عودة البورجوازية السورية إلى الحكم...والصراع الجديد
إبراهيم الجبين
الجمعة 5 أيلول 2025
احتج السياسيون السوريون على منطق الوحدة وعلى ما اعتبروه"عـسكرة للنظام في سوريا من قبل القيادة المصرية"، وكذلك على استخدام السياسات القمعية، والعمل على تعميق مشاعر العداء المناهضة للعناصر السورية التي تختلف مع عبد الناصـر ونظامه، وكذلك بين القطعات العسكرية السورية التي أعربت عن استيائها من المعاملـة القمعية والتعسفية التي تعرضت لها على أيدي قادة السلطات العليا المصرية، كما يرى الدكتور إبراهيم جلال في بحثه "انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 في ضوء وثائق الخارجية البريطانية" الصادر عن الحولية المصرية للوثائق ودار الكتب المصرية العام 2010.
وحين وقع الانفصال، رد عبد الناصر على التحركات والإعلانات القادمة من دمشق بعنجهية، واعتبرها صغيرة ولا قيمة لها، وقال إنه أعطى توجيهاته للجيش لقمعها. وفي الوقت ذاته كان المشير عامر يحاول إقناع الانفصاليين بالعودة عن تحرّكهم قاطعاً الوعود بالتراجع عن قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم وبمنح سوريا "حكماً ذاتياً"، حتى أنه طلب الاتصال بعبد الناصر عبر الهاتف وبالفعل تحدّث معه وبلّغه بموافقته على ما عرضه على السوريين.
البيان الذي حمل الرقم 9 وأصدره الضباط السوريون يعكس ما أشرنا إليه من حرص السوريين حتى آخر لحظة على الوحدة، فقد استجاب الضباط في ظهيرة اليوم نفسه ونص البيان على أن القيادة العربية الثورية للقوات المسلحة التي دفعها الشعور بالخوف على وحدة الصف العربي وحماسها للقومية العربية وتأييدها لها ودفاعاً عن مقوماتها "تعلن للشعب العربي الكريم أنها لا تنوي المس بما أحرزته القومية العربية من انتصارات، وتعلن أنها لمست عناصر انتهازية مخربة تريد الإساءة لقوميتنا، فقامت بحركتها المباركة تلبيةً لرغبة الشعب العربي وآماله وأهدافه، وأنها عرضت قضايا الجيش على سيادة المشير نائب الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة الذي تفهم أمور الجيش على حقيقتها واتخذ الإجراءات المناسبة لحلها لصالح وحدة القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة. وقد عادت الأمور العسكرية إلى مجراها الطبيعي".
وبناء على ذلك تم السماح للمشير والضباط المصريين بالسفر إلى القاهرة، وبمجرّد إقلاع طائرته ومغادرتها الأراضي السورية أعلن عبد الناصر أنه يرفض كل مطالب السوريين، مكرّراً أوامره إلى القوات المسلحة لسحقهم.
ولم يكد الليل يحلّ على دمشق في ذلك اليوم، حتى أعلن رسمياً أن عبد الناصر "طاغية"، وتم فرض حظر تجوال في العاصمة، وفي منتصف الليل بثّت إذاعة دمشق النشيد الوطني السوري. وأسدل الستار على دولة الوحدة خلال ساعات، وتم الإعلان عن تكليف المحامي مأمون الكزبري بتشكيل حكومة تضم مخضرمين من الحزب الوطني وحزب الشعب، وعيّن الضابط الدرزي اللواء عبد الكريم زهر الدين قائداً عاماً للجيش السوري في الدولة التي رفعت علم الاستقلال (علم الثورة السورية) وصار اسمها "الجمهورية العربية السورية". وشكّّلت الحكومة السورية مجلساً عدلياً خاصاً لمحاكمة رموز الفساد في دولة الوحدة، وكانت تلك المحاكمات تغطي العديد من القضايا والملفات الحساسة، إلا أن أخطر ما يمكن أن تكشفه هو ما سيدلي به عبد الحميد السراج الذي بقي محتجزاً في سجن المزة العسكري.
الثورة المضادة
كان الكزبري يمثّل البورجوازية الدمشقية والتجار وكبار الملاك، وربطته صلة بـ"الشركة الخماسية" التي توصف بأنها أكبر تجمّع رأسمالي في سوريا، وفق مطيع السمان في كتابه "وطن وعسكر" الصادر عن دار بيسان للنشر والتوزيع العام 1995. ومن خلال اختيار الكزبري رغب الانفصاليون بتوجيه رسالة تعكس هذا المعنى وهي الرسالة التي ترجمها عبد الناصر على أنها تصدر عن "ثورة مضادة". وكرّس هذا البُعد الجانب الذي فهمته القيادة القومية البعث، بعد توقيع أكرم الحوراني وصلاح البيطار على بيان الانفصال، في موقف مناقض تماماً لعقيدة البعث التي تؤمن بالاشتراكية والوحدة، الأمر الذي دفعها إلى إصدار بيان من بيروت في 5 تشرين الأول/أكتوبر 1961 رفضت فيه الانفصال واعتبرت أن من قاموا به في دمشق "رجعيون"، وذلك لأنها استشعرت أن توقيع تلك الشخصيات على بيان الانفصال حوّل التمرّد العسكري إلى حركة سياسية ذات توجّه واضح.
في اليوم ذاته الذي صدر فيه بين القيادة القومية لحزب البعث، قال عبد الناصر إنه لن يقف عائقاً أمام استرداد سوريا لعضويتها في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وهو ما حصل بالفعل بعد أسابيع. وأكد عبد الناصر في بيانه هذا أن الجمهورية العربية المتحدة لن تعترف بأي حكومة في دمشق "إلا بعد أن تتجلى إرادة شعبية سورية حرّة تقرر بنفسها طريقها". كان الدعم الأميركي للحكم الجديد واضحًا، وسارعت تركيا والأردن والسعودية للاعتراف به وتعزيزه. ولكن بوادر هشاشته أخذت تظهر بالتسارع ذاته، فقد اعتقل عبد الكريم النحلاوي قائد قوى البادية المقدم حيدر الكزبري، متهماً إياه بأنه "خائن ومتآمر مع الملك حسين". وأعلنت القيادة الجديدة عن فتح باب الترشح لأول انتخابات نيابية في العهد الجديد، ولكن تم توجيه التهمة بالعمالة للأردن إلى رئيس الحكومة مأمون الكزبري فطلبت منه تقديم استقالته، وحلّ محلّه نائبه عزت النص في منصب رئيس الحكومة.
أجريت الانتخابات في كانون الأول/ ديسمبر1961، وعاد مأمون الكزبري رئيساً للمجلس النيابي في أولى جلساته في 12 من الشهر ذاته، وبعد يومين انتخب ناظم القدسي رئيسًا للجمهورية، ولم تمض أيام حتى تم اختيار معروف الدواليبي رئيسًا للحكومة. وظهر الانقسام القديم الجديد في الحكم وفي تركيبة المجلس النيابي والجيش، بين القيادات التقليدية وتوجهاتها، وبين المتحدرين من البيئات الفقيرة التي استفادت من قوانين عبد الناصر في الإصلاح الزراعي والتأميم، وهنا برز كلمات مثل "الشوام"، الذين أرادوا محو آثار عبد الناصر، و"أبناء الريف" الذين يريدون إعادة الوحدة بمكتسباتها، ونشأ صراعٌ حاد وصل إلى الشارع والمحافظات البعيدة عن المركز، وسمعت أصوات تنادي بحل المجلس النيابي والعودة إلى الوحدة.
انقسم المساران، العسكري والسياسي، فبينما كان وفد من الضباط السوريين يزور عبد الناصر في بيته معرباً عن أسفه، كان المجلس النيابي السوري يلغي رسمياً في شباط/فبراير عام 1962 غالبية قرارات التأميم التي شملت المصارف والمؤسسات الصناعية، بالإضافة إلى تعديلات جذرية لقانون الإصلاح الزراعي، أعيدت بموجبها الملكيات الكبيرة إلى أصحابها، علمًا أن قانون الإصلاح الزراعي وزع الأراضي على مما نسبته 54 بالمئة من سكان سوريا من الفلاحين. وهكذا انتقل التمرّد إلى طور جديد، بعد أن كان عسكريًا ثم سياسيًا، أصبحت له مفاعيل اجتماعية تعتبر أن العودة إلى الوحدة مع مصر تخدم المجتمع السوري لا السياسيين.
وهمس العقيد شرف زعبلاوي نائب رئيس شعبة المخابرات السورية في آذار/مارس 1962، لزواره في مقر القيادة في ضاحية القابون الدمشقية، بأنه بات من الضروري القيام بانقلاب يعيد الوحدة، لأن "الجيش ناصري، والشعب 90% منه ناصري"، على حد تعبيره. وكان اقتراحه ذاك بهدف قطع الطريق على أي انقلاب مفاجئ. وهو ما حدث فعلًا حين انقلب قائد الانفصاليين العقيد النحلاوي على الجميع في 28 من الشهر ذاته، وأقال الرئيس ناظم القدسي واعتقله مع غالبية أعضاء الحكومة المجلس النيابي، وحل المجلس، وخرج الفريق زهر الدين مؤتمرًا صحفيًا قال فيه إن الجيش وصل إلى طريق مسدودة مع السياسيين السوريين الذين انحدروا إلى الفساد وأهدروا حقوق العمال والفلاحين.
المفارقة أن المفكر والوزير الأسبق سامي الجندي كشف في كتابه "البعث" الصادر عن دار النهار في بيروت العام 1969، أن بيان انقلاب النحلاوي الجديد رقم 1 اطلع عليه عبد الناصر ووافق على ما ورد فيه قبل إعلانه. كانت قد تشكلت في مصر (الإقليم الجنوبي) في سنوات الوحدة لجنة من الضباط البعثيين الذين شعروا بأنهم قد همّشوا وأن القيادة السياسية للبعث فرّطت بهم وبأدوارهم حين وافقت على حلّ الحزب، وهي التي صارت تعرف باسم "اللجنة العسكرية" وترأسها بشير صادق وضمّت كلاً من مزيد هنيدي وممدوح شاغوري وعبد الغني عياش ومحمد عمران. وتم نقل كافة أعضاء هذه اللجنة إلى السلك الدبلوماسي، وإبعادهم عن الجيش. بينما بقي محمد عمران وحده في الجيش فأعاد تشكيل اللجنة العسكرية وترأسها بنفسه وضمّ إليها صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، أحمد المير، منير الجرودي، وحافظ الأسد.
هذه اللجنة كانت هدفًا للعهد الانفصالي الذي قرّر قادته تسريح أعضائها من الجيش، لكن اللجنة قرّرت التوسّع والحفاظ على نشاطها بشكل سرّي وحصرت عملها على القطاع العسكري، في الوقت الذي كانت فيه قيادة البعث المدنية تعمل على إعادة تشكيل البعث من جديد بعدما كان منحلاً كبقية الأحزاب السياسية السورية بناء على اشتراط عبد الناصر.
اعتقل النحلاوي بعد انقلابه الجديد، معظم أعضاء هذه اللجنة، ومن تبقى منهم قرّر بقيادة رئيسها الجديد، الضابط الأقدم الرائد صلاح جديد، التنسيق مع الضباط الناصريين بقيادة العقيد جاسم علوان. وكان الخلاف بين الناصريين والبعثيين على اليوم التالي بعد الانقلاب، وليس على والانقلاب على الحكم. فالناصريون رأوا ضرورة العودة إلى الوحدة فورًا، بينما قال البعثيون إنهم يجب أن يتريثوا. واتفق الطرفان على تنفيذ حركة تمرّد في 31 آذار/مارس 1962، ونفّذ جاسم علوان الاتفاق بالسيطرة على اللواء الخامس في حمص، لكن صلاح جديد لم يلتزم بذلك ولم يحرّك ساكنًا في مقرّه في السويداء.
لاحتواء التدهور، عقدت قيادة الجيش مؤتمراً عسكرياً في حمص، مؤتمر عسكري، فشل تحرّك علوان، وعرضت عليه القيادة السورية إبعاده مع بقية الضباط الناصريين إلى مصر، مقابل دراسة طرح العودة إلى الوحدة على الاستفتاء الشعبي في سوريا. لكنه رفض واستولى على حلب وأعلن من إذاعتها عودة الجمهورية العربية المتحدة، واستقبل الشارع هذا الخبر بترحيب وتهليل، فخرجت مظاهرات طلابية في دمشق ترفع صور عبد الناصر وعلم الوحدة، لكن الجيش السوري أطلق عليها النار. وهاجم قوات علوان بالطائرات والمدرعات وقضى على ما سمّيت وقتها "ثورة حلب". بعد ذلك وجّه قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين الدعوة إلى السياسيين والعسكريين للاجتماع به في مبنى قيادة الجيش وأعلن إعادة رئيس الجمهورية ناظم القدسي إلى منصبه شريطة أن يشكّل حكومة "انتقالية" مهمتها تنفيذ مقرّرات مؤتمر حمص العسكري، مع شرطين إضافيين هما؛ الحرص على الوحدة، ومراعاة مصالح العمال والفلاحين، أي أن مهمة القدسي كانت إعادة العمل بقانون الإصلاح الزراعي وقرارات التأميم. وفي أول ظهور تلفزيوني قال القدسي إنه سيعمل على تحقيق الوحدة مع الدول العربية وفي مقدمتها "مصر العزيزة"، واختار في 16 من نيسان/ أبريل، الدكتور بشير العظمة لرئاسة الحكومة الانتقالية، وكان العظمة يساري التوجه، شغل من قبل منصب وزير الصحة في حكومة الوحدة.
كان العظمة صاحب تجربة وزارية مريرة في عهد الوحدة، ومع ذلك فقد قال في أول إطلالة له بعد تكليفه برئاسة الحكومة إن حكومته ستعمل على "إطفاء الحرائق بعد اقتتال إخوة في السلاح اختلفت آراؤهم بشأن قضية مصيرية هي الوحدة الفورية أو الانفصال والقطيعة"، كما أورد العظمة ذاته في كتابه "جيل الهزيمة" الصادر عن دار رياض نجيب الريس في بيروت العام 1991. وبدأت حربٌ جديدة في الاتجاه المعاكس انطلقت من بيان الحكومة الذي أكّد حرصها على إقامة "وحدة عربية وفق أسس مدروسة"، ملتزماً بتطبيق مبادئ اشتراكية اتضحت من رفض الحكومة لـ "التمركز الشديد لرأس المال"، وقرارها إعادة تطبيق التأميم على "الشركة الخماسية التي تمثل أكبر تمركز لرأس المال عندنا"، بالإضافة إلى إعلانها "إلغاء جميع التعديلات التي طرأت على قانون الإصلاح الزراعي والتي غيرت جوهره وروحه والعودة إلى القانون السابق".
وقاد هذه التوجهات في الحكومة والمؤسسات السورية، وزير الإعلام البعثي عبد الله عبد الدائم، حيث بدأت تعقد ندوات حوارية في دمشق لمناقشة كيفية العودة إلى الوحدة مع مصر، وسافر وزير الخارجية السوري عدنان الأزهري إلى القاهرة لدراسة إمكانية التباحث حول إعلان وحدة جديدة مع مصر، ولكن عبد الناصر رفض، فعاد الأزهري إلى دمشق وقدّم استقالته من منصبه، التزاماً بقرار المؤتمر القومي الخامس لحزب البعث "بالانسحاب من الحكم الحالي باعتباره تجسيداً لمؤامرة الانفصال الرجعية الإقليمية". وسط هذه الأجواء وفي يوم السابع من أيار/ مايو 1962، كتبت صحيفة "الأيام" السورية "مانشيتًا" عريضًا قالت فيه "فرار السراج"، كاشفة عن جائزة مالية لمن يدلي بأي معلومات تساعد في القبض على عبد الحميد السراج بلغت 20 ألف ليرة سورية.
وبينما كانت الحكومة السورية الجديدة مشغولة بإقناع المصريين بالتعقّل ونسيان جرح الانفصال، أمر عبد الناصر مدير مكتبه سامي شرف بالتخطيط لتهريب السراج من سجنه في دمشق، حسبما يروي شرف في كتابه "سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر" الصادر عن المكتب المصري الحديث العام 2015. فتم تشكيل فريق أمني خاص مكون من منير حافظ سكرتير عبد الناصر للمعلومات ومساعده محمد المصري وكذلك محمد نسيم ضابط عمليات المخابرات المصرية في بيروت.
كانت خطة تهريب السراج تعتمد بشكل كبير على مساعدة الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، واللواء شوكت شقير رئيس أركان الجيش السوري في زمن الشيشكلي، وشخصيات لبنانية أخرى من صيدا، بالإضافة إلى أحد عناصر سجن المزة السوريين وكان يدعى منصور رواشدة المكلف بحراسة السراج في سجنه. وهكذا تنكّر السرّاج في زي ضابط سوري برتبة رقيب، وتم نقله بسيارة خاصة إلى دير العشائر ثم إلى قصر المختارة، حيث تم تسليمه بعدها إلى محمد نسيم الذي خبأه في طائرة الصحف اللبنانية التي كانت تقلع يوميًا من بيروت إلى القاهرة.
في 5 حزيران/يونيو1962، خرجت إذاعة دمشق ببيان للحكومة السورية قالت فيه إنها لا تزال ملتزمة بالاشتراكية، وأنها هي من أعادت قانون الإصلاح الزراعي وقانون تنظيم المصارف، وأمّمت الشركة الخماسية، مؤكدة أن "إعادة البحث في الوحدة مع مصر ضرورة قومية ومطلب واقعى تمليه ظروف البلاد العربية" وأنها ستواصل اتصالاتها مع مصر للوقوف على وجهة نظرها "من أجل الاتفاق على صيغة نهائية لمشروع الوحدة"، لكن بيان الحكومة كان فضفاضاً لناحية شكل تلك الوحدة، رافضاً تعجل بعض التيارات الوحدوية ودفعها باتجاه "وحدة فورية غير مدروسة"، مؤكدًا السعي إلى "وحدة مدروسة" تعتمد الشكل الاتحادي الذى أثبتت التجارب أنه "الشكل الواقعي السليم لأي وحدة تتم بين بلدان عديدة".
كان توجه العظمة سياسياً استراتيجياً أكثر منه عاطفياً، كحال المحيطين به، لذلك اقترح ضم العراق بقيادة عبد الكريم قاسم إلى ذلك الاتحاد المنشود مع مصر، بهدف إقامة توازن مع عبد الناصر، كما يرى الدكتور أحمد صلاح الملا، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب بجامعة دمياط في بحثه "اجتماع شتورة - أغسطس 1962" المنشور في مجلة بحوث الشرق الأوسط - العدد 45.
في ذلك الصيف الساخن أخذت المدن السورية تشهد المزيد من الاحتجاجات والإضرابات العمالية، تطالب بالمكاسب التي حصلت عليها في عهد الوحدة، وبلغت حدّة تلك الإضرابات توقف الشركات الكبرى عن العمل والإنتاج ومن بينها الشركة الخماسية التي تم تعطيل العمل فيها لمدة 52 يومًا بعد اعتقال جميع عمالها وكان عددهم 1800 عامل. وحتى الشهور التسعة الأخيرة التي سبقت قبل انقلاب 8 آذار/مارس 1963، لم تتمكن سوريا من العيش كدولة مستقلة ذات سيادة، بينما أصرّ عبد الناصر على الاستمرار في تسميتها "الإقليم الشمالي" في كافة خطاباته. أما إسرائيل فقد قرّرت التدخّل في العمق السوري هذه المرّة ومنذ مطلع العام 1962، مستغلة الثغرة الأمنية التي فتحتها حالة الاضطراب وانعدام الاستقرار في عهد الانفصال.
(يتبع: إعادة تشكيل سوريا)
المصدر: المدن