"فكتور هوغو والإسلام" للويس بلان: من الاستشراق إلى الروحانية
جان جبور
الثلاثاء 23 أيلول 2025
صدر حديثاً عن المنظمة العربية للترجمة، بالتعاون مع مؤسسة سابا زريق الثقافية، كتاب لافت للباحث الفرنسي لويس بلان بعنوان "فكتور هوغو والإسلام"، نقلته إلى العربية وقدّمت له الدكتورة زهيدة درويش جبور. هذا الإصدار يفتح نافذة جديدة على أحد أعمدة الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر، كاشفاً جانباً ظلّ مغيّباً عن القارئ العربي: علاقة فكتور هوغو بالإسلام نصّاً وتخييلاً وفكراً. كما يعيد طرح سؤالٍ قديم-جديد: كيف قرأ الأدب الغربي الإسلام؟ وما الذي وجده شاعر فرنسا الكبير في القرآن الكريم والرسالة المحمدية؟
هوغو: من الشرق المتخيَّل إلى الإسلام الروحي
يُعرَف هوغو عربيًا أساسًا بفضل روايتيه "البؤساء" و"أحدب نوتردام"، بينما ظلّ شعره وعلى وجه الخصوص مقالاته الفلسفية بعيدة عن التداول. لكن لويس بلان يذكّرنا بأنّ هوغو، مثل كثير من الرومانسيين، انجذب إلى الشرق في بداياته عبر ديوان "الشرقيات"(1829). كان الشرق عنده فضاءً غرائبياً، مليئًا بالصور المتخيلة التي غذّاها الاستشراق الأوروبي. غير أنّ مساره الفكري تغيّر لاحقاً، خصوصًا بعد المنفى الطويل الذي عاشه إثر انقلاب نابوليون الثالث، فبدأ ينظر إلى الإسلام كحقل للتأمل الروحي والفكري، لا مجرد زينة أدبية.
القرآن في نصوص هوغو
يبيّن الكتاب أنّ هوغو وجد في القرآن الكريم صدى لأسئلته الكبرى حول المصير والعدالة والحياة الآخرة. وقد عبّر عن ذلك في أكثر من قصيدة، مثل "آية من القرآن" و"السنة التاسعة للهجرة". بل إنّ لويس بلان يتتبّع أثرًا مباشرًا للآيات القرآنية في لغة الشاعر وصوره وإيقاعه. تقول د. درويش جبور في مقدمتها: "لقد رصد المؤلف في نتاج هوغو أربع محاولات شعرية قصيرة عن الإسلام قبل أن يتوّجها بالقصائد الكبرى في "أسطورة العصور"، حيث تتبدّى ملامح إعجاب واضح بلغة القرآن وجماليته الفنية".
صورة النبي محمد
يحضر اسم النبي محمد في قصائد هوغو منذ شبابه، لكنه يتجلّى بعمق خاص في قصيدة "السنة التاسعة للهجرة". هناك يكتب الشاعر عن الرسول بعبارات تمزج بين الاحترام والتأثر، مصوّراً النبي في أفق إنساني وروحي رحب. صحيح أن هوغو لم يعتنق الإسلام، كما يظن بعض القرّاء، لكنه اتخذ من الرسول نموذجاً للإصلاح الروحي والاجتماعي، وأداة لتجسيد حلمه بالعدالة.
من الاستشراق إلى الحوار
توضح المترجمة أنّ قيمة الكتاب تكمن في أنه "يسلّط الضوء على المكانة التي يحتلها الإسلام في الأدب الفرنسي من خلال نتاج هوغو، ويبيّن كيف انتقل من صورة استشراقية للشرق إلى بحث صادق عن الروحانية في الإسلام". لقد سعى هوغو إلى تجاوز الانقسامات بين الشرق والغرب، ورأى أن الأديان يمكن أن تلتقي في جوهرها الروحي، حتى لو اختلفت مؤسساتها وطقوسها.
من هنا، فإن أهمية الدراسة تكمن في أمرين: أدبي، إذ تذكّرنا بأن هوغو لم يكن مجرد روائي ملحمي، بل شاعر وفيلسوف مشغول بالأسئلة الروحية، وأن الإسلام كان جزءًا من هذا الانشغال؛ وثقافي-حضاري، كون الكتاب يكشف عن تقاطع نادر بين الأدب الغربي والإسلام، ويقدّم نموذجًا مضادًا لخطاب الصدام، مؤكدًا أنّ الأدب يمكن أن يكون جسرًا للحوار.
يضع لويس بلان بين أيدينا نصًا نقديًا يعرّفنا بهوغو من زاوية غير مألوفة، ويتيح للقارئ العربي أن يرى في شاعر فرنسا الأكبر باحثًا عن الحقيقة، وجد في القرآن والنبي محمد مصدر إلهام وروحانية. إنها قراءة تمنح الإسلام مكانته المستحقة في الأدب العالمي، وتعيد فتح النقاش حول إمكانية المصالحة بين الثقافات عبر الكلمة الشعرية.
المصدر: المدن