كُتّاب الموقع
بمناسبة زيارة الدكتور جعجع الى أستراليا.

طنوس فرنسيس

الإثنين 6 تشرين الثاني 2017

شعور غريب اعتراني منذ بدء زيارة الدكتور جعجع إلى أستراليا، إذ لأول مرة منذ مجزرة إهدن تجمعني به أرض واحدة، غير مجزّأة بالحواجز. والأرض تلك بعيدة آلاف الأميال عن أرضنا الأم، عنيت بها، أرض  وطننا بالتجنيس أستراليا.


ما كان بإمكان " الحكيم" أن يتواجد حيث أتواجد أنا في لبنان، وطبعا ليس بسبب مني، ولا أنا كان بإمكاني التواجد حيث يتواجد ، ولكن بسبب منه. فحاجز البربارة كان يقطع عليّ الطريق، فيقطع بذلك سبيلي إلى الدراسة التي أحب ولاحقا إلى الوظيفة التي أرغب. وبعد أن تقطّعت طرق أخرى كطريق طرابلس مثلا، زمن التوحيد، وعكار والكورة عندما تقاتل القوميون، وكانت حرب السنتين قد هدمت جزءاً من بيتنا وحواجز القتل على الهوية قد جعلت من أبي وعمّي وقوداً لها، فُتحت بالصدفة أمامي طريق الإغتراب فسلكتها وما زلت مغتربا دون انقطاع منذ حوالي الثلاثين عاما.


كلامي أعلاه استولده كلامك "حكيم" في إحدى المناسبات إذ قلت " إذا عدنا سنينًا إلى الوراء، واستعرضنا الصورة، كانت مجموعة كبيرة من الحاضرين الليلة بيننا بصدد الوصول إلى أستراليا، منهكين، جائعين، متروكين،... من كان ليقول أننا سنلتقي في يوم ما في صالة واحدة ووجهاً لوجه؟". لم تسنح لي الفرصة لألتقي بك في صالة واحدة أو وجها لوجه، ولكني أقول أيضا من كان يقول أننا لن نلتقي على أرض غير مجزأة بالحواجز، إلا في أرض تبعد عن أرضنا الأم آلاف الأميال وبعد أربعين عاما. ومع ذلك لم تنتبه أنت لعدم وجودي في الصالة ولم تنتبه أيضا لوجودي على الأرض التي نتواجد عليها معاً الآن.


كلامي الأخير "حكيم" لا يؤخذ بحرفيته بل برمزيته، إذ أن الآلاف مثلي في المغتربات قد أصابهم ضرر ما بسبب دورك في الحرب.


في زيارتك الأولى إلى أستراليا، من حقك أن تفرح بلقاء رفاق لك بعد سنوات طويلة من الفراق والمعاناة ولكن من حق الآلاف الذين عانوا بسببك أن تشملهم بكلمة ليست أقل من كلمة اعتذار.


أعرف أنك قدمت اعتذارا في ال 2008، بالرغم مما له وماعليه، ويقال_ وربما عن حق_ أنه الإعتذار الوحيد الذي قُّدم من أحد أمراء الحرب، وكلهم، والحق يُقال، مطالبون بالإعتذار. فهل ستخصّ الآلاف المذكورة أعلاه من المغتربين باعتذار ما في زيارتك الأولى إلى أستراليا؟ وإلّا كيف تريدنا أن نصدّق بأنك " الآتي باسم لبنان" كما يقول خطاب الترحيب بك؟!


أمثولة أسترالية: في أستراليا قدّمت الدولة الأسترالية أعتذارا رسميا بشخص رئيس وزرائها الفيدرالي إلى سكّان أستراليا الأصليين عن المظالم التي لحقت بهم على يد الدولة الأسترالية، ومذاك حتى الآن يُفتَتح كل اجتماع عام باعلان صريح عن الإعتراف بحقوق السكان الأصليين بملكية الأرض وبتقديم الإحترام لهم ولشيوخهم فيما يشبه تكراراً ضمنيّا لذلك الاعتذار الرسمي.


نتجاوز هذه النقطة الآن إلى أمر لا نستطيع تجاوزه هو أمر النقاش معك ومساءلتك، خاصة وأنّك تقوم بزيارتك الأولى الى أوستراليا بعد أن مضى على دخولك الحقل العام أكثر من أربعين عاما.


وبما أنّ الزمن زمن انتخابات كان لا بد لنا أن نبدأ من موضوع الانتخابات لا سيما أهمية مشاركة المغتربين فيها في حصول التغيير في لبنان.


نقلت الصفحة الرسمية "للقوات اللبنانية" عنك قولك أن " لبنان يتمتع بديمقراطية فعلية، فاذا قرر 51% من الشعب تغيير الطبقة السياسية حُكماً سوف تتغير،" وقولك في مكان آخر متوجهاً للمغتربين:" أمامكم فرصة ذهبية بعد 8 أشهر لكي تغيّروا من تريدون من الطبقة السياسية، وأنا أسألكم ببساطة من يأتي بهذه الطبقة السياسية ؟ الجواب بسيط انه المواطن الذي يصوّت لها".


وأنا بدوري دكتور جعجع أود أن أسألك سؤالا بسيطا، هل القوات اللبنانية جزء من هذه الطبقة السياسية أم لا؟ هل عندك جواب بسيط على هذا السؤال؟ هل لك أن تحدد لنا مما وممن تتألف هذه الطبقة؟ بانتظار جوابك أسألك سؤالا أكثر تحديدا: في الإنتخابات البلدية اللبنانية الأخيرة تواجهت لائحتان في بيروت، لائحة " بيروت مدينتي" ولائحة " البيارتة".  أين تجمعت الطبقة السياسية؟  أظن أنك توافقني الرأي أنها تجمعت في لائحة "البيارته"، إذ كان فيها "المستقبل" "والوطني الحر" و"أمل" و"الإشتراكي" ألخ... أين كانت القوات اللبنانية؟ ألم تكن في نفس اللائحة؟ بلى، القوات اللبنانية كانت في لائحة الطبقة السياسية وبالتالي كانت جزءا منها. ونعم، هذه هي الطبقة السياسية المطلوب تغييرها، ونحن نوافقك الرأي عندما قلت متوجهّا للمغتربين أيضاً أنّ "كل ذلك يعني انه اذا اردتم التغيير في لبنان فعليكم التصويت بطريقة مختلفة لأن الطريقة التي كنا نصوت بها أوصلتنا الى الوضع الحال"، بالضبط، علينا أن نصوّت بطريقة مختلفة أي أن لا نصوّت لأي مرشح ينتمي الى تلك الطبقة. أماّ التصويت لطرف من تلك الطبقة ضد طرف آخر فيها فلا يعدو كونه شكلا من اشكال التورط في صراع داخلي ضمن الطبقة نفسها لا يستفيد منه المواطن بشيء كما في كل المعارك – الانتخابية وغيرالانتخابية_ التي خاضتها أطراف تلك الطبقة ضد بعضها البعض فكان المواطن وقودا لها دون أن يجني منها أية فائدة تُذكر. وقد علّمتنا التجارب أنّه إذا ما شعرت تلك الطبقة أن أحداً من أطرافها مهدد بالسقوط لصالح طرف من خارجها سارعت الى التوحد ضد ذلك الطرف الخارجي. أليس هذا ما حصل ل" بيروت مدينتي" وسواها وبدعم من القواّت؟!