كُتّاب الموقع
الاقتصاد والعولمة

منصور عازار

الثلاثاء 20 آب 2019

حين نقول أن العلم قد صار بدوره قوة إنتاجية مباشرة, فإننا لانعدو الحقيقة كما يثبتها  الاقتصاد الكوني الزاحف تحت شعارات العولمة، ونصيبنا من هذه العولمة ما يعرف باقتصاد السوق من خلال الاقتصاد الشرق أوسطي، الذي يضغط في الوقت الحاضر من أجل تحقيق تسويات سياسية ترمي إلى إنهاء النزاع العربي –الإسرائيلي، كي تنطلق الشركات العابرة للقارات في تحقيق مشروعاتها الضخمة متخطية الحدود الإقليمية والمصالح القومية للأمم.


ومع إقرارنا بالحقيقة التي يثبتها اكتشاف كنه قوانين العصر من أن العلم يعتبر قوة انتاجية، لابد من متابعة المنطق الصحيح وهو أن تلك الحقيقة تستدعي أن يكون العلم –بصفته قوة منتجة- خاضعاً في التحليل والتعامل لمقتضيات قوانين علم الاقتصاد وهنا العقدة الصعبة.


هذا العلم الذي وضع في متناول الإنسان القدرة على تطوير الانتاج وتحسينه , بل وعلى إيجاد إنتاجية لم تكن موجودة قبلاً , صار ممكنا التعامل معه على اساس انه قوة منتجة , ومعنى ذلك ان الرأسمال وجهد  والعامل لم يعودا وحدهما الشريكان في الانتاج , إذ هناك العلم , الذي صار صناعة هي ( صناعة المعرفة ) إلى جانب صناعة السلع الاستهلاكية كما إلى جانب الزراعة . وبكلمةأخرى يمكن القول إن العلم سلعة قابلة للأنتاج والتسويق والمبادلة .


الدول الرأسمالية المتقدمة أدركت منذ بداية النصف الثاني من هذا القرن أن المصانع والحركة الرأسمالي العالمي لم تعد وحدها قادرة على الإمساك بزمام السيطرة والنفوذ , وبدأت تصدر إلى العالم الثالث بعض صناعتها . صناعة السيارات مثلاً , التي ظلت لأكثر من قرن حكراً لأوربا وأميركا صارت متاحة لبلدان كثيرة شرقاً وغرباً عن طريق تحرك الرأسمال إلى الخارج والمشاركة في الأنتاج سعياً وراء اليد العاملة الأرخص ولتوفير كلفة شحن ونقل المواد  الخام . وقد أدت عمليات المشاركة أو التنازل عن حق الإنتاج إلى إرضاء شعوب كانت في المرتبة الثانية والثالثة _ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً _ الأمر الذي اتاح نقل المعرفة . لكن تلك الدول أحتفظت لنفسها بأسرار الذرة والإلكترونيات الدقيقة وكل مايتعلق باختراعات وعلوم ( حرب النجوم ) مما سهل لها السيطرة على علوم الفضاء وعلوم ( المعلومات ) .


يوم لم يفكر أحد من قادة هذه الأمة المسكين بزمام القيادة والصدارة بالمستقبل الاقتصادي , تنبه سعادة إلى خطورة الموضوع . في أيار من العام 1947 _ أي قبل أكثر  من نصف قرن قال إن الاستقلال السياسي لا يكون إستقلالاً صحيحاً مالم يثبت على قواعد اقتصادية – اجتماعية – سياسية متينة .


فما هي القواعد المتينة في الاقتصاد والاجتماع والسياسة ؟ إنها القواعد التي تقوم على العلم طبعاً . والعلم ليس قوالب جامدة بل حياة متطورة وممارسة وفكر خلاق لا يتوقف .


لقد ترك لنا سعادة تراثاً ضخماً والمطلوب من رجال النهضة متابعة المسيرة . كان لابد من ترسيخ المبادئ الأساسية والإصلاحية التي تعتبر القاعدة لأي عمل يمكن أن يتم داخل صفوف النهضة أو من خلالها , والتوجيهات كلها تدور حول تلك المبادئ التي تفرض على القوميين الاجتماعيين الاجتهاد في البحث ضمن الخطوط الواضحة .


صحيح أن سعادة لم يخض في تفاصيل أهمية العلم أو علاقته بالتقدم الاقتصادي , وبالأحرى , ضرورة العلم في بناء اقتصاد حر ومستقل ويقوم لحماية مصالح الأمة والوطن دون أن يتنكر للعلاقات الإقليمية والدولية . لكنه وضع الضوابط وحدد الاتجاهات وبين أهمية ذلك كله , وفاجأته المؤامرة قبل أن يتمكن من تحقيق ماأعلن من أنه سف يشرح مفهوم الاقتصاد بتفصيل أكبر .


هكذا نفهم الاقتصاد , وهكذا نفهم ترابط الاقتصاد بالعلم . القواعد الأساسية لقيام نهضة زراعية أو صناعية هي قواعد العلم التطبيقي ومواكبة تطورات العلم على كل صعيد . وحين نربط هذا كله بما عناه سعاده حين أكد أن ( العلم قوة ) ندرك مدى شفافية الزعامة التاريخية التي تستشف مستقبل الأمة على ضوء العقل والتراث وتستوعب القوة الكامنة في الطليعة التي أراد .




*نُشر في مجلة تحولات - العدد \1  \ -  تموز -  2005