كُتّاب الموقع
كيف سيؤثر اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران على موازين القوى الكبرى؟

ريفا جوجون

الإثنين 10 حزيران 2019

تبدو استراتيجية البيت الأبيض تجاه إيران واضحة إلى حد ما؛ حيث تتلخص في تشويه سمعة الصفقة النووية الإيرانية، وتوسيع نطاق العقوبات وفرضها؛ لتشل الاقتصاد الإيراني، ووضع الأساس لاضطرابات واسعة النطاق وممارسة ضغوط اقتصادية وعسكرية؛ لإجبار الحكومة الإيرانية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وإذا تمت الإطاحة بالنظام الإيراني تحت الضغط الداخلي، فسوف نعتبرها مكافأة إضافية.

وربما تواجه طهران الآن تحديات اقتصادية خطيرة، لكننا سنستعير عبارة وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف: “إيران حاصلة على درجة الدكتوراه في التهرُّب من العقوبات”. كما يتمتع جهاز الأمن الإيراني بسجل حافل في قمع الاحتجاجات، وقد تتحوَّل الاضطرابات التي تفرضها العقوبات إلى فرصة أفضل لإثارة الحماسة القومية في البلاد. وبينما هناك فرصة لأن تحاول إيران إبقاء قناة خلفية للولايات المتحدة مفتوحةً للتخفيف من حدة التوترات الحربية؛ فإن إيران تخطط للتخلص من العاصفة الاقتصادية وتنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، على أمل التفاوض مع إدارة أمريكية أقل حدة.

وفي ظل تلك التكهنات يبقى هناك مشهد تنافسي عالمي قائم بالفعل، وملفات ثقيلة على الإدارة الأمريكية التعامل معها بحذر ؛ لأن كل طرف في معادلة لن يفوت الحرب الأمريكية الإيرانية، إن وقعت فعليًّا، دون الاستفادة منها في تقوية جبهته وتحقيق انتصار  لا تراجع فيه.

روسيا تستعرض خياراتها

مع تصاعد توترات الحرب على إيران، كان من الطبيعي أن يحتاج وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى بعض الوقت مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وتبدو رسالة الولايات المتحدة إلى روسيا واضحة أيضًا: “ابتعدوا عن طريقنا”. غير أن عدم التدخل من جانب موسكو ليس سهلًا، وروسيا لديها خيارات للحصول على أقصى استفادة من أزمة إيران. فعلى الرغم من الارتباط الوثيق مع البيت الأبيض؛ فإن الكرملين لا يزال عالقًا في شبكة عقوبات غليظة من قِبَل الولايات المتحدة.

وبصفتها الحليف الوحيد لإيران من بين القوى العظمى، يمكن لروسيا تعزيز الدفاعات الجوية الإيرانية وربما إرسال كوادر عسكرية وفنيين نوويين إلى المنشآت الإيرانية. إنها لعبة روسية مجربة؛ لرفع تكلفة العمل العسكري الأمريكي، إن تم، أو رفع سقف المفاوضات مع واشنطن على أيّة حال.


الصين في مربع الخطر

ربما تستفيد الصين من بعض الفوائد الاستراتيجية لاشتعال حرب بين الولايات المتحدة وإيران، لكن الصين بصفتها من أكبر مستوردي الطاقة، فسوف تصبح أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية؛ بسبب اضطراب نقل الطاقة في الشرق الأوسط. وبعد الانتكاسة الكبيرة في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، منح ترامب بكين نافذة ضيقة للعودة إلى طاولة التفاوض أو مواجهة رسوم جمركية على جميع السلع الصينية التي تدخل الولايات المتحدة، كما اختار البيت الأبيض تصعيد حربه التكنولوجية مع الصين إلى حد كبير من خلال إدراج شركة “هواوي” في القائمة السوداء والحد من وصولها إلى موردي التكنولوجيا الأمريكيين.

الشلل الأوروبي

المخاطر الاقتصادية الناجمة عن اندلاع حرب هي آخر ما تريده أوروبا؛ خصوصًا مع حالة عدم اليقين التي تُخَيِّم على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومع تضخُّم الديون الإيطالية، وانعكاسات المعركة التجارية حول تعريفة السيارات الأمريكية على نمو منطقة اليورو. ويظل هناك القليل الذي يمكن أن تفعله أوروبا لوقف تحركات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وفي حين أنشأ الأوروبيون بشكل خاص قناة جديدة للحفاظ على التجارة مع إيران بغير الدولار، لم ينجح ذلك في تهدئة الشركات والبنوك الأوروبية الكبرى التي ما زالت تشعر بالقلق من العقوبات الثانوية الأمريكية.

وإذا كان هناك احتمال دائم للقوى الأوروبية الغاضبة أن تتعاون مع الصين لوضع المزيد من الاستراتيجيات للتحايل على العقوبات؛ فإن الإجراءات العدوانية التي تتخذها إيران لمواجهة الولايات المتحدة، والانقسامات العميقة بين المتشككين في الولايات المتحدة في غرب أوروبا، سوف تعوق تمامًا المحاولات الأوروبية للوقوف في وجه الولايات المتحدة.

كوريا الشمالية.. ملف مُعَلَّق

سوف تُرحِّب بيونغ يانغ باحتمال نشوب حرب أمريكية أخرى في الشرق الأوسط؛ إذ إنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تفكر بجدية في نزاع عسكري مع إيران إذا كانت واثقة من أنه لن تكون هناك حاجة إلى الخيارات العسكرية في شمال شرق آسيا. ومع كل تغريدة لترامب تقلل من شأن تجربة صاروخية قصيرة المدى لكوريا الشمالية، تتأكد بيونغ يانغ أن الرئيس الأمريكي عازم على التعامل مع كوريا الشمالية باعتباره نصرًا دبلوماسيًّا ودليلًا حيًّا على أن ممارسة “أقصى ضغط” تؤدي إلى نتائج قيمة على طاولة المفاوضات. وفي أفضل الأحوال، ترغب كوريا الشمالية في الحصول على أقصى استفادة من رئاسة ترامب على صعيد تخفيف العقوبات والحفاظ على مكانتها على الساحة الدولية.

وقد صُممت اختبارات كوريا الشمالية الصاروخية الأخيرة؛ لتذكير البيت الأبيض بعدم اعتبار الاحتواء الدبلوماسي لبيونغ يانغ أمرًا مفروغًا منه. وحتى لو لم تنتهِ هذه الاستفزازات إلى كسر جمود المفاوضات؛ فإنها تفيد كوريا الشمالية في الانسحاب من المحادثات دون المساس جوهريًّا ببرنامجها النووي. وإذا انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى الحرب على الرغم من التزام إيران في وقت سابق بكبح برنامجها النووي؛ فإن هذا قد يزيد من تصميم بيونغ يانغ على التمسُّك بأسلحتها النووية.

الخلاصة

ليس من المنطق الاستراتيجي أو حتى السياسي بالنسبة إلى البيت الأبيض أن يخاطر بحرب مع إيران في هذه المرحلة. وحتى إذا تم دفع الولايات المتحدة بالفعل إلى منافسة كبرى مع الصين وروسيا؛ فإن الدافع الاقتصادي والتركيز العسكري والحرفة الدبلوماسية اللازمة للتنافس على مستوى القوى العظمى لا تترك مجالًا كبيرًا لمخاطرة بحروب كبرى، خصوصًا في ظل الحرب العالمية على الإرهاب. وبينما تُعتبر إيران هدفًا أيديولوجيًّا كبيرًا للولايات المتحدة، أطلق ترامب حملة تعهُّد بإنهاء الحروب الباهظة الثمن في العالم الإسلامي (بما في ذلك حرب أفغانستان، التي تعد الآن أطول حرب في التاريخ الأمريكي) والعودة إلى التركيز على الأولويات الداخلية.


المصدر: مركز ستراتفور للدراسات.
المصدر- موقع كيوبوست