العلمانية
معاني «الدين لله والوطن للجميع»

د. ريم منصور الأطرش

الثلاثاء 29 تموز 2025

قد يطرح هذا الشعار أسئلة إشكالية اليوم، بعد مرور قرن على انطلاقة الثورة السورية الكبرى (1925-1937)، إلا أنّها كانت في زمن الثورة من البديهيات التي لا تقبل النقاش
 
قد يطرح هذا الشعار أسئلة إشكالية اليوم، بعد مرور قرن على انطلاقة الثورة السورية الكبرى (1925-1937)، إلا أنّها كانت في زمن الثورة من البديهيات التي لا تقبل النقاش، ألا وهي: «الحيادية والمواطنة والمقاومة». منذ انطلاقها في 21 تموز (يوليو) 1925، آمنت الثورة السورية الكبرى بالحيادية سبيلاً واضحاً للعيش في وطن واحد والتطلّع إلى مستقبل واعد واحد لبناء وطن قوي عصيّ على الدخلاء، فرفع قائدها العام سلطان باشا الأطرش شعاراً لهذه الثورة وهو: «الدين لله والوطن للجميع».
 
تفعيل المواطنة
في القسم الأول من هذا الشعار «الدين لله»، نجد حياد الثورة السورية واضحاً على صعيد المعتقدات، وهذه الحيادية ضمان لعدم التحيّز، وهي تشجّع على تعليم الناس الابتعاد عن الذاتي والاهتمام ببناء القدرة على المحاكمة المتنَوِّرة والمتعقِّلة للإنسان، للوصول إلى توضيح الرابطة القوية بين المصلحة العامة والإنجاز الشخصي، وهذا هو تفعيل المواطنة والتعايش الوطني المستنير.
 
وتالياً، فإن ثورة عام 1925 احترمت جميع الأديان وأقصت التعصّب، وأحلّت محلّه التسامح. وهكذا، فإن الإنسان يستطيع التماهي في الوطن، إذ يجد نفسه مواطناً على قدم المساواة مع الآخرين، مهما تكن معتقداته الروحية؛ وبهذا، يتحقق القسم الثاني من شعار الثورة السورية الكبرى، وهو «الوطن للجميع».
 
التصدّي للتقسيم الطائفي
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فقد رفعتْ الثورة السورية الكبرى شعارها «الدين لله والوطن للجميع» لتتصدى بالمقاومة الشريفة لتقسيم بلادنا الشامية إلى دويلات على أساس طائفي ومذهبي، فرضتها فرنسا منذ احتلالها سوريا في عام 1920.
 
علماً أن فرنسا هي أول دولة أوروبية تصدر قانوناً لفصل الدين عن الدولة في عام 1905. إلا أنها، وعند احتلالها لسوريا، لم تطبّق مبدأ الحيادية فيها وإنما فعلت ما فعلت من تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية، فجاءت الثورة السورية الكبرى لتقف في وجه هذا الفعل الشنيع بشعارها المذكور آنفاً وبأهدافها الواضحة في ذهن قائدها منذ انطلاقها، وهي: وحدة البلاد السورية، ساحلاً وداخلاً والاستقلال التام ونيل الحرية غير المنقوصة.
 
هذا ما أعلنه سلطان الأطرش في بيانه الشهير «إلى السلاح»، 23 آب (أغسطس) 1925، بعد سحق الثوار لجيش فرنسا في معركة المزرعة عام 1925، إذ كان تعداد حملة الجنرال ميشو 13000 عسكري وضابط فرنسي، وهزموا شرّ هزيمة أمام حوالى 400 مجاهد ثائر مقاتل من أهل جبل العرب، متسلّحين بإيمانهم القوي بحقهم وبقدرتهم على استرجاع حقهم المغتصَب من المحتل الفرنسي الغاصب.
 
ومَن قال «إن العين لا تقاوم المخرز؟!» إنها فعلاً استطاعت مقاومته وهزمت جيش ميشو هزيمةً ترجّع صداها في القارة الأوروبية، فأقامت الدنيا ولم تقعدها. وقد التفّ الفقراء والفلاحون، «مرقّعو العبي، كما كان يلقّبهم سلطان الأطرش»، بفطرتهم حول هذه الثورة، وكذلك الوطنيون السوريون، فتصدوا للاحتلال بإيمان راسخ وبمقاومة صامدة وبعتاد قديم من مخلّفات الحرب العالمية الأولى ومن مخلّفات الجيش الفرنسي حين هُزم أمامهم في معارك كثيرة.
 
أساليب الاستعمار لم تتغيّر
قيل الكثير في الثورة السورية الكبرى من الفرنسيين المحتلين، الذين اعتبروا أنها قامت بسبب «التحريض الخارجي». كما رأى بعضهم أنها قامت تحقيقاً لمصالح محلية!
 
إن من واجبي هنا أن أنقل ما كتبه منصور سلطان الأطرش في تقديمه للترجمة العربية لكتاب «مذكرات الكابتن كاربييه في جبل العرب»، التي قام بها الأستاذ نبيل أبو صعب ونشرت في السويداء في عام 1999، من أجل إيضاح هذه التقوّلات: «ولم يأبه كاربييه بالحقيقة التاريخية وبالوقائع التاريخية التي سبقت دخول فرنسا إلى الجبل عندما لبّى القوميون الأحرار، وهم الغالبية الساحقة من أهل الجبل، نداء الشريف حسين بن علي عام 1916، مدلِّلين على أصالتهم القومية والتوق إلى وحدة أمتهم العربية... والتطلّع إلى العيش الحر الكريم بلا شرط ولا قيد... لقد خاب ظن فرنسا وتبددت أحلامها وأحلام حلفائها بفضل التمسك بالحرية وبوحدة التراب الوطني».
 
وأخيراً أقول، لم تتغيّر أساليب الاستعمار بين القديم والحديث، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فما يزال المحتل يطمع بنا وبأرضنا وثرواتنا لتحقيق مصالحه بصرف النظر عن مصالحنا وكرامتنا وحياتنا. فعلينا، نحن أيضاً، ألا نغيّر من إيماننا بأن المقاومة بشتى الأساليب مطلوبة وبأن العين تستطيع مقاومة المخرز إذا صحّ العزم وصدقت النوايا.
 
المصدر: الأخبار