ما هو الإنقسام الحقيقي المبطّن؟
د. فؤاد زمكحل
الخميس 28 آب 2025
في ظل التوترات والخلافات والتجاذبات والإنقسامات الداخلية والخارجية الراهنة، القديمة - الجديدة، ما هو الإنقسام والخلاف الحقيقي المبطّن الذي نعيشه في لبنان؟
إنّ أي دولة في العالم وفي كل الديموقراطيات، من الطبيعي، أن يكون هناك بعض الإنقسامات والتجاذبات والمنافسة حول مشاريع بنّاءة للبلد. لكنّ منصّات تبادل الأفكار والمشاريع يجب أن تكون دستورية تحت سقف القانون والمؤسسات.
في لبنان، منصّة الحوار وتبادل الأفكار وصوت الشعب هو مجلس النواب، أمّا منصّة التنفيذ وملاحقة المشاريع والقرارات فهو مجلس الوزراء. فأيُّ خلاف وعدم احترام للقرارات الدستورية، هو ملاحقة المشروع المبطّن بتدمير ما تبقّى من الدولة ومؤسساتها.
لا شك في أنّ الخلاف الذي نعيشه اليوم حول حصر السلاح والإستراتيجية الدفاعية، هو الجزء المرئي من «جبل الجليد» (Iceberg)، أمّا الجزء المبطّن فهو: هل نريد بناء دولة حقيقية قوية مستقلة؟ أو سنبقى في الدويلات التابعة لمصالح وأفراد إقليمية لا بل دولية؟
الجزء غير المرئي هو أيضاً: هل نضع مصلحة الشعب والبلد أولاً أو نبقى صندوق بريد للرسائل المباشرة وغير المباشرة، الإقليمية والدولية؟
ألم يدفع لبنان ثمناً باهظاً لحروب الآخرين على أرضه منذ سنوات وعقود عدة؟ ألم يكن لبنان مختبراً سياسياً إنفجر وحُرق عمداً مرّات عدة؟
لا شك في أنّ إعادة بناء الدولة لن يكون أمراً سهلاً، وستكون الطريق صعبة وشائكة، وندرك تماماً أنّ إعادة الثقة بين الدولة والشعب، بين الدولة والمجتمع الدولي، سيستغرق وقتاً مع خطة على المدى القصير، المتوسط والبعيد.
لكن اختبرنا أيضاً التداعيات المباشرة وغير المباشرة لدولة ضعيفة وغير موجودة، واختبرنا أيضاً المشاريع المبطّنة التي كانت تهدف إلى تدمير الدولة ومؤسساتها.
إنّ تاريخنا وخبراتنا علّمانا أيضاً ما هي كلفة الدويلات والسلاح غير الشرعي، والقرارات المصدّرة والأهداف الخارجية.
ألم يدفع لبنان ثمناً باهظاً بالأرواح والدماء والدمار، جرّاء تدمير الدولة الممنهج والقرارات غير الشرعية؟
ألم يدفع الإقتصاد اللبناني ثمن الدويلات في التهريب، الترويج والإقتصاد الأسود وإقتصاد المافيات وإدراج لبنان على القائمة الرمادية مجموعة العمل الدولي FATF، والقائمة السوداء في الإتحاد الأوروبي؟
لقد اختبرنا الدولة واختبرنا الدويلات، اختبرنا الإقتصاد الأبيض والإقتصاد الأسود، اختبرنا قوة جيشنا وقوة الأحزاب المسلحة، اختبرنا الدعم الدولي، وانفصالنا عن الإقتصاد الدولي.
الواضح من التجارب السيّئة والصعبة، أنّ لا خيار إلّا خيار الدولة القوية والجيش المتضامن والإقتصاد الأبيض، وتواصلنا مع المجتمع الدولي لإعادة بناء شعبنا وإقتصادنا وبلادنا. أي خيار آخر يعني إستكمال مشروع التدمير الذاتي والفوضى الراهنة والإقتصاد الأسود الموازي وإدارة المافيات.
في المحصّلة، لدينا اليوم فرصة ذهبية للإصطفاف يداً واحدة حول الدولة القوية المستقلة، برؤية موحّدة وجامعة، وعلينا ألّا نضيّع هذه الفرصة، لأنّ الخيار الآخر لن يكون غير الحرب والدمار والخراب والتهجير. فالخلاف المبطّن اليوم ليس بالحقيقة حول حصر السلاح أو غيره، إنّما الخلاف المبطّن هو بالحقيقة بين دولة واللادولة، بين النظام والفوضى، بين الإقتصاد الشرعي والإقتصاد الموازي، بين التجارة الشرعية والتهريب، بين تصدير نجاحاتنا وتصدير الكبتاغون. هذا هو الخلاف والإنقسام وهذه هي الخيارات.
المصدر: الجمهورية