كُتّاب الموقع
ويحدّثونك عن لوبي سعودي في أميركا

سراج عاصي

الأربعاء 26 حزيران 2019

صوّت مجلس الشيوخ الأميركي على قرار يوصي بتجميد صفقة مبيعات سلاح للسعودية والإمارات، متحدياً بذلك إرادة البيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب. ما يشكّل صفعة للّوبي السعودي في واشنطن، ولا سيما أنه يأتي بعد أقل من شهر من تصويت الكونغرس على قرار مماثل بوقف الدعم العسكري، الذي تقدمه الولايات المتحدة للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، في مقابل تصويته بأغلبية كبيرة لصالح صفقة مبيعات سلاح لقطر.

لا يخفى على المتابع لحرب اللوبيات في واشنطن، أنّ ما يسمى اللوبي السعودي ليس سوى محاكاة كاريكاتورية للوبي الإسرائيلي المتمثل في لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، هذا إذا افترضنا أن هناك شيئاً اسمه اللوبي السعودي. ويعود ذلك إلى فرق جوهري بين الاثنين: السعوديون يخاطبون الرئيس، في حين تخاطب "إيباك" الرئيس والكونغرس معاً. و"إيباك" مؤسساتية وذات قاعدة شعبية وانتخابية واسعة في الولايات الأميركية الخمسين، أما عمل اللوبي السعودي فيكاد لا يتجاوز حجز جناح رئاسي في برج ترامب والتقاط الصور التذكارية مع صهره جاريد كوشنر.

تفاخر الرئيس التنفيذي السابق لـ "إيباك" ستيفن روزن، يوماً بأنه يمكنه أن يتناول منديلاً ورقياً عن أيّ طاولة في مجلس الشيوخ، ويجعل عشرات من أعضاء المجلس يوقعون عليه دعماً لقضية أو أخرى. ليس في هذا الوصف مبالغة، فعدد لا يستهان به من أعضاء مجلسي الكونغرس مدين لـ "إيباك" بمناصبهم، وفي مقدمتهم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، متش مكونيل، الذي التقى بمسؤولين في إيباك عام 1984، بعد فوزه بشق الأنفس عن المرشح المدعوم من "إيباك" الديمقراطي والتر هدلستون، وقال لهم: "دعوني أكُن واضحاً جداً، ما الذي يمكنني القيام به للتأكد من أنني في المرة المقبلة سوف أحصل على دعم المجتمع اليهودي؟". وحفل استقبال مؤتمر "إيباك" السنوي في واشنطن، يحضره سياسيون وصناع قرار أكثر من أي حدث آخر، ويشمل ذلك الرئيس الأميركي ونائبه، وزعماء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ.

هو فرق بنيوي بين مؤسسة وأفراد. تمتلك "إيباك" أكثر من مئة ألف عضو وشبكة من نحو عشرين مكتباً إقليمياً ومجموعة هائلة من الجهات المانحة، فيما اللوبي السعودي وضع كلّ رهاناته على حصاني ترامب وكوشنر. بعبارة أخرى، تتعامل "إيباك" مع النظام الأميركي بوصفه نظاماً ديمقراطياً تحكمه مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية.


 أما "اللوبي السعودي" فيتعامل مع النظام الأميركي وكأنه أوليغاركية تتكون من عائلة الرئيس وصهره وحاشيته. أو بعبارة أكثر تشخيصاً، ينظر إلى النظام الأميركي كأنه صورة مرآتية لنفسه. ويفتقر إلى استراتيجية عمل واضحة.


 على سبيل المثال، في حين يتخبط اللوبي العربي بشأن كيفية إغداق الأموال على المسؤولين الأميركيين، من دون انتهاك القانون الأميركي (أو من دون الاعتماد على تحويلات مالية مشبوهة، من حسابات سعودية لحساب سرّي لجاريد كوشنر في جزر كايمان)، فإنّ "إيباك" لا تجمع الأموال مباشرة، ومن ثم من الصعب تتبع قيمة الأموال التي تقدم للمرشحين السياسيين في الولايات المتحدة.


كما تحظى مقترحات "إيباك" بدعم الحزبين في عملية صناعة القرار في واشنطن، بدءاً بقوانين الميزانية والدعم العسكري والمالي وضمان التفوق النوعي لإسرائيل، مروراً بقوانين مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) في مجلسي الكونغرس، وصولاً إلى قرارات التصويت لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة. في المقابل، يكفي النظر إلى حجم المعارضة للسعودية في مجلسي النواب والشيوخ لندرك كيف ينظر الكونغرس، بحزبيه، إلى السعودية وولي عهدها.

لعلّ نفوذ "إيباك" لا يختلف في جوهره عن جماعات الضغط الأخرى في واشنطن، مثل لوبيات السلاح، البنوك، الدفاع، أو شركات الطاقة، غير أنّ قصة صعوده أشبه بدراما هوليوودية. كان ذلك في بداية الستينيات، حين بدأت "إيباك" مع تسعة يهود في مدينة صغيرة في ولاية تكساس، ثم أخذت تتوسع من خلال تشكيل مؤتمرات حزبية في الكونغرس، حتى أصبحت اللوبي الأكبر نفوذاً في واشنطن بعد لوبي السلاح.


 في المقابل، يبدو اللوبي السعودي كمن يريد أن ينجز في يوم واحد ما استغرقت "إيباك" خمسة عقود لإنجازه.


وقصة هذا اللوبي في الولايات المتحدة أشبه بتراجيديا يونانية، من الصعود إلى الهبوط نحو العبث. بدأ حركة مناهضة لإسرائيل وصلت أوجها في خضمّ أزمة النفط عام 1973، حين أعلن أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول (أوبك) حظراً نفطياً لدفع الولايات المتحدة إلى إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967.


 ثم أخذ اللوبي السعودي يتخبط، يتآمر والإمارات على حلفائه الخليجيين، حتى عاد من دون قضية تربطه، وما إن طلعت إسرائيل بفزاعة إيران، حتى هرول وارتمى في حضن "إيباك". وهذا ما قصده نتنياهو بقوله "العرب معنا".


محمد بن سلمان، تفاخر بأنّ "كوشنر في جيبي"، في حين كان الأحرى به أن يخبرنا كيف أصبحت السعودية في جيب "إيباك"، بل أكثر "إيبيكية" من "إيباك" نفسها؟

تأيْبكَ اللوبي السعودي إيديولوجياً، غير أنه استراتيجياً، لا يعدو أن يكون سوى أجهزة صرف آليةٍ تمشي على قدمين، حيث تترنح صفقات السلاح السعودية بين الكونغرس والبيت الأبيض، في حين يتكفل دافع الضرائب الأميركي بسدّ فاتورة الدعم العسكري لإسرائيل بما يتجاوز 40 مليار دولار خلال العقد المقبل.

أمام اللوبي السعودي الكثير لتعلمه. وحتى ذلك الحين، لا نملك سوى أن نترحّم على الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، حين التقى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، قبل أكثر من نصف قرن، على متن الطراد كوينسي في قلب البحيرة المُرة الكبرى في قناة السويس، وقال له: "العرب والصهيونية لن يتعاونا أبداً، لا في فلسطين ولا في أي دولة أخرى".




المصدر: العربي الجديد