كُتّاب الموقع
واشنطن تريد تدمير لبنان عبر أزمة اقتصادية

د. جمال واكيم

الأربعاء 17 نيسان 2019

في العام 1991 انهار الاتحاد السوفياتي بعد اشهر قليلة على ضرب العراق على يد الولايات المتحدة الأميركية. بعد ذلك بدأ الحديث عن “السلام” في الشرق الأوسط بين العرب واسرائيل. وفي هذا الإطار، كان لبنان قد خضع لتقاسم نفوذ سوري – سعودي –أميركي تم التعبير عنه باتفاق الطائف، وبنظام ترويكا الحكم، الذي كان يتقاسم الحكم فيه المسيحية السياسية كحليف للولايات المتحدة والسنية السياسية كحليف للمملكة العربية السعودية والشيعية السياسية كحليف لسوريا ومن خلفها ايران، فيما تقف الدرزية السياسية في الوسط بين الكتل الثلاث.

وكان على لبنان أن يتحضر للسلام مع اسرائيل وللشرق الأوسط الجديد الذي سيقوم، فكان اعلان رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عن خطة العام 2000 التي كان من المفترض لها أن تحضر لبنان لهذا الشرق الأوسط الجديد. ووفقا لهذا التصور كان من المفترض أن يكون لبنان صلة الوصل بين الرأسمال الغربي والدول العربية. لذلك فلقد سعت الحكومات المتعاقبة بعد العام 1992 الى تحويل بنيوي في الاقتصاد اللبناني، لجعله يلعب هذا الدور المالي الخدماتي بتضخيم دور المصارف وتقليص دور القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية.

وبنتيجة الاستعجال في تحقيق هذا التحول جرى الاقتراض من الخارج، ما أدى الى ارتفاع دين لبنان من بضعة مليارات دولار في العام 1992 الى ما يفوق المئة مليار دولار في العام 2019، بما يشكل ضعفي الناتج المحلي القائم، وهو من اعلى المعدلات في العالم. ولقد كان رهان الطبقة السياسية اللبنانية أنه يمكن وفاء هذا الدين فور اقرار الشرق الاوسط الجديد، وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام.

لكن ما لم يقله الأميركيون للعرب ومن ضمنهم اللبنانيون هو أن هذا السلام في الشرق الأوسط سيؤدي الى تغيير جذري في خريطته السياسية عبر تقسيم الدول العربية واعادة رسم حدودها وخصوصا في منطقة المشرق العربي، أي لبنان وسورية والعراق والأردن وفلسطين المحتلة. ولقد تبدت النوايا الأميركية جلية بعد غزو العراق في العام 2003، ومن ثم بعد تسببها باندلاع الازمات في العالم العربي بعد العام 2011، ومن ضمنها الأزمة السورية. وكان من ضمن وسائل الهيمنة الأميركية على الدول العربية ومن ضمنها لبنان هو اغراقها بالديون، وهذا كان سبب تسهيل حصول لبنان على القروض حتى يصبح مطواعا لأي طلبات أميركية مهما تكون مؤلمة.

مؤخرا جرت تطورات في المنطقة جعلت آمال الولايات المتحدة تخيب في تحقيق ما تريد في الشرق الأوسط، بعد صمود سورية في مواجهة محاولات اسقاطها. فالدولة السورية استطاعت بعد العام 2015 استعادة سيادتها على معظم اراضيها، باستثناء منطقتي شرق الفرات وإدلب. وقد جاء ذلك في الوقت الذي شعرت فيه الولايات المتحدة أن موازين القوى العالمية بدأت تميل بقوة لغير صالحها وأن الوقت ليس في صالحها. لذلك اندفعت لتصفية القضية الفلسطينية عبر اقرار صفقة القرن والتي لا ينال الفلسطينيون بموجبها دولة في الضفة الغربية وغزة.

ولتأكيد الولايات المتحدة عزمها انكار حق الفلسطينيين، أعلنت اعترافها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ثم أعلنت اعترافها بسيادة هذا الكيان على الجولان المحتل، وهي تتحضر لاعلان السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية. كذلك ضغطت واشنطن على القاهرة لقبول التضحية بمئات الكيلومترات في سيناء لتوسيع قطاع غزة حتى يكون هو الدولة الفلسطينية، كما ضغطت على الملك الاردني حسين الثاني ليقبل بترحيل الفلسطينيين من ارضهم الى الأردن. وبقي أن يقبل لبنان بتوطين الفلسطينيين وبترسيم حدوده البرية والبحرية وفقا للمطالب الاسرائيلية.

ومع الحديث عن إقامة حلف وتكامل اقتصادي بين ايران والعراق وسورية، ظهرت الحاجة لدى الولايات المتحدة لتحويل لبنان الى عثرة في وجه هذا المحور الاوراسي، ومنعه من الوصول الى شرق المتوسط. هنا جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى لبنان للطلب من القيادة اللبنانية عزل حزب الله وقبول التوطين. وتبغي واشنطن من وراء ذلك توطين اللاجئين السوريين ايضا في لبنان، لتقوم بتحويل ديموغرافي في هذا البلد الذي ستصبح غالبيته من المعادين للدولة السورية، ما يساهم في خلق هذه العثرة امام المحور الاوراسي.

وخلال الزيارة، رفضت القيادة اللبنانية، أو اقله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير خارجيته جبران باسيل الضغوط الاميركية. هنا لجأت الولايات المتحدة الى الضغط على الاقتصاد اللبناني الذي يمر في مرحلة حرجة. فسلام الازدهار الموعود لم يأت وبالتالي لم تستطع الدولة اللبنانية سد ديونها. وحتى النفط والغاز الذي تم اكتشافه لم يستخرج بعد ضغوط مارستها الولايات المتحدة على الشركات الاجنبية التي اعتزمت الاستثمار في لبنان، وذلك حتى لا يستطيع هذا البلد الوفاء بديونه ويبقى رهينة في أيدي الولايات المتحدة.

هنا جاءت مقررات مؤتمر سيدر التي تفرض قيودا على الاقتصاد اللبناني وعلى الانفاق العام لمعالجة ازمة تراكم الدين. ولأن البلد تسيطر عليه طبقة من المضاربين الماليين والعقاريين، فلقد رفضوا فرض أي ضرائب على ارباحهم من المضاربات. والمشكلة أن من ضمن من رفض فرض الضرائب على كبار المضاربين الماليين، التيار الوطني الحر بزعامة الوزير جبران باسيل الذي وقف في صف تيار المستقبل بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري وغيرها، من احزاب السلطة اللبنانية التي تعبر عن مصالح هؤلاء الرأسماليين.

فالتيار الوطني الحر بزعامة باسيل تبنى سياسات تراعي مصالح الطبقة المالية والتجارية المهيمنة في لبنان بعد وصوله الى الحكم. وقد عبر عن ذلك بتحالفه مع سعد الحريري من جهة، وبترشيحه لكبار الرأسماليين على لوائحه في الانتخابات النيابية الأخيرة مثل زعيم الكارتيل النفطي نقولا شماس وثري الحرب سركيس سركيس والصناعي الملياردير نعمة افرام وغيرهم. في المقابل خرج من صفوف التيار ممثلو الطبقة الوسطى الذين ناضلوا طوال ثلاثة عقود في ضفوفه مثل الدكتور بسام الهاشم والمحامي انطوان نصر الله ولواء شكور ونعيم عون وغيرهم. من هنا فإن الاعلان عن العمل على اقتطاع معاشات الموظفين وذوي الدخل المحدود جاء على لسان باسيل نفسه.

والآن فإن لبنان بات أمام أزمة اقتصادية قد تصل في حدتها الى مستوى أزمة اليونان، لكن نتيجتها قد تكون تدمير البلد بشكل كامل تنفيذا للمشاريع الاميركية.





المصدر: المحلل