كُتّاب الموقع
وقائع داعشية

د. حياة الحويك عطية

الأربعاء 12 تموز 2017

د. حياة الحويك عطية



أربعة وقائع يفرضها نجاح القوات العراقية في تخليص الموصل من تنظيم داعش :


الاولى أن هذا الانتصار العسكري ليس نهاية التنظيم كوجود ارهابي مقاتل.


 الثاني أن هذه النهاية لم تأت إلا على أنقاض مدينة مدمرة بالكامل، عمرانيا وبشريا واقتصاديا.


 الثالث أن داعش ليس التنظيم الارهابي الوحيد الفاعل على الآراضي السورية العراقية، وليس الآخرون بأقل خطر منه، خاصة جبهة النصرة.


 الرابع، وربما الأهم، أن التنظيم والارهاب الأصولي كله، ليسوا مجرد فرقة عسكرية تحاول تنظيم التوحش، بل هو توحش فكري روحي مرتبط بالمقدس يحفر عميقا في كيان الآلاف من البشر ولا تؤدي الهزيمة العسكرية إلا الى المزيد من تجذره وحقده.


من هنا، ربما يجد المرء نفسه، وللمرة الأولى متفقا مع التوصيف الاميركي الذي جاء على لسان الرئيس ووزير الخارجية، حيث وصفا الإنجاز بـ "خطوة" و "مؤشر". لكن لتبرز مباشرة جملة أسئلة: هل كان من الممكن أن نرى داعش في الموصل لولا الاحتلال الاميركي للعراق وحصاره لسنوات قبل ذلك؟ هل كان إنشاء داعش وتشكلها بعيدا عن السجون الاميركية في العراق وعن دعم الذين يساندون مخططات كل من يقف وراء الاحتلال؟ لماذا تركت الموصل لداعش ، سلمت إليه عروسا عامرة، واليوم تستعاد منه ركاما بشريا وعمرانيا دون أن يُحاسب من سلمها؟ من الذي سيعيد إعمار الموصل؟ أهي الشركات المتعددة الجنسيات أم الدول المندرجة فيها، هؤلاء الذين يمولون الدمار ليعودوا فيمولوا إعادة الإعمار والمال يأتي من ثروات البلدان المعنية ... ننهبكم لندمركم وننهبكم لنبنيكم ، والأخطر أننا نبني وفق رؤية جديدة تكرس هيمنة أرباب السوق وتكرس ما يخدم هذه الهيمنة من كسر الناس وتشظيهم الى هويات فرعية تعمق الأحقاد تباعدها، إن لم نقل العداء بينها، يخاف احدها الآخر ويلجأ كل منها الى حماية أجنبية مختلفة تقضي كليا على مفهوم السيادة والمصلحة الوطنيتين، على مفهوم المواطن الذي يتحول الى عامل مستعبد ومستهلك مفرغ.


كل ذلك يعمق القهر، يعمق الكبت، يعمق الجهل والتطرف، يعمق الإرهاب كحالة فكرية روحية نفسية. أما الدين فيكون الطريق الأفضل لتغذية كل ذلك، إذ يوظف كوسيلة لتعطيل العقل وتبرير الإجرام وفرض الطاعة. وعندما يكون الانسان يائسا من كل ما هو واقع وملموس، فإن لجوءه الى الغيب والماوراء والمطلق يصبح المهرب الوحيد لاكتساب مسرب ما. لدى من يوظفونه بوعي أو من يوظفهم دون وعي، على حد سواء.


من هنا لا بد من وعي حقيقي، إن محاربة هذه الحالة لا يكون إلا بمضاداتها. لا نقول بإلغاء الدين من وعي الناس، وهذا مستحيل، خاصة في منطقة تتميز بإيمانها، ولم يكن الدين إلا ليشكل دائما جزءًا أساسيا من تاريخها وثقافتها. بل بقراءة مستنيرة إنسانية للدين، وبإرساء مفاهيم ثقافية اجتماعية تعزز هذا البعد الإنساني.


لكن ما هو أعمق من هذا، هو الخروج من التعامي والنظر بواقعية  الى الاسباب العميقة التي دفعت الناس نحو هذه الظلامية. بدءاً من شعورهم بالظلم المتعدد الأوجه :


- غياب الدولة المدنية التي تساوي بين مواطنيها دون تمييز بين عرق ودين ومذهب.


- غياب الثقافة الوطنية التي تُفهم السني أنه ليس الأحق بالسلطة لأنه احتكرها طوال أربعة عشر قرناً وتقول للشيعي إن خراب البلاد ليس فرصته لعلاج مظلوميته التي حملها قرون ولا يخلصه منها إلا مفهوم المواطن، وتقول للمسيحي أنه ابن البلاد الأصلي من العراق الى الشام الى مصر، وأن عليه ألا يجعل الحقيبة رداً على العنف. وتقول لهم جميعاً بأن الالتجاء الى تركيا أو الى ايران أو الى الغرب سيؤدي الى تعزيز نفوذ ومصالح هذه الدول لا الى تعزيز مصالحه. ولذلك تدعم الكثير منها ظواهر مثل داعش، ثم تدعم القضاء عليها لتعميق الشروخ والدمار والتخلف ومنع نشوء دول حديثة، حقيقية.


- غياب العدالة الاجتماعية الذي  يجد جذوره في النظام الاقتصادي من جهة ، وفي استشراء الفساد الاداري والسياسي والمالي .


 - غياب الاحساس بالكرامة: الكرامة الوطنية من جهة، والكرامة الفردية من جهة ثانية. ولننظر الى التاريخ وسيكولوجية الشعوب ، فلطالما تبلورت الوحدة الاجتماعية في أوقات الانتصارات وتمظهر التفسخ في أوقات الهزائم. ولطالما قاتل المواطن المرتفع الاحساس بكرامته أكثر وأقوى من المواطن المستلب، الذي إن قاتل، فليهدم لا ليبني ولحساب من يشغله لا لحساب بلاده وأهلها.


خارطة طريق طويلة، تمتد لعقود طويلة، لكن لا خلاص لنا في كل بلاد العرب أوطاني إلا بها. وخاصة في هذا المشرق العربي التعددي.





(ان كافة الآراءَ الواردة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع)