كُتّاب الموقع
زيارة “فوق العادة” في توقيت إستثنائي

يارا انبيعة

الخميس 28 آذار 2019

النازحون السوريون، مسيحيو الشرق، المساعدات العسكرية، وموضوع الغاز والبترول، أربعة ملفات مهمة حملها الرئيس اللبناني، العماد ميشال عون، لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، تلبية لدعوة رسمية لزيارة العاصمة موسكو.

في أول زيارة له لروسيا وهي بالغة الأهمية، حط الرئيس عون في موسكو، يرافقه وفد غير فضفاض، اذ تأتي غداة زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لبيروت وما تخللها من مواقف تصعيدية ضد حزب الله، قابلتها ردة فعل لبنانية. وعلى رغم التزامن غير المخطط له بين الزيارة الرئاسية لموسكو وزيارة بومبيو لبيروت، فإن الصدفة قد تكون خير من الف ميعاد، إذ أن ما بين الزيارتين من تناقضات قد يجعل لبنان أكثر من ورقة مهمة في حسابات الكبار.

نهوض إقتصادي

أبدت روسيا استعداداً للمساهمة في خطة النهوض الإقتصادي في لبنان، من خلال المشاركة في عدد من المشاريع الإنمائية والإقتصادية التي تعدها الحكومة، في هذه المرحلة، وخصوصاً في مجالات الطاقة والغاز والنفط والمياه والإعمار والبنى التحتية، مشددة على أهمية العلاقات اللبنانية الروسية وأهمية تطويرها.

بدوره، أكد الرئيس عون أن التعاون الذي نشأ بين لبنان وشركات روسية، مثل “نوفاتك”، العضو في الكونسرسيوم الإيطالي – الفرنسي والذي سيعمل في التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، يمكن أن يستمر في مجالات أخرى ومتنوعة وفقاً للحاجة التي يحددها لبنان الذي يستعد لتطبيق خطة نهوض اقتصادية. كذلك، فإن للبنان دور محوري في مرحلة إعادة إعمار سوريا حيث يمكن أن يكون المحطة الأسياسية لمثل هذه العملية نظراً لموقعه الجغرافي، ولخبرة رجال الأعمال اللبنانيين القادرين على تنسيق عملية الإعمار هذه، والمساهمة فيها.

خلال اللقاء، تم الاتفاق على استمرار التواصل بين الجانبين لإستكمال البحث في النقاط التي تم التطرق إليها في مجال التعاون بين البلدين.

الجولان حاضر

لم يغيب عن قمة الرئيسين عون وبوتين القرار الأميركي القاضي بإعتراف الولايات المتحدة بسيادة كيان الإحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان المحتلة.  قرار تركز عليه لقاء الرئيس عون والوفد المرافق مع مجلس الدوما الروسي، اذ وصفه الرئيس عون  بـ “اليوم الأسود” الذي يشهده العالم لا سيما ان الجولان منطقة سورية، مشدداً على ان هذا العمل التعسفي يشكل مساساً بالشرعية الدولية التي ترعى الحدود بين الدول.

الى ذلك، ذكر الرئيس عون ان القرار بضم الجولان تلا القرار السابق بضم القدس حيث المعالم المسيحية كافة والأراضي المقدسة، ونبع الديانة المسيحية، مشدداً على ان اعلان اسرائيل دولة يهودية عنصرية خطوة مرفوضة من العرب.

من جهته، اكد رئيس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، ان القرار تجاهل صارخ لمبادىء الشرعية الدولية وميثاق الامم المتحدة، مشدداً على دور كل دولة في الأمم المتحدة في رفع صوتها وتأكيد موقفها الرافض، وأكد ان روسيا تقف بثبات ضد التدخل في شؤون الدول المستقلة ذات السيادة وتدعو الى احترام كل الإتفاقيات والمعاهدات الدولية والإلتزام بقرارات الشرعية الدولية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والعلاقات القائمة على اساس الصداقة والاحترام المتبادل، كما تعمل من أجل تجنب المزيد من النزاعات وبناء السلم والسلام.

وفد بطريركي

استقبل الرئيس عون رئيس قسم العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو وكل الروسيا المتروبوليت هيلاريون الذي قال “تربطنا بالكنائس الشرقية، علاقات نعتز بها، ونواصل العمل على تطويرها، وهذا اللقاء نريده مناسبة لتأكيد ما يجمعنا وتعزيز عرى الصداقة والتعاون في ما بيننا”، مشدداً على العلاقة التي تجمع البطريرك كيريل مع رؤساء الطوائف المسيحية في لبنان، وأن هذه العلاقات مستمرة.

كما تحدث المتروبوليت هيلاريون عن قلق الكنيسة الروسية من الأوضاع التي يعيش فيها المسيحيون في الشرق الأوسط راهناً، لا سيما بعد ما سمي بـ “الربيع العربي”، لافتاً إلى أن الكنيسة الروسية رفعت صوتها في وجه ما حصل للمسيحيين، وأبرزت خطورة إخراجهم من الشرق الأوسط، وقال “كنا ولا نزال نتحدث عن هذه المخاطر، في كل المحافل الإقليمية والدولية، والبطريرك كيريل، يصر على الإضاءة على هذا الموضوع، وهو ما أثاره أيضاً مع البابا فرنسيس والرئيس بوتين، حيث كان يركز على أهمية حمايهم في الشرق الأوسط، ويستمر بالمطالبة بدعم المسيحيين.

في المقابل، رد عون مركزاً على أهمية ما يجمع الكنائس بين بعضها بعضاً بصرف النظر عن الفوارق المذهبية، قائلاً “إن منطقة الشرق الأوسط واجهت، ولا تزال، تواجه ظروفاً دقيقة زادت المسيحيين وحدة بالفكر والسلوك، وأنا من خلال تعاطي مع مختلف الطوائف، وهم يعيشون ظلماً ويحتاجون إلى من يساعدهم، وهذا الأمر لا يحل إلا بمرجعية مسيحية في الشرق الأوسط، يكونون هم أساسها، وليس عدة أشخاص أو جهات، وذلك حتى يتعزز الوجود المسيحي في الشرق، لا سيما بعدما أعلنت إسرائيل يهودية القدس، وتعمل على تهويدها، حيث معالم المسيحية والأرض المقدسة.”

وأضاف  الرئيس عون “لا يمكن تخيل المسيحية، من دون كنيسة المهد والقبر المقدس وكنيسة القيامة، والجلجلة والرسل، إذا تركنا هذه المعالم المقدسة، فإن المسيحية تخسر النبع، وهذه مشكلة لكل المسيحيين خارج الأراضي المقدسة، ونحن خصوصاً، لأننا بقينا على صلة مادية مع الأراضي المقدسة وليس فقط على صلة روحية”، مستطرداً “أشعر أن الكنيسة الروسية، يمكن أن تلعب دوراً مهماً، بالنسبة إلى مسيحيي الشرق، وهي متعلقة بهم.”

الإلتزام بالمواثيق الدولية

أكد الرئيسين عون وبوتين العزم على تكثيف الحوار السياسي بين روسيا ولبنان بما في ذلك على المستوى البرلماني، وتعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية في مجالات التجارة والإقتصاد والإستثمار والطاقة والثقافة والمضمار الإنساني والتربية والرياضة والسياحة وغيرها، كما أعرب الرئيسان عن قناعتهما بأنه لا بديل عن الحل السلمي للقضية السورية، مشددين على ضرورة حل هذا النزاع من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية، استناداً الى قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومقررات مؤتمر الحوار الوطني السوري في “سوتشي”.

وأكد البيان المشترك أن الرئيسين يدعمان بقوة الجهود التي تضطلع بها سلطات الجمهورية العربية السورية وحلفاؤها لمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” والمجموعات المتفرعة عنهما، وأعرب الرئيسان عن تأييدهما  للجهود الرامية الى تطبيق مبادرة روسيا لتأمين عودة اللاجئين السوريين والمهجرين داخلياً، معتبرين أن حل هذه المشكلة يعتمد مباشرة على تهيئة الظروف المؤاتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الإجتماعية والإقتصادية من خلال اعادة الإعمار ما بعد الصراع،  كما دعيا المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية.

المساعدات مشروطة

من جهته أعلن وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، أن بلاده اعتادت العيش تحت الضغط، وطبيعتها تحتمل ذلك، اذ قال “اننا قادرون على نسج علاقاتنا بالحفاظ على خصوصيتنا وتوازناتنا الداخلية والخارجية وانفتاحنا، وبالنسبة إلينا سنرفض كل ما لا يتوافق مع مصلحتنا حتى ولو طلبته أميركا، فلبنان يحترم القوانين الدولية فيما لا تحترمها إسرائيل المدعومة للأسف من اميركا”، مضيفاً “نتحدث مع الأميركيين كأصدقاء ولا يمكن أن يتحدثوا معنا إلا بلغة الصداقة، ومن يعتقد بأن نتنياهو يستطيع أن يهزمنا بالإعتماد على أميركا، فهو مخطئ، لان نتانياهو عجز عن هزيمتنا بالمباشر.”

وتابع الوزير باسيل “لا يمكن أن نقبل بأي صورة إلصاق تهمة الإرهاب بحزب الله وقياداته ووزرائه ونوابه وجمهوره”، وقال “نحن نختلف مع اميركا في موضوع المقاومة والإرهاب، لكننا نتفاهم على ملفات كثيرة، وهذا برهان على قدرتنا على نسج علاقتنا مع الدول بما يحترم خصوصيتنا. إن أميركا تستطيع أن تقوض إقتصادنا بقوة الدولار، ولكن هل من مصلحتها ذلك؟ إن لبنان يقوم بدور الواقي من الصدمات، فهو يمتصها ويمنع عبورها الى أوروبا ومنها إلى الأطلسي وما وراءه، فأي مصلحة لأميركا بضربه؟ نحن لسنا في مواجهة مع الولايات المتحدة بل نتعاطى معها كصديقة، فهي تسلح الجيش اللبناني بما يؤكد حرصها على استقرار لبنان الذي نريد أن يصبح جزءاً من مسار حياتنا الوطنية”،  وتابع “لن نسمح بضرب العلاقات بين اللبنانيين، واية محاولة لتوسيع الحصار الأميركي، فإن لبنان يصبح هو المستهدف.”

هذا واشار الوزير باسيل الى موضوع حساس جداً فيما يخص تقديم المساعدات اذ قال”لا نقبل مساعدات مشروطة من أحد، لا من أميركا ولا من روسيا ولا من غيرهما، ولغاية الآن لم يحصل ذلك، وأية محاولة لربط التمويل بتوطين النازحين واللاجئين سنرفضها ولن تمر. لا أحد يستطيع أن ينهكنا وإذا خيرونا بين كرامتنا وحياتنا فإننا نختار كرامتنا وحريتنا قبل حياتنا.”

زيارة مهمة ومفصلية

يقول الباحث السياسي، الدكتور حبيب فياض، في تصريح لـ “سيتا” إنه “يمكن أن نقول بأن زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون لروسيا في هذا الوقت بالذات قد حققت ثلاثة أهداف أساسية. الهدف الأول، يمكن أن نقول عنه أنه هدف استراتيجي لناحية تمتين العلاقات بين الجانبين اللبناني والروسي، بمعنى أن لبنان أراد إيصال رسالة من خلال هذه الزيارة بأنه على تقاطع كبير مع السياسات الروسية في المنطقة وتحديداً لناحية مكافحة الإرهاب والوقوف إلى جانب سوريا،  والعديد من دول المنطقة، بما يعني أنه لم يعد كما كان في السابق، جزءاً أو محل تجاذب في إطار محاولة امريكا للهيمنة على بلدان المنطقة، بمعنى أن لبنان بات الآن خارج الهيمنة الأمركية على المستوى الرسمي فضلاً عن كونه بلداً مقاوماً وفي طليعة القوى المتصدية للمشروع الأمريكي والإسرائيلي.”

أما الهدف الثاني، برأي الدكتور فياض، فيكن في أنه “يختصر بالمساعدة الروسية على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم من لبنان، حيث أطلقت روسيا مبادرة في هذا المجال. فمن شأن هذه الزيارة أن تدفع الأمور بإتجاه اعادة تفعيل المبادرة الروسية، والعمل على اعداة النازحين لبلدهم بأمان واحترام.”

اما الهدف الثالي والأخير برأي الدكتور فياض يتمثل في “التعاون الروسي – اللبناني في مجال استخراج الطاقة، النفط والغاز، من الشواطئ اللبنانية خاصة ان روسيا يمكن أن تلعب دوراً أساسياً في لجم اسرائيل ومنعها من ممارسة عدوانها على الحدود اللبنانية البحرية. وبالتالي، إذا أراد لبنان أن يلجأ الى المحافل الدولية بالشكوى ضد إسرائيل، فإن روسيا ستقف إلى جانبه، كذلك الأمر في أراد لبنان استخارج النفط فإن روسيا هي دولة أساسية ويمكنها لعب دور استثماري مهم في هذا الصعيد، فضلاً عن الضغوط الروسية المباشرة التي من الممكن أن تمارسها موسكو على تل أبيب لمنعها من الهيمنة على الحق اللبناني. وبشكل عام، يمكن أن القول بأن هذه الزيارة كانت مهمة ومفصلية في تاريخ العلاقات الروسية – اللبنانية، ومن شأنها أن تنعكس إيجابياً على مستوى العلاقات المشتركة، وعلى العديد من الملفات ذات الصلة بالمنطقة.”

أخيراً، لا شك أن زيارة الرئيس اللبناني إلى موسكو تعد ناجحة منذ بدايتها اذ استطاع جمع شمل اللبنانيين في روسيا وبعدد فاق كل التصورات، بالإضافة إلى الإهتمام الرسمي الروسي بالرئيس عون، الذي يمتلك كتلة برلمانية وازنة ومشاركة كبيرة في الحكومة والتي ستكون قادرة على ترجمة الإتفاقات التي قد تتبلور في موسكو بعد المحادثات الرسمية المختلفة.


المصدر: مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية