإنسانيّاً"، وانتشار "ثقافة المجتمع الرقمي" التي أصبحت نَوعاً من الإدمان لدى العديد من المُراهقين.

بعض السلبيّات التي تُرافِق ثورة التواصل والاتّصالات الرّابعة

من أهمّ السلبيّات التي تؤثِّر كثيراً في المجتمعات التي انتشرت فيها تطبيقات هذه الثورة:

1- فقدان الموثوقيّة والمصداقيّة: مع ترْك المجال لكلّ مُستخدِم، مهما كانت قدراته ومهما كانت غاياته، أن ينشر ما يريد من أخبار، بل أن يفتعل هذه الأخبار ويفبركها - بالصوت والصورة والفديو - فَقدت "المعلومة" المنشورة صدقيّتها وموثوقيّتها ومرجعيّتها. وأصبح على كلّ مُستخدِم أن يدقِّق بذاته بصلاحيّة المعلومة وصدقيّتها. وتأتينا الأخبار باستمرار عمّا يُنشَر على شبكات التواصل الاجتماعي ممّا هو مزيَّف ومُفبرَك، وليس من رقيبٍ ولا حسيب.

2- زيادة "الجرائم السبرانيّة": فكلّ "خبير" بالحاسوب وبرمجيّاته، قد يستطيع الاستفادة من هذه الخبرة "باختراق" كلّ حسابات الآخرين، والتصرّف بها كما يشاء، بغضّ النّظر عن كلّ آليّات الحماية التي يُمكن للمُستخدِم أن يضعها على حسابه.

نحن نسمع بأنّ مليارات الدولارات تُسرَق سنويّاً من الحسابات المصرفيّة الإلكترونيّة، كما نسمع عن عمليّات "التخريب" التي تتمّ على بعض الحسابات المهمّة التي تؤثِّر بشدّة على حياة الناس، بما في ذلك على الكثير من البنى التحتيّة التي أصبحت في كثير من الدول تعتمد كليّاً على الإنترنت؛ وسيزيد ذلك بشكل واسع مع انتشار إنترنت الأشياء، Internet of things.

ومُصطلحا "الحرب السبرانيّة" و"الإرهاب السبراني" أصبحا مُنتشرَين بتأثيراتهما السلبيّة، وليس آخر ذلك ما ذكر عن شركة هواوي الصينيّة، وقدرات "الجيل الخامس G5" الذي تروّجه، على اختراق الحسابات كلّها.

3- اختراق خصوصيّات الناس: من قِبَل المتحكّمين بشبكات التواصل الاجتماعي، واستحواذهم على المعلومات الشخصيّة التي وضعها صاحب الحساب الفرد على حسابه عمداً، أو غير عمد، واستخدامهم لهذه المعلومات، بل حتّى بيعها لمَن يدفع ثمنها تجاريّاً أو أمنيّاً. و"الاستجوابات" التي جرت مع صاحب فايس بوك Facebook ، أكَّدت كلّها على اعتراف صاحب فايس بوك بكلّ احتمالات الاختراق الشخصي، وباستفادة الشركات التجاريّة والأمنيّة من المعلومات التي يُمكن جمعها.

4- التغيير الجذريّ في العلاقات الإنسانيّة والمجتمعيّة: وعلى الرّغم من أنّ بداية ذلك كانت مع انتشار التلفزة، إلّا أنّها تسارعت بشكلٍ مُرعب مع انتشار وسائط التواصل الاجتماعي. فالإحصاءات العالَميّة تُشير إلى انقطاع "الجيل الرقمي" عن كلّ ما من حوله، وتمضيته الساعات الطوال في التواصل على هاتفه النقّال، بعيداً عن العلاقات الإنسانيّة المباشرة. وحتّى الجمعيّات العِلميّة والمهنيّة أخذت تتحوّل في معظم المجتمعات إلى جمعيّات رقميّة إلكترونيّة، بدلاً من تركيزها على الأنشطة الإنسانيّة التي كان لها التأثير الكبير في التعارُف والتشارُك بين أعضائها.

نحن نتعرَّف أكثر فأكثر على مَن يتواصل مع زميلٍ له في آخر العالَم، مُهملِاً مَن يُجالسه في المنزل نفسه أو في المكتب، أو على الطاولة نفسها.

5- التغيير الجذريّ في طريقة "التفكير" و"البحث": فقد أصبح التفكير يرتكز على ما يُمكن تحصيله من الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي؛ قلّة هُم الذين يعملون على استيعاب المعلومة عند الحصول عليها، وتحليلها ومُراكمتها وتطويرها، كما يَفترض التفكير التقليدي. بل أصبح الاعتماد يرتكز على "وفرة المعلومات" وكيفيّة "الانتقاء بينها" والاستفادة منها، وليس على التحليل والتدقيق في موثوقيّة المعلومة وصدقيّتها وكيفيّة الاستفادة منها وتطويرها.

وقد نتج عن كلّ ذلك تأثيرٌ هائل في العلاقات المهنيّة والعِلميّة من حيث التشارُك في الأفكار، وتبادلها وتطويرها...إلخ. وفوق ذلك كلّه، حدث تغيير في عمل دماغ كلّ فرد من أبناء الجيل الرقمي الأصيلnative digital، فهؤلاء غيَّروا بشكلٍ ملحوظ في عمليّة التفكير لديهم. فيما كانت الميزة الأولى للذكاء المجتمعي هي "الذاكرة" وكيفيّة استرجاع "المعلومة" المخزَّنة في عمق الدماغ البشري، أصبحت المهارة الأهمّ هي في كيفيّة استخدام محرّكات البحث للوصول إلى المعلومة من المخزون الهائل من المعلومات "المحدّثة باستمرار" في بنوك المعلومات التي يسهل الوصول إليها بمحرّكات البحث. وقد ارتبط بذلك، ولدى الكثيرين، بتغيّرٍ جذريّ في كيفيّة مُقارَبة الإشكالات وحلّها Problem Solving Approach، وهو ما يُمكن كتابة المقالات العديدة عنه.

كذلك أصبح البحث يعتمد بشكلٍ كامل على محرّكات البحث الإلكترونيّة، وقلّة نادرة من الباحثين تذهب إلى المَكتبات التقليديّة ذات المطبوعات الورقيّة.

ويشكو عددٌ من المؤسّسات العِلميّة من ظاهرة "السرقات الإلكترونيّة"، ومُقارَبة "إقطع وألصق" cut and paste حتّى في الأوراق العِلميّة المنشورة في مجلّات محكّمة. وهنالك العديد من البرمجيّات التي طُوِّرت "لتكتشف" مثل هذه السرقات وتردع أصحابها. وهنالك مؤتمرات عديدة عُقدت حول "السرقات العِلميّة الإلكترونيّة" تدعو للالتزام بمواثيق شرف بين الباحثين العِلميّين لمُحارَبة هذه الظاهرة.

وقد أدّى ذلك كلّه إلى فقدان التوجّه نحو الإبداع والابتكار الذي يعتمد على التفكير الذاتي. وبالطبع فهذا ليس شاملاً، إلّا أنّ القلّة النادرة من "الجيل الرقمي"، هي التي تبحث عن الإبداع "خارج الحاسوب والبرمجيّات" وتطبيقاتها. ويستطيع المرء أن يستفيض كثيراً في الإيجابيّات والسلبيّات وتداعياتها، لكنّ الواقع يشير إلى أنّ التطوّر التكنولوجي "يستمرّ"، يإيجابيّاته وسلبيّاته. وكذلك فالإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي ستستمرّ في تطوير ثورة التواصل والاتّصالات الرّابعة، وسيزداد تأثيرها؛ وعلى المجتمعات المَعنيَّة أن تُلاحِق تداعياتها السلبيّة وأن تعمل على تخفيفها، مع التأكيد على الاستفادة من الفوائد الجمّة التي تجنيها من هذا التطوّر.

 باحث ومُترجِم من لبنان